الزكاة

الزكاة

الزكاة

مشروعيتها وشروطها وحكم تاركها

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.   أما بعد:

فإن الإسلام له أركان يقوم عليها، وأي شيء قد يحكم عليه من خلال أركانه قبل جزئياته، وإن من أركان الإسلام ما يشير إلى التعاطف والتراحم بين أفراده ومعتنقيه، من تلك الأركان الزكاة، فإنها منهج حياة، يمثل جزءاً من قانون الاقتصاد في الشريعة الإسلامية.

وسنتكلم –إن شاء الله- في هذا الدرس عن هذا الركن من حيث التعريف، والمشروعية، وبعض الأحكام المتعلقة به.

تعريفها:

الزكاة في اللغة: النماء يقال زكا الزرع إذا نما وأيضًا بمعنى التطهير1 وكذلك بمعنى الصلاح، وشرعًا: تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة2

حكمتها:

التطهير من الأدناس، ورفع الدرجة، وحصول الأجر والمثوبة، ونفي الفقر.

مشروعيتها:

فرضت في السنة الثانية من الهجرة، ودليلها: الكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب فقد قال تعالى: (وَآتُواْ الزَّكَاةَ) (سورة البقرة:110)، وقال –تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) (التوبة:103)، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (سورة المعارج:25). وغيرها من الآيات.

وأما السنة فكثيرة: منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس) فذكر من الخمس (إيتاء الزكاة)3، وفي حديث معاذ –رضي الله عنه- لما بعثه إلى اليمن (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)4. وأما الإجماع: فقد ذكره كثير من العلماء، قال ابن قدامة: وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبه5. وعلى هذا فلا يجوز إنكارها أو التساهل في أدائها.

شروط وجوبها المتعلق بالعبد: 

¨      أجمعوا على أنها تجب على كل مسلمٍ حرٍّ بالغٍ عاقلٍ مالكٍ النصابَ ملكًا تامًّ6.

¨      اختلفوا في خلاف ما تقدم، وهم: (الكافر المرتد، والصبي، والمجنون، والعبد، وما خلا المالك ملكاً تامًّا).

أما الكافر الأصلي:

فلا خلاف في أنه لا زكاة عليه7.

أما من كان مسلماً ثم ارتد عن الإسلام فعلى ثلاثة أقوال:

   لا تجب عليه في زمن ردته؛ لأنه كافر، والكافر لا يقبل منه شيء حتى يُسلم، ولأنها عبادة، و الكفار غير مخاطبين بشرائع هي عبادات، وهذا قول الحنفية8والحنابلة9.

   تجب عليه الزكاة؛ لأن الإسلام شرط صحة لا للوجوب فتجب على الكافر، وإن كانت لا تصح إلا بالإسلام، وإذا أسلم فقد سقطت بالإسلام؛ لقوله -تعالى-: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال:38)، ولا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد، وكما أن الإسلام شرط لوجوب الزكاة، فهو شرط لصحتها أيضًا؛ لأن الزكاة لا تصح إلا بالنية، والنية لا تصح من الكافر باتفاق الأئمة الثلاثة سوى الشافعي، وهذا قول المالكية10.

   تجب الزكاة على المرتد وجوبًا موقوفًا على عودةٍ إلى الإسلام، فإن عاد إليه تبين أنها واجبة عليه لبقاء ملكه، فيخرجها حينئذٍ، ولو أخرجها حال ردته أجزأت، وتجزئه النية في هذه الحالة؛ لأنها للتمييز لا للعبادة، أما إذا مات على ردته ولم يسلم فقد تبين أن المال خرج عن ملكه وصار فيئًا فلا زكاة11.

وأما الصبي والمجنون فالمسألة على ثلاثة أقوال:

   أنها تجب في مال كلٍّ منهما، ويجب على الولي إخراجها وهذا عند ثلاثة من الأئمة12؛ لأنها عندهم ليست عبادة وإنما هي حق للفقراء على الأغنياء فلا يشترط فيها بلوغ ولا عقل13.

   أنها تجب الزكاة ولكن لا تخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه، وهذا مروي عن ابن مسعود والثوري والأوزاعي14.

