آداب الصيام

آداب الصيام

 

آداب الصيام

 

الحمد لله الذي أمر عباده بالصيام، وأصلي وأسلم على أفضل من صلى وصام، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام. أما بعد:

فإننا نستقبل ضيفاً عزيزاً كريماً، ضيفاً ليس ككل الضيوف، فهو يحمل بين طياته الرحمة والغفران، والعتق من النيران، ضيف إذا زار رحب به المزور، وإذا ارتحل ذرفت لارتحاله القلوب قبل العيون، إنه شهر رمضان المبارك، اللهم بلغنا رمضان، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، فمرحباً بشهر الرضوان، شهر القرآن، شهر رمضان.

 

لقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بصيام شهر رمضان المبارك، فقال جلّ من قائل سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) سورة البقرة، وقال عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان )1، وقال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)2

وللصيام فضائل وفوائد، وله آداب و أحكام وفي هذا المجلس –إن شاء الله- نتناول بعض هذه الآداب ومنها:

 

1- أن يصوم المسلم في الوقت المحدد شرعاً، فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)3 فإنه لا يجوز أن يعتدي بالتقديم أو التأخير.4

 

2- ومن آداب الصيام: السحور، وقد اجتمعت الأمة على استحبابه, فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا فإن في السحور بركة)5 وسبب البركة: أنه يقوى الصائم وينشطه، ويهون عليه الصيام.

ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليله ولو بجرعة ماء, فعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: (السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم ماء, فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين)6.

 

ووقت السحور من منتصف الليل إلى طلوع الفجر, والمستحب تأخيره، فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم، وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلى. قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.7 وعن عمرو بن ميمون رضي الله عنه قال: كان أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أعجل الناس إفطاراً و أبطأهم سحوراً.8

ولو شك في طلوع الفجر فله أن يأكل ويشرب حتى يستقين طلوعه , ولا يعمل بالشك, فإن الله عز وجل جعل نهاية الأكل والشرب التبين نفسه, لا الشك، فقال عز وجل: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (187) سورة البقرة, وقال رجل لابن عباس رضي الله عنه: إني أتسحر فإذا شككت أمسكت, فقال ابن عباس: كُل ما شككت حتى لا تشك.

 

وتأخير السحور إن لم يخش طلوع الفجر الثاني.

3- ومن آداب الصيام: أن يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء.9

4- ومما يجب على الصائم: البعد عن الرفث لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (… إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث..)10والرفث: هو الوقوع في المعاصي.

 

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)11

5- وينبغي أن يجتنب الصائم جميع المحرمات كالغيبة والفحش والكذب، فربما ذهبت بأجر صيامه كله، وقد ثبت مرفوعاً: (رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع)12.

6- وينبغي على الصائم أن لا يصخَب؛ لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-: (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم، إني صائم)13، فواحدة تذكيراً لنفسه، والأخرى تذكيراً لخصمه.

 

7- ويكره للصائم الإكثار من الطعام، لحديث (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنٍ…)14، وكثرة الأكل تجلب النعاس والخمول، الشهر شهر عبادة وطاعة، بل إن الفائدة التي تحققت بالصوم من راحة الجسم، تزول بكثرة الأكل، بل لربما أدى ذلك إلى عسر الهضم وآلام المعدة، فحيث كانت المعدة في أثناء النهار في راحة، إذا بأرتال اللحوم والشحوم والمشارب وألوان الطعام تنهال عليها!.

 

أضف إلى ذلك الثقل الذي يجده المسلم إذا أكثر من الأكل وقت صلاة التراويح.

ولعل ما ينبغي التنبيه عليه أننا نجد كثيرين يستعدون لشهر الصوم بأنواع من المآكل والمشارب! فتراهم يتزاحمون على أماكن التموين وبيع المواد الغذائية وكأنهم مقدمون على مجاعة!

ومع ما بيناه من أثر سلبي من كثرة الأكل، فإن له مضرة أخرى ألا وهي إشغال وقت النساء بالطبخ وإعداد أصناف وألوان الطعام، مما يفوت عليهن الأوقات الشريفة واستغلالها بالطاعة.

 

8- ومما يندب له ويستحب في هذا الشهر بالذات: الجود بأنواعه، بالعلم والمال والجاه والبدن والخُلُق.

فقد مرَّ بنا ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.15

 

فكيف بأناس استبدلوا الجود بالبخل، والنشاط في الطاعات بالكسل والخمول، فلا يتقنون الأعمال، ولا يحسنون المعاملة، متذرِّعين بالصيام، بل إن مما يرجى أن يكون من أسباب دخول الجنة الجمعَ بين الصيام والإطعام؛ كما جاء في الحديث: (إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، ولان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام )16

ومن أوجه الجود في هذا الشهر الكريم تفطير الصائمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من فطّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)17

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله: والمراد بتفطيره أن يُشبعه.18

وقد آثر عدد من السلف -رحمهم الله- الفقراءَ على أنفسهم بطعام إفطارهم، منهم: عبد الله بن عمر، ومالك بن دينار، وأحمد ابن حنبل وغيرهم. وكان عبد الله بن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.

9- ومن الأدب في رمضان أداء صلاة التراويح جماعة في المساجد، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)19.

 

وجاء في قيام ليلة القدر بخصوصها أن فضلها غفران ما تقدم من الذنوب، وقد تقدم الحديث في ذلك.

ولذا فلا بد لنا من أن نستغل هذا الأجر العظيم والفضل الكبير، وأن نحرص على أداء التراويح مطمئنين خاشعين.20

وليست هذه كل الفوائد والفضائل والآداب من الصيام، ولكن الغرض هو التنبيه على بعضها، وفيما ذكرناه كفاية بإذن الله تعالى، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وفي ذلك ذكرى للمؤمنين، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن يصوم هذا الشهر ويقومه إيماناً واحتساباً، كما نسأل المولى جل وعلا أن يحفظ علينا صيامنا من كل ما يفسده أو ينقصه، وأن يجعلنا من الصائمين والمحتسبين، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام.

والحمد لله رب العالمين.


 


1 رواه البخاري (8) ومسلم (16).

2 رواه البخاري (38) ومسلم (760).

3 رواه البخاري (1801) ومسلم (1080).

4 من مقال بعنوان:الصيــام ،فضائل وفوائد وآداب، للشيخ يحيى بن موسى الزهراني. المصدر:http://www.alshamsi.net  بتصرف. 

5 رواه البخاري(1823) و مسلم (1095).

6 رواه أحمد (11101) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(1844).

7 رواه البخاري (551).

8 رواه البيهقى بسند صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4874) رجاله رجال الصحيحين.

9 رواه أبو داود (1/719)، قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.

10 رواه البخاري (1805).

11 رواه البخاري (1804).

12 رواه ابن ماجه(1690) وصححه الألباني انظر حديث رقم: 3488 في صحيح الجامع.

13 رواه البخاري (1795).

14 رواه ابن حبان في صحيحه (5236) قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.

15 رواه البخاري (6) ومسلم (2308).

16 رواه الترمذي(2527) وقال الألباني: حسن.

17 رواه الترمذي (807)وقال الألباني في صحيح الترمذي: حديث صحيح.

18 الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص(109).

19 رواه البخاري (37) ومسلم (759).

20 نقلاً من مقال بعنوان: آداب الصيام وسننه.المصدر:http://www.quranway.net بتصرف.