صلاة الضحى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أمَّا بعدُ:
فقد شرع الرسول ﷺ لأمته نوافل يتقربون بها إلى الله ، تزداد بها محبة الله لهم كما قال ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه(1)، فالمسلم ينبغي عليه أن يحافظ على هذه النوافل، ولا يتركها أو يتكاسل عن أدائها، ومن هذه النوافل: صلاة الضحى.
فضل صلاة الضحى:
وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة نذكر منها ما يلي:
1- عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى(2).
2- وعن بريدة أن رسول الله ﷺ قال: في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل عليه أن يتصدق عن كل مفضل منها صدقة، قالوا: فمن الذي يُطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخاعة في المسجد يدفنها، أو الشيء ينحيه عن الطريق، فإن لم يقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك(3)، قال الشوكاني: (والحديثان يدلان على عِظَمِ فضل الضُّحى، وكبر موقعها، وتأكد مشروعيتها، وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة، ويدلان – أيضاً – على مشروعية الاستكثار من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ودفن النخاعة، وتنحية ما يُؤذي المارَّ عن الطَّريقِ، وسائر أنواع الطاعات ليسقط بذلك ما على الإنسان من الصَّدقاتِ اللَّازمةِ في كُلِّ يومٍ)(4).
3- وعن النَّواس بن سَمْعان أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: قال الله : ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره(5).
4- وعن عبد الله بن عمرو قال: بعث رسول الله ﷺ سرية، فغنموا وأسرعوا الرجعة، فتحدث الناس بقرب مغزاهم، وكثرة غنيمتهم، فقال رسول الله ﷺ: ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى، وأكثر غنيمة، وأوشك رجعة؟ من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب مغزى، وأكثر غنيمة، وأوشك رجعة(6).
5- وعن أبي هُريرة قال: أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: بصيام ثلاثة أيام في كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام(7).
حكم صلاة الضحى:
دلَّتِ الأحاديثُ المذكورة على استحبابِ صلاةِ الضُّحى، وأنَّ مَنْ شاء ثوابها فليؤدها، وإذا تركها فليس عليه تثريب، وإنما حرم نفسه من الثواب المترتب عليها فعن أبي سعيد قال: (كان ﷺ يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يُصلِّيها)(8).
وقت صلاة الضحى:
وقت صلاة الضحى يبتدئ من ارتفاع الشمس بعد طلوعها قدر رمح، ويمتد إلى قبيل الزوال؛ أي وقت قيام الشمس في كبد السماء، والأفضل أن يصلي إذا اشتد الحر، فعن زيد بن أرقم قال: خرج النبي ﷺ على أهل قباء وهم يصلون الضحى، فقال: صلاة الأوَّابين(9) إذا رمضت(10) الفصال(11) من الضحى(12)، أي: حين تحمى الرمضاء؛ فتبرك الفصال من شدة الحر(13).
عدد ركعاتها:
أقل صلاة الضحى ركعتان لحديث أبي هريرة قال: أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: بصيام ثلاثة أيام في كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام(14).
وأكثرها ثماني ركعات لما روت أم هانئ – رضي الله عنها -: (أن النبي ﷺ عام الفتح صلى ثماني ركعات سبحة الضحى يسلم بين كل ركعتين)(15)، ولمسلم عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (كان النبي ﷺ يصلي الضحى أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله)(16).
نسأل الله أن يتقبل أعمالنا، ويوفقنا لكل خير، ويجنبنا كل شر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
3– رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب رقم (666).
4– نيل الأوطار (3 /78).
5– رواه أحمد والترمذي والنسائي، الحاكم والطبراني، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1146).
6– رواه أحمد والطبراني، وقال الألباني: (إسناده صحيح على شرط مسلم) تمام المنة (257).
7– متفق عليه.
8– رواه الترمذي، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (72).
9– الأوابين: الراجعين إلى الله.
10– رمضت: احترقت، والرمضاء: التراب الحار.
11– الفصال: جمع فصيل: وهو ولد الناقة.
12– رواه أحمد، ومسلم.
13– راجع: الملخص الفقهي (1 /128)، وفقه السنة (1 /156).
14– متفق عليه.
15– رواه الجماعة.
16– رواه أحمد، ومسلم، وابن ماجه.