أساليب صد الدعوة

أساليب صد الدعوة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أمَّا بعدُ:

حين أظهر الرسولُ  دعوته، وصدع بالحقِّ في مكة؛ لقي هو وأصحابه أشدَّ أنواع الأذى الحسيِّ والمعنوي، ولما خافت قريشٌ من تسرب الدعوة إلى خارج مكة فكرت في أساليب تقضى بها على هذه الدعوة في مهدها، ‏وتتلخص هذه الأساليب فيما يلي:

1. السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب:

قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ‏ (‏الحجر:6)، ويصمونه بالساحر والكذاب ‏‏وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ‏ (‏ص‏:4)، وكانوا يُشيِّعونه ويستقبلونه بنظرات ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ‏ (‏القلم:51)، وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزؤوا بهم، وقالوا‏:‏ هؤلاء جلساؤه  مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا؟ فيجيبهم الله – تعالى -‏: ‏‏أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (‏الأنعام:53)، وكانوا كما قص الله علينا إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (المطففين:29 -33).

وقد أكثروا من السُّخرية والاستهزاء، وزادوا من الطعن والتضحيك شيئًا فشيئًا حتى أثَّر ذلك في نفس رسول الله  كما قال الله – تعالى -:  وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (‏الحجر:97)، ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق فقال‏: ‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (‏الحجر:98 -99)، وقد أخبره من قبل أنه يكفيه هؤلاء المستهزئين حيث قال‏: ‏‏إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ‏ (الحجر:95 –96)، وأخبره أن فعلهم هذا سوف ينقلب وبالًا عليهم فقال: وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (‏الأنعام:10).

2. إثارة الشبهات، وتكثيف الدعايات الكاذبة:

وقد أكثروا من ذلك، وتفننوا فيه بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته، والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن القرآن‏:‏ ‏أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ‏ (‏الأنبياء:5) يراها محمد بالليل، ويتلوها بالنهار، ويقولون: ‏بَلِ افْتَرَاهُ‏ من عند نفسه ويقولون‏:‏ ‏إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ‏ وقالوا‏: إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ (الفرقان:4) أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه‏ ‏وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفرقان:5). وأحيانا قالوا‏:‏ إن له جناً أو شيطاناً يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان‏ قال – تعالى – ردًا عليهم‏: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ۝ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (‏الشعراء:221 -222)، أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب، وما جرّبتم عليَّ كذبًا، وما وجدتم فيَّ فسقًا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطان‏؟

وأحيانًا قالوا عن النبي  ‏إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعانى، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة كما يصوغ الشعراء، فهو شاعر، وكلامه شعر قال – تعالى – رداً عليهم‏: وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (الشعراء:225 -226)، فهذه ثلاث خصائص يتصف بها الشعراء ليست واحدة منها في النبي  ، فالذين اتبعوه هداة مهتدون، متقون صالحون في دينهم وخلقهم، وأعمالهم وتصرفاتهم، وليست عليهم مسحة من الغواية في أي شأن من شئونهم، ثم النبي  لا يهيم في كل واد كما يهيم الشعراء، بل هو يدعو إلى رب واحد، ودين واحد، وصراط واحد، وهو لا يقول إلا ما يفعل، ولا يفعل إلا ما يقول، فأين هو من الشعر والشعراء‏؟‏ وأين الشعر والشعراء منه.

هكذا كان يرد عليهم بجواب مقنع حول كل شبهة كانوا يثيرونها ضد النبي ، والقرآن، والإسلام.

ومعظم شبههم كانت تدور حول التوحيد، ثم رسالة محمد  ، ثم بعث الأموات ونشرهم وحشرهم يوم القيامة، وقد رد القرآن على كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد، بل زاد عليها زيادات أوضح بها هذه القضية من كل ناحية، وبين عجز آلهتهم عجزاً لا مزيد عليه، وكان هذا مثار غضبهم واستنكارهم الذي أدَّى إلى ما أدَّى إليه‏.

أما شبهاتهم في رسالة النبي  فإنهم مع اعترافهم بصدق النبي  وأمانته، وغاية صلاحه وتقواه؛ كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أجلُّ وأعظمُ من أن يُعطى لبشر، فالبشر لا يكون رسولًا، والرسول لا يكون بشرًا حسب عقيدتهم‏، فلما أعلن رسول الله  عن نبوته، ودعا إلى الإيمان به؛ تحيروا وقالوا ‏مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ‏(الفرقان:‏7)، وقالوا‏:‏ إن محمدًا  بشر، و مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ‏ (الأنعام:19)، فقال – تعالى – ردًا عليهم: ‏‏قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ‏، وكانوا يعرفون ويعترفون بأن موسى بشر، ورد عليهم – أيضًا – بأن كل قوم قالوا لرسلهم إنكاراً على رسالتهم: ‏إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا (إبراهيم:10)، فـ قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ‏ (إبراهيم:11)، فالأنبياء والرسل لا يكونون إلا بشرًا، ولا منافاة بين البشرية والرسالة.

