أسباب الخشوع في الصلاة
الصلاة عمود الدين، وهي نور ونجاة لصاحبها يوم القيامة.. ومن عظيم أمرها أنها الفرض الوحيد الذي فرض في السماء، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، وترك الصلاة من أنكر المنكرات.. ولب الصلاة وأساسها وثمرتها هو الخشوع فيها. وقد أثنى الله -سبحانه- على الخاشعين، وبيَّن عظيم أجرهم.. فقال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} المؤمنون: 1-2.
وبين الله -تعالى- أن الصلاة يستثقلها كثير من الناس، ومن بينهم المنافقون، أما أهل الخشوع والتدبر فيها الذي يحبون القيام إليها فإنها عليهم خفيفة يسيرة قال-تعالى-: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} "البقرة:45"، وكان رسول الله سيد الخاشعين المتدبرين إذ أهمه أمر قال لبلال: "أقم الصلاة أرحنا بها"1.
وقد أخذ الشيطان الرجيم على نفسه عهداً بإغواء عباد الله إلا المخلصين منهم ومن، الإغواء: الوسوسة وتحديث النفس بأمور خارج الصلاة تنافي الخشوع فيها..
إن الخشوع من أول ما يفقده المسلمون من دينهم، كما قال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-:"أول ما تفقدون من دينكم الخشوع،وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة،ورب مصلٍّ لا خير فيه،ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعاً!!"2.
أخي الكريم: إن معنى الخشوع في الصلاة هو "السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع، والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته"3. وهو – أيضاً- "قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل"4.
وأصل الخشوع في القلب، فإذا خشع القلب واستكان لله وذل له وخضع بين يديه ظهر ذلك على الجوارح,وهي العين واللسان والأذن واليد والرجل.. فكلما كان العبد خاشعاً كان أشد ضبطاً لهذه الجوارح وتحكماً بها كما أراد الله-تعالى-.
وليحذر المسلم من تكلف الخشوع بأن يكون في الظاهر خاشعاً وباطنه محشواً بالرياء والنفاق، يقول حذيفة بن اليمان:"إياكم وخشوع النفاق! فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال:أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع".5
وسوف نتعرَّفُ على بعض أسباب الخشوع في الصلاة؛ لعلنا نعملُ بها فنكون من الخاشعين، فمن تلك الأسباب:
1. الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها:
ويحصلُ ذلك بأمور منها: التَّرديد مع المؤذن، والإتيان بالدعاء المشروع بعده، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء،والتسمية قبله، والذكر والدعاء بعده.والاعتناء بالسواك،وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف،والتبكير والمشي إلى المسجد بسكينة ووقار،وانتظار الصلاة،وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها؛لأن الشياطين تتخلل الفرج بين الصفوف.
2. الطمأنينة في الصلاة: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه.
3. تذكر الموت في الصلاة: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته،وصلِّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها".6
4. تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها: ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ فيستطيع التفكر فينتج الدمع والتأثر قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} الفرقان: 73 و مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات بالتسبيح عند المرور بآيات التسبيح, والتعوذ عند المرور بآيات التعوذ.. وهكذا.
5. أن يقطع قراءته آية آية:وذلك أدعى للفهم والتدبر,وهي سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-،فقد كان يقطع قراءته آية آية.7
6. ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها: لقوله-تعالى-:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} المزمل: 4؛ ولقوله-صلى الله عليه وسلم-:"زينوا القرآن بأصواتكم،فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً".8
7. أن يعلم أن الله يجيبه في صلاته:قال-صلى الله عليه وسلم-:"قال الله -عز وجل-: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل". رواه مسلم.وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه".9
الصلاة إلى سترة والدنو منها :من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها، وليقترب من السترة قال رسول الله:"إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدنُ منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته"10
8. النظر إلى موضع السجود: لما ورد عن عائشة أنَّ رسول الله كان إذا صلَّى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض.11
9. التنويع في السُّور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة:
وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني، ويفيده ورود المضامين المتعددة للآيات والأذكار فالتنويع من السنة وهو الأكمل في الخشوع.
10. الاستعاذة بالله من الشيطان:
الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبس عليه صلاته. والشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله -تعالى-، أراد قطع الطريق عليه، وقد أرشدنا الرسول-صلى الله عليه وسلم-إلى مواجهة كيد الشيطان وإذهاب وسوسته: بالتعوذ بالله والتفل على اليسار ثلاثاً،كما جاء في صحيح مسلم عن أبي العاص.
11. تأمل حال السلف في صلاتهم:
هذا عبد الله بن الزبير-رضي الله عنه- كان إذا صلى كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه. وكان علي ابن أبي طالب-رضي الله عنه- إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: مالك؟ فيقول: جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها!.
12. معرفة مزايا الخشوع في الصلاة: ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله". رواه مسلم.
13. الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصاً في السجود: قال نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" رواه مسلم.
14. الأذكار الواردة بعد الصلاة: فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة.12
فهذه بعض الأسباب التي تعين المصلي على الخشوع في الصلاة، وهناك أمور تمنع الخشوع في الصلاة أو تضعفه، أذكرها على سبيل الاختصار:
1. الزخارف الموجودة في جدران بعض المساجد أو فرشها.
2. الصلاة وقت حضور الطعام، لانشغال المصلي به، خاصة إذا كان جائعاً.
3. مدافعة البول والغائط أثناء الصلاة، أو كون المكان غير مناسب للصلاة كأن يكون الجو حاراً أو بارداً جداً.
4. الصلاة عند غلبة النوم، أو الإرهاق الشديد.
5. أن يكون بجنب المصلي متحدث أو قارئ رافع الصوت.
6. الالتفات في الصلاة.
7. رفع البصر إلى السماء.
وغير ذلك من الشواغل..
نسأل الله العون على الطاعة حتى يأتينا اليقين، ونسأله حسن الختام، إنه على كل شيء قدير.. والحمد لله رب العالمين..
1– رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4171).
2– مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله (1/521).
3– تفسير ابن كثير(6/414) ط: دار الشعب.
4– مدارج السالكين (1/520).
5– المصدر السابق.
6– رواه الديلمي في مسند الفردوس وحسنه ابن حجر فيه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (849).
7– روى ذلك أبو داود وصححه الألباني في الإرواء وغيره.
8– رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3581).
9– رواه الحاكم عن أبي هريرة وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1538).
10– رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع (650).
11– رواه الحاكم وصححه الألباني في صفة الصلاة ص89.
12– هناك كتيب مشهور للشيخ محمد صالح المنجد بعنوان: (33 سبباً للخشوع في الصلاة) فراجعه فإنه مفيد إن شاء الله.