فبعزتك لأغوينهم أجمعين
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين .. أما بعد:
فإن عداوة الشيطان لبني آدم شديدة، وكيده لهم عظيم، وقد أخبر الله بذلك في القرآن الكريم في عدة آيات فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (سورة فاطر:6)، وهذا إعلان بعداوة الشيطان لبني آدم، وعلى العباد أن يقابلوا هذه العداوة بمثلها فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، وقال: وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (سورة البقرة:168)، وأخبر تعالى أنه قد أقسم بعزة الله على إضلال بني آدم فقال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (سورة ص:82). فبعزتك: أي بقدرتك وسلطانك، وقهرك ما دونك من خلقك لأغوينهم أجمعين والإغواء: هو الإهلاك، والإضلال، والإبعاد كما في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (سورة مريم:59) أي هلاكاً إلا عبادك منهم المخلصين أي: “إلا من أخلصته منهم لعبادتك، وعصمته من إضلالي، فلم تجعل لي عليه سبيلاً، فإني لا أقدر على إضلاله وإغوائه .. قال قتادة: “علم عدو الله أنه ليست له عزة”1 والضمير في: لأغوينهم لذرية آدم، وإن لم يجرِ لهم ذكر؛ للعلم بهم، قال القرطبي: “لما طرده بسبب آدم حلف بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات، وإدخال الشبهة عليهم، فمعنى: لأغوينهم لأستدعينهم إلى المعاصي، وقد علم أنه لا يصل إلا إلى الوسوسة، ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه، ولهذا قال: إلا عبادك منهم المخلصين أي الذي أخلصتهم لعبادتك، وعصمتهم مني”2 أي المشرفين بالإضافة إليك، فهم لذلك لا يميلون عنك إلى شيء سواك، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو: المخلِصين بكسر اللام، والباقون: بفتح اللام، ومعنى القراءة الأولى: أنهم أخلصوا دينهم عن الشوائب؛ ومن فتح اللام فمعناه: الذين أخلصهم الله بالهداية، وقال الألوسي: “أقسم بسلطان الله وقهره، وهو كما يكون بالذات يكون بالصفة، فالباء للقسم على ما عليه الأكثرون، والفاء لترتيب مضمون الجملة على الإنظار، أي فأقسم بعزتك لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أي أفراد هذا النوع بتزيين المعاصي لهم”3. فأقسم إبليس هنا بعزة الله، وفي الأعراف: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ وفي الحجر: رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ فهنا: لأغوينهم، وفي الأعراف: لأقعدن، وفي الحجر: لأزينن“4. وقال ابن كثير: “وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين، وكذب، فكيف معاملته لنا؟!”5 “والتزيين: جعل الشيء متقبلاً في النفس من جهة الطبع، والعقل؛ بحق أو بباطل”6.
والحكمة من خلق الشيطان إظهار قدرة الله على خلق المتضادات والمتقابلات، حيث خلق الله إبليس وذاته من أخبث الذوات، وخلق جبريل وذاته من أفضل الذوات وأشرفها وأطهرها، فجعل الله الخبيث منحازاً إلى روح إبليس الخبيثة، وجعل الطيب منحازاً إلى المادة الطيبة، ولإكمال مراتب العبودية، وإظهار العبودية المتنوعة التي تحصل في مجاهدة إبليس، وحزبه، ومراغمته في الله، وإغاظته، والاستعاذة بالله منه، وحصول العبرة لجميع العباد بما حصل لعدو الله إبليس من الإهانة، والذل، وسوء العاقبة بسبب عصيانه أمر الله – تعالى -، واستكباره على ربه، وبهذه العبرة يقوى الإيمان ويزداد لدى الملائكة، والإنس، والجن، ويعظم خوفهم من الله – تعالى -، وفي خلق إبليس تظهر آثار أسماء الله المتضمنة لحلمه، وعفوه، ومغفرته، وستره على عباده وما ارتكبوه من ذنوب ومعاصي نتيجة إضلال الشيطان لهم، وتغريره بهم يقول ابن القيم – رحمه الله -: “فلو لم يقدر الذنوب والمعاصي فلمن يغفر؟ وعلى من يتوب؟ وعمن يعفو ويسقط حقه؟ ويظهر فضله، وجوده، وحلمه، وكرمه، وهو واسع المغفرة فكيف يعطل هذه الصفة؟ … فلو لم يكن في تقدير الذنوب والمعاصي والمخالفات إلا هذا وحده لكفى به حكمة، وغاية محمودة”7.
