زخرفة المساجد وتزيينها
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
أما بعد:
فإن المساجد بيوت الله، وقد بينت للصلاة ونشر العلم، وتأليف وجمع كلمة المسلمين، وغير ذلك من الغايات والأهداف التي تبنى من أجلها المساجد.
وليس القصد من بنائها تجصيصها وزخرفتها والتفاخر بها، فإن ذلك مما كرهه العلماء استناداً إلى النصوص الشرعية في ذلك؛ فعن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أمرت بتشييد المساجد) قال ابن عباس: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى"1.
قال الشوكاني-رحمه الله-: "والحديث ظاهر في الكراهة أو التحريم؛ لقول ابن عباس: "كما زخرفت اليهود والنصارى" فإن التشبه بهم محرم، وذلك أنه ليس المقصود من بناء المساجد إلا أن تكن الناس من الحر والبرد وتزيينها يشغل القلوب عن الخشوع الذي هو روح جسم العبادة، والقول بأنه يجوز تزيين المحراب باطل".
ويقول الشوكاني أيضاً في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أمرت) "إشعار بأنه لا يحسن ذلك، فإنه لو كان حسناً لأمره الله به -صلى الله عليه وسلم-".
وقد أخرج البخاري من حديث ابن عمر: "أن مسجده صلى الله عليه وسلم كان على عهده صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر، وبناه على بنائه في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- باللبن والجريد، وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جدرانه بالأحجار المنقوشة والجص، وجعل عمدة من حجارة منقوشة وسقفه بالساج".
وقال ابن بطال: "وهذا يدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تحسينها فقد كان عمر مع كثرة الفتوحات في أيامه وكثرة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه ثم عند عمارته: "أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس" ثم كان عثمان والمال في زمنه أكثر فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة ومع ذلك أنكر بعض الصحابة عليه وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفاً من الفتنة"2..
ومن خلال النقولات السابقة التي نقلناها عن العلماء يتبين لنا أن تجصيص المساجد والمبالغة في ذلك مكروه.
والأدهى والأمر من ذلك أن تكون القبور في بعض المساجد، وأن تجصص تلك القبور ويعمل لها قبة، وتزين، وتتخذ مزاراً، وربما يطلب منها شفاء المرضى، وكشف الضر والبلوى، وما إلى ذلك من الأمور التي لا تطلب إلا من الله وحده لا شريك له، فهذا هو البلاء المبين؛ لأن فيه مخالفة لهدي رب العالمين، ولسنة سيد المرسلين؛ فعن جابر قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ"3.
فينبغي على المسلمين الاقتصاد في بناء المساجد وأن تصرف كثير من الزخارف المكلفة أثماناً باهضة في بناء مساجد أخرى، فإن العبرة بعمارة المساجد المعنوية بالخشوع والعبادة، وليس الحسية بالزخارف والمباهاة..
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.