   أنها لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يطالب وليُّهما بإخراجها من مالهما، لأنها عبادة محضة، والصبي والمجنون لا يخاطبان بها، وإنما وجب في مالهما الغرامات، والنفقات؛ لأنهما من حقوق العباد، ووجب في مالهما العشر، وصدقة الفطر؛ لأن فيهما معنى المؤنة، فالتحقا بحقوق العباد، وحكم المعتوه كحكم الصبي فلا تجب الزكاة في ماله15.

وأما العبد فقد ورد عن أهل العلم فيه ثلاثة أقوال:

   لا زكاة في ماله أصلاً، وبه قال مالك وأحمد وأبي عبيد من الفقهاء، واحتجوا بأن العبد لا يملك16وأن للسيد انتزاعه.

   تجب الزكاة في مال العبد على سيده، وبه قال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه17، ورأيهم مبني على أن السيد هو المالك.

   على العبد في ماله الزكاة، وبه قال عطاء من التابعين وأبو ثور من الفقهاء، وأهل الظاهر18، وهذا مبني على أن الزكاة عبادة والخطاب في وجوبها عام يدخل فيه المكلفون والعبد مكلف بالعبادة.

وأما المكاتب:

فلا زكاة في ماله؛ لأنه مطالب بإتمام ما تنفك به رقبته، ولا خلاف في هذا القول إلا قول لأبي ثور19.

وأما من عليه دين يستغرق ماله أو ما يجب عليه به الزكاة فالمسألة على أقوال:

       لا زكاة فيه حتى تخرج الديون، وهذا قول الثوري وأبي ثور.

       لا زكاة إلا في الحبوب فقط. وهذا قول الحنفية.

       يمنع الزكاة في الناض دون غيره، وهذا قول مالك.

   لا يمنع أصلاً لا ناضاً ولا حبوباً ولا غيرها؛ لأن حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين، وهذا مروي عن جماعة من أهل العلم20.

وأما من له دين فينقسم إلى قسمين:

من كان مدينه معترفًا به باذلاً له ففيه أقوال:

   عليه زكاته، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى، غير أنه لا يؤدي حتى يستكمل شرط الزكاة عند القابض له وهو الحول، روي ذلك عن علي -رضي الله عنه- وبه قال الثوري، وأبو ثور، وأصحاب الرأي21.

   عليه إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه؛ لأنه قادر على أخذه، والتصرف فيه، فلزمه إخراج زكاته، كالوديعة، وبهذا قال عثمان بن عفان وابن عمر -رضي الله عنهما-من الصحابة، وجماعة من التابعين والشافعي وإسحاق وأبو عبيد22.

   ليس في الدين زكاة؛ لأنه غير نامٍ فلم تجب زكاته كعروض القنية، وهذا مروي عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- وعكرمة23.

   يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، روي هذا عن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعطاء الخراساني وأبي الزناد24.

   الدين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، كما لو كان على معسرٍ، ولأن الزكاة تجب على طريق المواساة، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مالٍ لا ينتفع به، وأما الوديعة فهي بمنزلة ما في يده؛ لأن المستودع نائب عنه في حفظه ويده كيده، وإنما يزكيه لما مضى، لأنه مملوك له يقدر على الانتفاع به، فلزمته زكاته كسائر أمواله، وهذا قول الحنابلة25.

أن يكون مدينه معسراً أو جاحداً أو مماطلاً به على قولين:

   لا تجب؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به، أشبه مال المكاتب، وهذا قول قتادة وإسحاق وأبي ثور وأهل العراق ورواية عن الشافعي.

   يزكيه إذا قبضه لما مضى؛ لما روي عن علي -رضي الله عنه- في الدين المظنون: قال: إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى. وروي نحوه عن ابن عباس رواهما أبو عبيد، ولأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على الملِّي، وهو قول الثوري و أبي عبيد ورواية عن الشافعي.  

       يزكيه إذا قبضه لعام واحد وهذا عن عمر بن عبد العزيز و الحسن و الليث والأوزاعي ومالك26.