أساليب الشيطان في إغواء الإنسان:
1- التزيين والاستدراج خطوة خطوة: فهو لا يأمر بالشر، أو ينهى عن الخير مباشرة، ولكن يبدأ مع الإنسان من صغائر الأمور ثم ينتهي به في كبائرها قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ (النور:21). وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (سورة البقرة:168).
2- التلبيس: الشيطان هنا يحاول خداع العقل، فيحاول إقناعه بأن الذي يعتقد أنه حرام هو في الحقيقة حلال، فإذا أراد أن يأخذ قرضاً ربوياً ليبني به بيتاً قال له الشيطان: هذا ليس حراماً، لأنك لا تريد أن تستغل الناس، إنما تريد أن تستر نفسك وأولادك، فما وجه الحرمة هنا، وهذا هو السبيل الذي كان الشيطان – ولا يزال – يسلكه لإضلال العباد، فهو يظهر الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، ولا يزال بالإنسان يحسن له الباطل، ويكرهه بالحق، حتى يندفع إلى فعل المنكرات، ويعرض عن الحق، يقول ابن القيم في هذا الصدد: “ومن مكايده أنه يسحر العقل دائماً حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذي يضره حتى يخيل إليه أنّه أنفع الأشياء، وينفره من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له حتى يخيل له أنه يضره، فلا إله إلا الله كم فتن بهذا السحر من إنسان؟! وكم حال به بين القلب وبين الإسلام، والإيمان، والإحسان؟! وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة؟! وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة؟! وكم بهرج من الزيوف على الناقدين؟! وكم روج من الزغل على العارفين؟!)8 فيدخل إلى النفس من الباب الذي تحبه وتهواه، ومن أعظم حبائل إبليس في هذا الباب النساء قال ﷺ: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء9، وانظر إلى أولياء الشيطان اليوم كيف يستخدمون هذا السبيل في إضلال العباد.
3- التسويف: وهنا يستخدم معه طول الأمل حتى يصرفه عن التوبة إذا كان رآه مصمماً عليها، فيقول له: لا بأس أن تتوب، ولكن لماذا العجلة، أنت في ريعان الشباب، أكمل دراستك، ثم تزوج فالزواج نصف الدين، وهو يعين على التوبة، ثم اضمن مستقبلك حتى يصرفه تماماً عن التوبة.
4- تهوين المعصية: يأتي الإنسان فيقول له: لماذا تتوب؟ وماذا فعلت حتى تتوب؟ أنت بالنسبة لغيرك من خيار الناس، إنما التوبة لأصحاب المعاصي الكبيرة، وأنت لست منهم، فيهون عليه المعصية.
5- تصعيب الأمر على الإنسان بعد التوبة: يقول له: التوبة تحتاج إلى استقامة، والاستقامة شاقة على النفس، وتجلب عداء المنحرفين، أو لماذا تتوب وتُحمل نفسك، وتفقد أصدقاءك السابقين؟ ثم الناس لن يصدقوك أنك تبت، بل سيسخرون منك، وعلى هذا فقس.
6- التيئيس: يأتي الإنسان فيقول له: إن الله لا يقبل توبة من كانت ذنوبه كثيرة كذنوبك، كيف يقبل الله توبتك وأنت الذي فعلت كذا وكذا؟ ويذكره بكل معصية كان يفعلها”.
7- الغضب: تمرد شيطاني على عقل العاقل، وحالةٌ من الخروج عن جادة ذوي الرجاحة والأسوياء، رُوي عن بعض الأنبياء أنه قال لإبليس: بم غلبت ابن آدم؟ قال: عند الغضب، وعند الهوى”، وأغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول فأطرق عمر برهةً، ثم قال: “أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان، فأنال منك اليوم ما تنال مني غداً”!!
8- الأماني، وحصائد الغرور: فذلكم هو السلاح الشيطاني المضَّاء يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَـانُ إِلاَّ غُرُوراً (النساء:120)، يعدهم هذا الغرَّار بحسب طبائعهم، يجرهم إلى حبائله بحسب ميولهم ومشتهياتهم، يخوِّف الأغنياء بالفقر إذا هم تصدقوا وأحسنوا، كما يزين لهم الغنى وألوان الثراء بالأسباب المحرمة، والوسائل القذرة.
