شروط خروج المرأة للتراويح

شروط خروج المرأة للتراويح

 

شروط خروج المرأة للتراويح

 

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذه المسألة متعلقة بأمرين اثنين أولهما: مكان صلاة المرأة، أي الأماكن الأفضل، وثانيهما: خروجها من البيت، والقول في هذين الأمرين كالتالي:

أما الأول: فإن الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، كما ورد عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، قَالَ: (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي).

قَالَ: فَأَمَرَتْ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَت اللَّهَ -عز وجل-)1. فهذا هو اللائق بالمرأة، أن تحفظ نفسها من كل ما يعرضها للفتن ويعرض غيرها للافتتان بها.

 

وأما بالنسبة للأمر الثاني وهو خروجها من بيتها إلى المسجد للصلاة فإنه يجوز بشروط؛ لأن المرأة جوهرة نفيسة تعز على أهلها، وقد ذكر العلماء في ذلك شروطاً إذا تحققت جاز خروج المرأة من بيتها، بل يحرم منعها إذا كان خروجها إلى المسجد لمصلحة الصلاة والذكر، حيث وقد ورد النهي عن منعهن كما في الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟. قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ)2، وهذا الحديث قد بين العلماء أن فيه إباحة الصلاة للمرأة في المسجد، والخروج من البيت لأجل ذلك، ولكن الأمر ليس على إطلاقه، فهناك شروط لا بد أن تتوفر لجواز خروج المرأة إلى المسجد، وهي على قسمين:

شروط متعلقة بذات المرأة، وشروط متعلقة بغير المرأة، أما الشروط المتعلقة بذاتها فقد ذكر الإمام النووي -رحمه الله- في شرح الحديث المتقدم ما ذكره أهل العلم من الشروط قال: وهي:

         ألا تكون متطيبة.

         ولا متزينة.

         ولا ذات خلاخل يسمع صوتها.

         ولا ثياب فاخرة.

         ولا مختلطة بالرجال.

         ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها.

         وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوه3.

فهذه مجموعة شروط لصحة خروجها، وهي متعلقة بذات المرأة نفسها، وبالنظر في هذه الشروط يظهر أن بعضها ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعضها ليس ثابتاً، ولكن يوافق مقصد الشريعة ويحققه، فمما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن لا تكون متطيبة فقد جاء في صحيح مسلم: أَنَّ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ كَانَتْ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ)4. وزينب امرأة عبد الله بن مسعود -رضي الله عن الجميع-وهو حديث صريح في أن المتطيّبة ليس لها الخروج إلى المسجد، ومثله ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ)5.

وقد جاء النهي عن الخروج مطلقاً للصلاة وغيرها إذا كانت متطيبة، بل وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها زانية إذا فعلت ذلك، فعَنْ أبي موسى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)6.

 

فتبين سبب النهي من الخروج مع الطيب، وأن ذلك درء للفتنة والوقوع في الحرام, هذا والخروج عام قد تستغني عنه فكيف بخروج إلى عبادة مفضولة كما تقدم أن أفضل صلاة المرأة في بيتها، وقد جاء عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: (لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَوَمُنِعْنَ قَالَتْ: نَعَمْ)7، يعني من الزينة والطيب وحسن الثياب. والله أعلم8.

 

فتبين أن أم المؤمنين -رضي الله عنها- وهي من أعلم النساء تخبر بأن ما تفعله النساء من الخروج متطيبات حرام، ولو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حياً لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل، وقولها في أيام الصحابة والتابعين بعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسنين فكيف بحالنا اليوم!!!.

قال العلامة الشنقيطي -رحمه الله-: وإذا علمت أن هذه الأحاديث دلّت على أن المتطيِّبة ليس لها الخروج إلى المسجد؛ لأنها تحرِّك شهوة الرجال بريح طيبها،فاعلم أن أهل العلم ألحقوا بالطيب ما في معناه كالزينة الظاهرة، وصوت الخلخال والثياب الفاخرة، والاختلاط بالرجال، ونحو ذلك بجامع أن الجميع سبب الفتنة بتحريك شهوة الرجال، ووجهه ظاهر كما ترى. وألحق الشافعيّة بذلك الشابة مطلقاً؛ لأن الشباب مظنَّة الفتنة، وخصصوا الخروج إلى المساجد بالعجائز. والأظهر أن الشابة إذا خرجت مستترة غير متطيِّبة، ولا متلبِّسة بشيء آخر من أسباب الفتنة أن لها الخروج إلى المسجد لعموم النصوص المتقدّمة. والعلم عند الله تعالى9.

 

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ويلحق بالطيب ما في معناه؛ لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال، وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر، إلا إن أخذ الخوف عليها من جهتها؛ لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل10.

وأما الشروط المتعلقة بغيرها:

فيمكن القول بأن من جملة الشروط الأولى وتعلق الفتنة بغيرها يوجب القول بأنها شروط متعلقة بغيرها أيضاً، ومن أهم الشروط المتعلقة بغيرها:

إذن وليها، فإن لم يأذن لم يجز لها الخروج وإن تحققت الشروط الأولى كلها، إذ إن خروجها متعلق بإذنه، وقد جاء عَنْ بِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: (لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِذَا اسْتَأْذَنُوكُمْ)، فَقَالَ بِلَالٌ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَتَقُولُ أَنْتَ لَنَمْنَعُهُنَّ!)11، وهذا دليل صريح على أن الخروج متعلق بإذن الولي، وأن لهن حظاً من المسجد بعد أن يستأذنَّ أولياءهن، وقد زجر ابن عمر ابنَه حين قال بمنعهن، واعتبره معارضة لكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم -.

فمن الحديث يظهر أنه إذا استأذنت المرأة زوجها أو وليها فعليه أن يأذن لها ولا يمنعها، كما لا يجوز لها أن تخرج إن لم يأذن، وإذنه لها أمر ليس له الامتناع منه، ما لم يكن له عذر شرعي، فإن لم يكن له عذر شرعي فلا يمنعها ولو كان الخروج إلى المسجد ليلاً كصلاة التراويح والعشاءين، وهذا مصداق ما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ)12. وعَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ سَالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا)13.

وعلى كل حال فإن المرأة لا تخرج من بيتها إلا مع تحقق شروط الخروج، وتحرص كل الحرص على لزوم بيتها وحشمتها ما أمكن.

 

ويفهم مما تقدم أن النساء يجوز لهن صلاة التراويح في المسجد جماعة بإمام خاص بهن كما أن لهن أن يصلين خلف صفوف الرجال، وإذا جاز لهن صلاة التراويح بجماعة في المسجد، فينبغي أن تلاحظ القواعد والشروط التي ذكرها الفقهاء في خروج النساء إلى المساجد، ومن ذلك خروجهن بإذن أزواجهن أو أوليائهن، غير متطيبات، وأن لا يكون في خروجهن فتنة لهن أو لغيرهن، ويلاحظ أخيراً أنه إذا جاز لهن أداء صلاة التراويح في المسجد بجماعة خاصة بهن أو مع الرجال، فإنه يجوز لهن أيضاً فعلها في البيوت فرادى، أو بجماعة النساء، وتؤمهن امرأة14.

والحمد لله أولاً وآخراً.


 


1 مسند أحمد: (25842) قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري لابن حجر: (3/269): وإسناد أحمد حسن ، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود. وقال الألباني حسن لغيره انظر: صحيح الترغيب والترهيب: (340)، وأيضاً حسنه الأرنؤوط.

2 صحيح البخاري: (849)، وصحيح مسلم: (668).

3 شرح النووي على مسلم: (2/186).

4 صحيح مسلم: (673).

5 صحيح مسلم: (675).

6 سنن النسائي: (5036) وحسنه الألباني.

7 صحيح البخاري: (822)، وصحيح مسلم: (676).

8 شرح النووي على مسلم: (2/190).

9 أضواء البيان: (6/30).

10 فتح الباري لابن حجر: (3/269).

11 صحيح مسلم: (672).

12صحيح البخاري: (848).

13 صحيح مسلم: (666).

14 المفصل في أحكام المرأة لـ د. عبد الكريم زيدان: (1/331).