ما يوقف لمصلحة المسجد

ما يوقف لمصلحة المسجد

 

ما يوقف لمصلحة المسجد

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين..أما بعد:

فعمارة المساجد تحتاج إلى دعم مستمر وتمويل متواصل، حتى يمكن أن تقوم المساجد برسالتها، ويمكن إبراز أهم مصادر تمويل عمارة المساجد على النحو الآتي:

أولاً: الأوقاف المحبسة لعمارة وصيانة المساجد, وهي الأوقاف التي وقفت على المساجد، واشترط محبسوها أن يصرف ريعها وغلتها في عمارة المساجد وصيانتها، وهذا يعتبر من أهم عمارة المساجد على مر التاريخ.

ثانياً: الأوقاف الخيرية العامة, أي الأوقاف الخيرية التي جعلت غلتها في وجوه البر العامة؛ لأن عمارة المساجد من أعظم وجوه البر.

ثالثاً: بيت مال المسلمين, وهي الأموال العامة التي في خزانة الدولة الإسلامية مما ينفق منه على مصالح المسلمين المختلفة.

رابعاً: تبرعات أهل الخير والإحسان وتحبساتهم, وما زال هذا المصدر معمول به منذ بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعمارة مسجده في المدينة المنورة أول ما هاجر إلى يومنا هذا, حيث يتسابق أهل الخير من المسلمين على عمارة المساجد وصيانتها والإيصاء بعمارتها وإنشائها لما علموه من حث الشارع على هذه العمارة وترغيبه فيها.

 

وعند التساؤل عما يوقف على المساجد؟ فإنه يقال: كل ما يوقف لمصلحة المسجد المرجع في تنفيذه هو نص وصية الواقف له، وشرطه معتبر ما لم يخالف الشريعة الإسلامية, وما يوقف لمصلحة المسجد ينقسم من جهة المستفيد منه إلى قسمين:

القسم الأول: ما يختص بذات المسجد، وما فيه كالفرش وآلات التبريد والتدفئة، وغيرها من الأدوات الكهربائية، والكتب النافعة.

فعلى الناظر تنفيذ وصية الواقف في هذا، فإن كان الوقف على المسجد مطلقاً، فله أن يشتري للمسجد ما يحتاجه من هذه الأشياء، وأن يصرف مبالغ من الوقف على إصلاح المسجد وترميمه عند الحاجة، وإصلاح مرافقه، ثم يدخر ما زاد عنده من ريع الوقف لعمارة المسجد وصيانته وله المتاجرة بهذه الغلة لتنمو ويكون ذلك بإذن حاكم شرعي، فإن خيف ضياع المال أو استيلاء ظالم عليه فليدخره لمصلحة المسجد لأنه أصلح.

 

ويجوز أن يستغل ما تحت المسجد أو فوقه من بناء لمصلحة المسجد، كحوانيت أو منازل تؤجر، أو يسكن القائمون على مصالح المسجد فيها.

وإن نص الواقف على عمارة المسجد، فيصرف على البناء  وبناء المنارة والمنبر والنوافذ ونحوها, مما يعتبر من البناء.

القسم الثاني: ما يوقف لمصلحة القائمين على المسجد, كالدار التي توقف للإمام أو المؤذن أو الخادم، فإن نص الواقف أنها وقف لإمام المسجد فله سكناها، وله أن يسكنها من يشاء، وأن يؤجرها، وعليه إصلاح ما يفسد فيها حال استغلاله لها.

وإن قال: “وقفت هذه الدار ليسكنها إمام المسجد، فإن استغنى عنها فهي لمصلحة المسجد”, فليس للإمام إلا سكناها أو تركها، وليس له تأجيرها وأخذ غلتها.

ويشترك هذان القسمان في غلة وقف معين وقفه صاحبه، فإن قال: وقفت هذه الدار للمسجد ولإمامه، فنصفها لمصلحة المسجد ونصفها للإمام.

وإن قال: وقفت هذه الدار للإمام ليسكنها فإن استغنى عنها فهي للمسجد, فقد تقدم ذكره آنفاً. والحاصل أن عبارات الواقف معتبرة في وصيته ما لم تخالف الشريعة الإسلامية.

 

وإن مات إمام المسجد أو من يقوم بشأن المسجد فمن بعده من أوصى له الواقف المتوفى، أو من يعينه الواقف الحي بنفسه، فإن كان الواقف ميتاً ولم يعين أحداً، أو حياً ولم يعين أحداً، فإن القاضي هو الذي يعين بديلاً للإمام تتوفر فيه شروط الإمامة, وإن كانوا في بلد ليس لإمام المسلمين به نائب، فإن جماعة المسجد يولون من يرون فيه الصلاح.

ومما ينبغي التنبه له: أنه لا يجوز وقف شيء محرم للمسجد، كسجاد حرير ونحوه, ولأن الوقف لأجل شيء محرم كبناء القبور بالمساجد أو الزخرفة عند من يرى تحريمها حرام.

 

ولا يحل للمؤمن أن يستغل أوقاف المسجد التي لم توقف عليه لمصالحه الشخصية، كاستخدام فرش المسجد في الحفلات، أو وضع بضاعة له ونحوها بالمسجد، وجعله مخزناً له، فإن فعل فعليه أجرة المثل، وإن أتلف شيئاً لزمه رد مثله.

والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين1.


 


1 استفيد الموضوع من:

1- أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية لـ(إبراهيم بن صالح الخضيري).

2- المشروع والممنوع في المسجد لـ(محمد بن علي العرفج).