9- الخروج عن الوسط، ومجاوزة حد الاعتدال إلى الإفراط أو التفريط، ولا يبالي إبليس بأيهما ظفر، وهو منهج إبليسي، ومسلك شيطاني يقول ابن القيم في هذا المسألة: ” وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فإنه يأتي إلى قلب العبد فيشمه، فإن وجد فيه فتوراً، وتوانياً، وترخيصاً؛ أخذه من هذه الخطة، فثبطه، وأقعده، وضربه بالكسل، والتواني، والفتور، وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك، حتى ربما ترك العبد المأمور جملة، وإن وجد عنده حذراً وجداً، وتشميراً ونهضة، وآيس أن يأخذه من هذا الباب؛ أمره بالاجتهاد الزائد، وسول له أن هذا لا يكفيك، وهمتك فوق هذا، وينبغي لك أن تزيد على العاملين، وأن لا ترقد إذا رقدوا، وأن لا تفطر إذا أفطروا، وأن لا تفتر إذا فتروا، وإذا غسل أحدهم يده ووجهه ثلاث مرات فاغسل أنت سبعاً، وإذا توضأ أحدهم للصلاة فاغتسل أنت لها، ونحو ذلك من الإفراط والتعدي، فيحمله على الغلو والمجاوزة، وتعدي الصراط المستقيم كما يحمِلُ الأول على التقصير دونه وألا يقربه، ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم: هذا بألا يقربه، ولا يدنو منه، وهذا بأن يجاوزه ويتعداه، وقد فتن بهذا أكثر الخلق، ولا ينجي من ذلك إلا علم راسخ، وإيمان وقوة على محاربته، ولزوم الوسط، والله المستعان”.
وإن حبائل الشيطان بين هذين الواديين تحبك وتحاك، غلا قومٌ في الأنبياء وأتباعهم حتى عبدوهم، وقصَّر آخرون حتى قتلوهم، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وطوائف غلوا في الشيوخ وأهل الصلاح، وآخرون جفوهم وأعرضوا عنهم، وهو يتدرج للوصول إلى هدفه، وينظر نقاط الضعف في الشخص، ويحاول أن يلج من خلالها”10
ولا يكتفي الشيطان بإضلال العباد فحسب بل يتبع إضلاله تزينناً لباطله، فلا يدع ضحاياه فريسة لتأنيب الضمير، وأسرى لتقريع المواعظ، وإنما يحاول أن يبقيهم في سلام داخلي مع أنفسهم بأن يزين لهم أعمالهم، فلا يشعروا بأي نفور عنها، أو أنها مخالفة للفطر والعقول قال تعالى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (سورة الأنعام:43)، ويأتي هذا التزيين على شكل مبررات يسوقها الشيطان لضحاياه لتبرير أفعالهم؛ فالذي يزني ويأتي الفواحش يزين له أنه يمارس حريته الشخصية، والذي يسرق ويختلس يزين له أنه يستعين بذلك على تكاليف الحياة، والذي يمارس الدكتاتورية والقهر يزين له أنه يحافظ على وحدة الشعب وتماسكه من الدعوات الطائفية والعرقية، وهكذا دواليك. ومن العجيب أن أسلحة الشيطان في ذلك لا تخرج عن التأثير النفسي، وهو ما سماه الله بالوسوسة، وهي حديث النفس والكلام الخفي الذي لا يُسمع، وقد مكنه الله من مخاطبة النفس، والإيحاء إليها قال تعالى: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (سورة الناس:1-6)، فالوسوسة هي سلاح إبليس الأمضى، وما أخرج آدم من الجنة إلا وسوسة إبليس قال تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (سورة طـه:120)، فقوله تعالى: فوسوس تدل على أن الحديث دار همساً بصوت خافت، والوسوسة هي إغواء الشيطان، وهي إغراء بارتكاب الشر، والذي يتحدث ويأمر بالخير لا يهمه أن يكون حديثه بصوت عال، ولكن الحديث في الشر والغواية لا يتم إلا همساً بصوت خافت، والوسوسة باللغة العربية: هي صوت رنين الذهب والحلي، وهو صوت يجذب الناس ويغريهم، ويلفت نظرهم، والوسوسة لا بد أن يكون فيها إغراء، لأنك إذا أردت أن تخرج الناس عن منهج الله لا بد أن تغريهم بمتعة دنيوية سيفوزون بها، ورغم افتقاد إبليس للسلاح المادي في الإضلال إلا أنه قد أغوى أكثر الخلق – والعياذ بالله – يساعده في ذلك موافقة أهواء النفس وشهواتها لما يدعو إليه، فيجتمع على العبد نفسه، وشيطانه؛ فلا يقف أمامهما إلا خالص المؤمنين، هذا مع أن الله قد أخبر أن كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (سورة النساء:76)، إلا أن ضعف النفس البشرية أمام المغريات قد أعطى لضعف الشيطان قوة.11
