أدب السنة في المرض

 

 

أدبُ السنةِ في المرض والطب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الأمراض التي لا يكاد ينجو منها أحد، ولا يسلم منها بشر، تختلف من شخص لآخر ومن مرض لمرض، وقد جعل الله لها علاجاً عرفه من عرف وجهل من جهل، فما على المسلم إلا أن يصبر على ما أصابه ويطلب علاجها من وسائلها المشروعة.

المرض يكفر الله به الخطايا:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي   قال: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه1، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله   وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: “أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم“، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: “أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفَّر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها2.

الصبر عند المرض:

على المسلم أن يصبر على ما يصيبه من مرض، ويحتسب الأجر عند الله سبحانه، وما أعطي العبد عطاء خيراً وأوسع له من الصبر. عن صهيب بن سنان أن النبي   قال: “عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له3.

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله   يقول: “إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوَّضتُه منهما الجنة” يريد عينيه4.

عيادة المريض:

من أدب الإسلام أن يعود المسلم المريض ويتفقد حاله، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي   قال: “أطعموا الجائع، وعودواالمريض، وفكوا العاني5، ومن حق أخيك المسلم عليك إذا مرض أن تعده فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله   قال: “حق المسلم على المسلم ست” قيل: ما هنَّ يا رسول الله؟ قال: “إذا لقيتَه فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه6.

فضل عيادة المريض:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله  : “من عاد مريضاً نادى مناد من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزل7.

وعن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي   قال: “إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع“، قيل يا رسول الله: ما خرفة الجنة؟ قال: جَنَاه8.

وعن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله   يقول: “ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة9.

آداب العيادة:

يستحب في العيادة أن يدعو العائد للمريض، ويدخل السرور على قلبه، ويقول له: “لابأس عليك طهور إن شاء الله10، ولا يطيل الجلوس عنده إلا إذا كان المريض يرغب ذلك، ويرقيه بالقرآن، لا سيما سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين11.

التَّداوي:

التَّداوي بالأدوية المباحة لا بأس به، بل ذهب بعض العلماء إلى تأكد ذلك حتى قارب به الواجب؛ فقد جاءت الأحاديث بإثبات الأسباب والمسببات، والأمر بالتداوي، فعن جابر-رضي الله عنه- أن رسول الله   قال: “لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله12.

وعن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال:”نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، أو قال: دواء، إلا داء واحد” قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم13.

ولا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة على أيدي الأطباء العارفين بتشخيص الأمراض وعلاجها في المستشفيات وغيره14.

حرمة التداوي بالحرام:

لايجوز التداوي بمحرم؛ لما في الصحيح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم15، وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله  : “إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام16، وفي صحيح مسلم أن النبي   قال في الخمر: “إنه ليس بداوء ولكنه داء“.

وكذلك يحرم التداوي بما يمس العقيدة؛ من تعليق التمائم المشتملة على ألفاظ شركية أو أسماء مجهولة أو طلاسم أو خرز أو خيوط أو قلائد أو حلق تلبس على العضد أو الذراع أو غيره، يعتقد فيها الشفاء ودفع العين والبلاء؛ لما فيها من تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر، وذلك كله من الشرك أو من وسائله الموصلة إليه، ومن ذلك أيضاً التداوي عند المشعوذين من الكهان والمنجمين والسحرة والمستخدمين للجن؛ فعقيدة المسلم أهم عنده من صحته، وقد جعل الله الشفاء في المباحات النافعة للبدن والعقل والدين، وعلى رأس ذلك القرآن الكريم والرقية به والأدعية المشروعة17.

قال ابن القيم -رحمه الله-: “ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والتوبة، والتداوي بالقرآن الكريم، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها” انتهى18.

نسأل الله أن يعافينا في أجسامنا ويمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحيانا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.



1 – متفق عليه.

2 – رواه البخاري.

3 – رواه مسلم.

4 – رواه البخاري.

5 – رواه البخاري، والعاني الأسير.

6 – رواه مسلم.

7 – رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجه (1184).

8 – رواه مسلم.

9 – رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (5767).

10 – رواه البخاري.

11 – الملخص الفقهي (صـ 21).

12 – رواه مسلم.

13 – رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2038)، وصحيح الجامع (2930).

14 – راجع الملخص الفقهي (صـ 209-210).

15 – رواه البخاري تعليقاً.

16 – رواه أبو داود والبيهقي، وصححه الألباني في الصحيحة (1633).

17 – راجع: الملخص الفقهي (صـ210).

18 – زاد المعاد (4/130).