شروط وجوبها المتعلقة بالمال:

يشترط لوجوب الزكاة أن يبلغ المال المملوك نصابًا، ومضى عليه الحول وهو مالكه، والنصاب معناه في الشرع: ما نصبه الشارع علامة على وجوب الزكاة وحولان الحول في غير الزروع والثمار؛ فإنه يجب فيها من دون حول الحول27.

حكم منكر الزكاة ومانعها:

من أنكر وجوبها جهلا به وكان ممن يجهل ذلك، إما لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار عرِّف بوجوبها، ولا يحكم بكفره؛ لأنه معذور28. أما منكرها وهو من المسلمين الذين نشؤوا في بلاد المسلمين، ولم يخْفَ عنه حكمها فكافر بالإجماع لأنه منكر لمعلوم من الدين بالضرورة، ولأن أدلتها الكتاب والسنة والإجماع، قال الحافظ ابن حجر: وأما أصل فرضية الزكاة فمن جحدها كفر29.

وأما من منعها ولم يؤدها مع إقراره بوجوبها فهو داخل تحت الوعيد الشديد، فقد جاء في الحديث: عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته، إلا أحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه، وجبينه، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت تستن عليه، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت، فتطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار …الحديث)30.

وهو إما أن يقدر الإمام على أخذها منه فيعزره ولا يأخذ زيادة عليها، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم، وكذلك إن غل ماله وكتمه حتى لا يأخذ الإمام زكاته فظهر عليه، وقال إسحق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز: يأخذها وشطر ماله31.

وإما أن يكون مانع الزكاة خارجًا عن قبضة الإمام، فيقاتله الإمام؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- قاتلوا مانعيها، فان ظفر به وبماله أخذها من غير زيادة أيضًا، ولم تسبَ ذريتُه؛ لأن الجناية من غيرهم، ولأن المانع لا يسبَى، فذريته أولى، وإن ظفر به دون ماله دعاه إلى أدائها، واستتابه ثلاثًا فإن تاب وأدى وإلا قُتِل، ولم يحكم بكفره.

وفي رواية عن أحمد ما يدل على أنه يكفر بقتاله عليها فقد روي عنه: أنه إذا منعوا الزكاة كما منعوا أبا بكر، وقاتلوا عليها، لم يورَّثوا، ولم يصلَّ عليهم، وقد قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-: (ما تارك الزكاة بمسلم) ووجه ذلك ما روي أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما قاتلهم وعضتهم الحرب قالوا نؤديها قال: لا أقبلها؛ حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. ولم ينقل إنكار ذلك عن أحد من الصحابة، فدلَّ على كفرهم.32

والحمد لله رب العالمين.

 


 


1 – لسان العرب: (14/363) والقاموس المحيط 1667).

2 -الفقه على المذاهب الأربعة: (1/944). 

3 – صحيح البخاري: (1/12 ومسلم: 1/45).

4 – صحيح البخاري:(2/505برقم: 1331، ومسلم: 1/50برقم: 19). 

5 – المغني: (2/433)، والفقه على المذاهب الأربعة: 1/946). 

6 – بداية المجتهد: (1/370، الفقه على المذاهب الأربعة: 1/950).

7 – المغني: (2/488). 

8 – بدائع الصنائع: (2/78).

9 – المغني: (2/488). 

10 – الفقه على المذاهب الأربعة: (1/950). 

11 – الفقه على المذاهب الأربعة: (1/950). 

12 – الموضع السابق. 

13 – بداية المجتهد: (1/370).

14 – المغني: (2/488). 

15 – الفقه على المذاهب الأربعة: (1/950).

16 – بداية المجتهد: (1/370).

17 – بداية المجتهد: (1/370).

18 – بداية المجتهد: (1/370).

19 – المغني: (2/488).

20 – بداية المجتهد: (1/370).

21 – المغني: (2/637).

22 – المغني: (2/637)

23 – الموضع السابق.

24 – الموضع السابق.

25 – الموضع السابق.

26 – الموضع السابق.

27 – الفقه على المذاهب الأربعة: (1/954).

28 – المغني: (2/434).

29 – فتح الباري : (3/262).

30 – صحيح مسلم : (2/680).

31 – المغني: (2/434). 

32 – المغني: (2/434).