وقد وصف اللهُ الشيطانَ بوصفين متقابلين هما الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ فالوسواس من الوسوسة وهي حديث النفس الذي يلقيه إبليس على بني آدم، والخناس كثير الخنس وهو الاختفاء؛ وذلك أن العبد إذا ذكر ربه خنس الشيطان وهرب، قال مجاهد: “إذا ذُكِر الله خنس وانقبض، وإذا لم يذكر انبسط على القلب”، وانظر إلى قوله: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (سورة الأعراف:200) شبه سبحانه حدوث الوسوسة الشيطانية في النفس الإنسانية بنزغ الإبرة ووخزها لخفائها، وخفاء أثرها، وهو تشبيه بليغ إذ أن الإنسان لا يشعر بوسوسة إبليس، وقد علم إبليس ضعف ابن آدم حين رآه ذا جوف، وأنه يستطيع أن يجري منه مجرى الدم، وعلم ضعفه في قواه الثلاث: قوته العقلية، وقوته الغضبية، وقوته الشهوية، ويمكن إغواء كل إنسان من طرقها، والشيطان قد أهبطه الله إما معنى أو حساً قال تعالى: فَاهْبِطْ مِنْهَا (سورة الأعراف:13) فقوله: فَاهْبِطْ مِنْهَا معناها أن إبليس كان في مكان عال قبل المعصية، فلا يكون الهبوط إلا من مكان عال إلى مكان منخفض، وقد يكون معنوياً وهو هبوط المكانة، فالإنسان مثلاً إذا كان رئيساً أو حاكماً ثم أقصي عن مكانه؛ فقد هبطت منزلته، وأعطانا الله سبب هذا الهبوط بقوله: فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا أي أن السبب هو أن إبليس قد ملأه الكبر، والغرور، والله لا يحب المتكبرين، ولذلك قال له – تبارك وتعالى -: فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ. ولا يظن أحد أن إبليس أوقع آدم وحواء في المعصية على مرحلة واحدة، بل سبق ذلك مراحل، فإبليس خدعهما أولاً ليقتربا من الشجرة، ثم زيّن لهما ثمارها، وحلاوتها، ولونها، ورائحتها، ثم بعد ذلك أغراهما بالأكل! أي أن المعصية تمت على مراحل ولم تتم دفعة واحدة، ولذلك لا بد لنا أن ننتبه أن الاقتراب من المعصية يوقعنا فيها، وانظر إلى قوله: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ (سورة الأعراف:22) أي بمجرد التذوق، ولم يكرر آدم وحواء المعصية، وأكلا من الشجرة مرات ومرات، ولم يكن هناك إصرار على تكرار المعصية، إنه بمجرّد التذوق ظهرت لهما عوراتهما، فقاما بإخفائها أو مداراتها بورق أشجار الجنة، ومعنى ذلك أنهما احتاجا إلٍى أكثر من ورقة ليداريا العورة، وهنا نرى عدل الله في أنه حذرهما أولاً من المخالفة، وأبلغهما بالجزاء أو العقاب حتى يكون العقاب عدلاً وحقاً، ومداخل الشيطان إلى الإنسان: (النزغ، والهمز، والوسوسة، والمس) وكلها في القرآن الكريم. والنجاة من الشيطان بالعمل بالكتاب والسنة، ودعوة الناس إلى ذلك، والحذر واليقظة الدائمة: سئل الحسن البصري: أينام إبليس؟ قال: “لو نام لوجدنا راحة”، والالتجاء إلى الله، والاحتماء به، والاستعاذة بالله من هذا الشيطان الرجيم، والإكثار من قراءة القرآن الكريم فله خاصية في طرده، وكلما أكثر العبد من التلاوة حصّن نفسه من الشيطان الرجيم، ومداومة ذكر الله بالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والاستغفار، والدعاء، وشهود مجالس الخير والعلم، والبعد عن مجالس اللهو واللعب، والباطل والغفلة، نسأل الله – تعالى – أن يتفضل علينا برحمته، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
1– تفسير الطبري (ج21 / ص241)
2– تفسير القرطبي (ج15 / ص229)
3– تفسير الألوسي (ج17 / ص403)
4– تفسير البحر المحيط (ج9 / ص356)
5– تفسير ابن كثير (ج1 / ص110)
6– نظم الدرر للبقاعي (ج4 / ص415)
7– شفاء العليل جزء 1 صفحة 223
8– إغاثة اللهفان جزء 1 – صفحة 110
9– صحيح البخاري (ج16 / ص41-4706) وصحيح مسلم (ج13 / ص284-4923) المصدر بتصرف http://saaid.net/Minute/72.htm10 11 المصدر بتصرف: