أحكام المحتضر

أحكام المحتضر

 

أحكام المحتضر

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن ديننا الحنيف قد حثنا على تذكر الموت والاستعداد له بالعمل الصالح وأمرنا أن نكثر من ذكره، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أكثروا ذكر هاذم اللذات" يعني الموت1.

حسن الظن بالله:

ينبغي أن يذكر المريض سعة رحمة الله، ويحسن ظنه بربه لأن الله -عز وجل- يقول كما في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي"2، وعن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل موته بثلاث: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله"3، وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على شاب وهو في الموت، فقال: "كيف تجدك؟" قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف"4.

ويغلِّب المريض في مثل هذه الحالة جانب الرجاء على جانب الخوف، وأما في حالة الصحة؛ فيكون خوفه ورجاؤه متساويين؛ لأن من غلب عليه الخوف أوقعه في نوع من اليأس، ومن غلب عليه الرجاء؛ أوقعه في نوع من الأمن من مكر الله5.

أما من يحضره من الزائرين فيستحب أن يطمِّعوه في رحمة الله وعفوه، ويذكروه بأن الله رحيم يغفر الذنب ويتجاوز عن السيئات ويعفو عن الزلات.

ما يسن عند الاحتضار

1-      تلقين المحتضر "لا إله إلا الله" فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله"6، وذلك لأجل أن يموت على كلمة الإخلاص، فتكون ختام كلامه؛ فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"7، والعاجز عن الكلام يردد الشهادة في نفسه، ويكون التلقين برفق، ولا يكثر عليه، لئلا يضجر وهو في هذه الحالة8.

2-               توجيه المحتضر إلى القبلة:

يوجه المحتضر إلى القبلة مضطجعاً على شقه الأيمن، قال الشوكاني: وقد اختلف في الصفة التي يكون التوجه إلى القبلة عليها، فقيل: يكون مستلقياً ليستقبلها بكل وجهه؛ وقيل: على جنبه الأيمن وهو الأولى9، فعن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة، سأل عن البراء بن معرور؟ فقالوا: تُوفيَ، وأوصى بثلث ماله لك، وأن يوجه للقبلة لما احتضر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده"، ثم ذهب فصلى عليه وقال: "اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك وقد فعلتَ"10.

3-               تغميض عينيه إذا مات:

 روى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر".

4-               تسجية الميت:

 يسن تسجية الميت بثوب صينانة له عن الانكشاف وستراً لصورته المتغيرة عن الأعين، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سجي ببرد حبرة11. ويجوز تقبيل الميت، فقد قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن مظعون وهو ميت، وقبل أبو بكر رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بعد موته بين عينيه.

5-               المبادرة بتجهيزه:

 ينبغي بعد التحقق من موته أن يسارع الولي في تجهيزه، بغسله وتكفينه، والصلاة عليه ودفنه، وذلك حفظاً للميت من التغير، فعن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء -رضي الله عنه- مرض فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقال: "إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله"12. ولا بأس أن يُنتظر بالميت حتى يحضر وليه أو قريبه إذا لم يخش عليه من التغير13.

6-               الإعلام بموت المسلم:

يباح الإعلام بموت المسلم؛ ليبادر بتهيئته، وحضور جنازته، والصلاة عليه، والدعاء له، وأما الإعلام بموت الميت على صفة الجزع وتعداد مفاخره، فذلك من فعل الجاهلية، ومنه حفلات التأبين وإقامة المآتم14.

7-               الإسراع بقضاء الدين:

 يجب الإسراع بقضاء ديونه سواء كانت لله تعالى من زكاة وحج أو نذر طاعة أو كفارة، أو كانت الديون لآدمي كرد الأمانات والغصوب والعارية، وسواء أوصى بذلك أم لم يوص به؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه"15, أي مطالبة بما عليه من الدين محبوسة، ففي هذا الحث على الإسراع في قضاء الدين على الميت، وهذا فيمن له مال يقضى منه دينه، ومن لا مال له ومات عازماً على القضاء؛ فإن الله يؤدي عنه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله"16.

8-               تنفيذ الوصية:

 يستحب الإسراع في تنفيذ الوصية؛ لما فيه من تعجيل الأجر، وقد قدمها الله في الذكر على الدين؛ اهتماماً بشأنها؛ وحثاً على إخراجه17.

نسأل الله أن يحسن خاتمتنا، وألا يتوفنا إلا وهو راضٍ عنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 


1 – رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1210).

2 – متفق عليه.

3 – رواه مسلم.

4 – رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الألباني: "حسن صحيح" صحيح الترغيب والترهيب رقم (3383).

5 – راجع: الملخص الفقهي (صـ 211).

6 – رواه مسلم.

7 – رواه أبو داود، وأحمد والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6355).

8 – راجع الملخص الفقهي (صـ 211)، وفقه السنة (1/367).

9 – الدراري المضية (1/293).

10 – رواه البيهقي والحاكم وصححه، وصححه ابن الملقن في تحفة المحتاج رقم (1/580).

11 – متفق عليه.

12 – رواه أبو داود والبيهقي، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (692).

13 – راجع: الملخص الفقهي (صـ 212).

14 – الملخص الفقهي (صـ 212).

15 – رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (860)، وصحيح الجامع (6779).

16 – رواه البخاري.

17 – الملخص الفقهي (صـ 213).