وحيث أنهم كانوا يعترفون بأن إبراهيم وإسماعيل وموسى – عليهم السلام – كانوا رسلاً وكانوا بشراً؛ فإنهم لم يجدوا مجالاً للإصرار على شُبهتهم هذه، فقالُوا‏:‏ ألم يجد الله لحمل رسالته إلا هذا اليتيم المسكين، ما كـان اللـه ليترك كـبار أهـل مكـة والطائف، ويتخذ هذا المسكين رسولاً ‏وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف:31)، قال – تعالى – ردًا عليهم‏: ‏أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ (الزخرف:32)، يعنى أن الوحي والرسالة رحمة من الله، واللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (الأنعام:124).

وانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى قالوا‏:‏ إن رسل ملوك الدنيا يمشون في موكب من الخدم والحشم، ويتمتعون بالأبهة والجلال، ويوفر لهم كل أسباب الحياة، فما بال محمد يمشي في الأسواق للقمة عيش، وهو يدعي أنه رسول الله‏؟ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا۝ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (الفرقان:7‏-8)، ورد على شبهتهم هذه بأن محمداً رسول، يعنى أن مهمته إبلاغ رسالة الله إلى كل صغير وكبير، وضعيف وقوى، وشريف ووضيع، وحر وعبد، فلو لبث في الأبهة والجلال، والخدم والحشم، والحرس والمواكبين مثل رسل الملوك، لم يستطع ضعفاء الناس وصغارهم الوصول إليه حتى يستفيدوا منه، وهم جمهور البشر، وإذن فاتت مصلحة الرسالة، لم تعد لها فائدة تذكر‏.

أما إنكارهم البعث بعد الموت فلم يكن عندهم في ذلك إلا التعجب والاستغراب، والاستبعاد العقلي، فكانوا يقولون: ‏أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (الصافات:16 -17)، وكانوا يقولون‏: ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (ق:3) وكانوا يقولون على سبيل الاستغراب‏: ‏‏هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ۝ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ (سبأ:7 -8) كما قال أعمى البصر والبصيرة المعري:

أَموْتٌ ثم بَعْثٌ ثم حَشْرٌ حدِيثُ خُرَافة يا أم عمرو

وقد رد عليهم بتبصيرهم ما يجري في الدنيا، فالـظالم يموت دون أن يلقى جزاء ظلمه، والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من ظالمه، والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصلاحه، والفاجر المسيء يموت قبل أن يعاقب على سوء عمله، فإن لم يكن بعث، ولا حياة، ولا جزاء بعد الموت؛ لاستوى الفريقان، بل لكان الظالم والفاجر أسعد من المظلوم والصالح، وهذا غير معقول إطلاقاً، ولا يليق بالله أن يبني نظام خلقه على مثل هذا الفساد قال – تعالى -: ‏أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ۝ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏ (‏القلم:35 -36)، وقال: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (ص:28)، وقال: أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ (الجاثية:21).

وأما الاستبعاد العقلي فقال – تعالى – رداً عليه: ‏أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا (النازعات:‏27)، وقال:‏ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأحقاف:33)، وقال: ‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ (الواقعة:62)، وبين ما هو معروف عقلاً وعرفاً، وهو أن الإعادة أَهْوَنُ عَلَيْهِ (الروم:27)، وقال: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ (الأنبياء:104)، وقال: ‏‏أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ‏ (‏ق:15)، وهكذا ردَّ على كلِّ ما أثاروا من الشُّبهات رداً مفحماً يقنعُ كُلَّ ذي عقلٍ ولُبٍّ، ولكنهم كانوا مشاغبين مستكبرين، يريدون عُلواً في الأرض، وفرض رأيهم على الخلق، فبقوا في طغيانهم يعمهون‏.

3. الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بأساطير الأولين: كان المشركون إلى جانب إثارة هذه الشبهات يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ودعوة الإسلام بكل طريق ممكن، فكانوا يطردون الناس، ويثيرون الشغب والضوضاء، ويتغنون ويلعبون إذا رأوا أن النبي  يتهيأ للدعوة، أو إذا رأوه يصلي ويتلو القرآن‏ قال – تعالى -: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ‏ (فصلت:26) حتى إن النبي  لم يتمكن من تلاوة القرآن عليهم في جامعهم ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وكان ذلك عن طريق المفاجأة، دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلاوة.

وكان النضر بن الحارث أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله  مجلساً للتذكير بالله، والتحذير من نقمته؛ خلفه النضر وهو يقول‏: أنا والله – يا معشر قريش – أحسن حديثاً منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس، ورستم، واسفنديار، ثم يقول‏:‏ بماذا محمد أحسن حديثاً مني؟! وفي رواية عن ابن عباس  أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً – أي مُغنية -، فكان لايسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول‏:‏ أطعميه، واسقيه، وغنِّيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله – تعالى -‏: ‏‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ (لقمان:6).

4. مساومات حاولوا بها أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه، ويترك النبي  بعض ما هو عليه وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (القلم:9)1.

ولقد اجتمع الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمي – وكانوا ذوي أسنان في قومهم – فاعترضوا رسول الله  وقالوا له: يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر! فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله – تعالى – فيهم: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ۝ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ السورة كلها.

هذه الأساليب وغيرها حاول بها المشركون صد الدعوة المباركة، لكن الله خيب سعيهم، ونصر رسوله صلى الله وسلم عليه تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين.


1– الرحيق المختوم ص(83-84)، مع إضافات المؤلف على الطبعات الأخيرة.