حكم عضل المرأة

حـكم عضـل المـرأة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن مما أمر به الإسلام، وحث عليه؛ الرفق بالنساء، ومعاملتهن أحسن معاملة، فإن الرجل يتميز بالشدة والغلظة، والمرأة بعكس ذلك، ولما كانت الولاية للرجل على النساء أمر الله – تعالى – بالإحسان إليهن في جميع الأمور، ومن ذلك: إذا طلقت المرأة ثم انقضت عدتها فيحرم على وليها أن يمنعها من الزواج بزوجها الأول إذا رضيت به، أو من خاطب جديد؛ يقول الله – تعالى – مرشداً الأولياء والأزواج: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (سورة البقرة:232). تفسير الآية:

أمر الله – تعالى – مخاطباً الأزواج: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء أي إذا طلق الزوج زوجته؛ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي انتهت عدتهن؛ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أي لا تمنعوهن وتضيقوا عليهن، وتحبسوهن؛ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ جمع زوج؛ وسمي الزوج زوجاً لأنه يجعل الفرد اثنين بالعقد؛ فالزوج يشفع زوجته؛ وهي كذلك؛ والمراد بـ “الأزواج” هنا الخاطبون لهن؛ وعبر عنهم بالأزواج باعتبار ما يكون، وأضاف هنا النكاح إلى النساء لأن المراد به العقد؛ والعقد حاصل من الطرفين؛ فيقال: نكحت المرأة الرجل؛ ونكح الرجل المرأة؛ وأما الوطء فيقال: نكح الرجل زوجته؛ ويقال: نكح بنت فلان أي عقد عليها، فإذا كان المراد بالنكاح العقدَ صح أن يطلق على الرجل وعلى المرأة؛ وإذا كان الجماعَ فهو للرجل خاصة.

وقوله: إِذَا تَرَاضَوْاْ أي حصل الرضا من الطرفين بَيْنَهُم أي بين الأزواج والزوجات؛ بِالْمَعْرُوفِ أي يكون الرضا بينهم مصاحباً للمعروف غير منكر شرعاً، ولا عرفاً. وهذا الخطاب موجه لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث إذا خرجت من العدة، وأراد زوجها أن ينكحها، ورضيت بذلك، فلا يجوز لوليها من أب وغيره أن يعضلها أي: يمنعها من التزوج به حنقاً عليه، وغضباً، واشمئزازاً لما فعل من الطلاق الأول.

وقد ذكر الله أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإن إيمانه يمنعه من العضل فقال: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أي هذا الذي نهيناكم عنه من منع الولايا أن يتزوجن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، يأتمر به، ويتعظ به، وينفعل له مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أيها الناس يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أي يؤمن بشرع الله، ويخاف وعيد الله وعذابه في الدار الآخرة، وما فيها من الجزاء ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ أي اتباعكم شرع الله في رد الموليات إلى أزواجهن، وترك الحمية في ذلك، أزكى لكم، وأطهر لقلوبكم وَاللَّهُ يَعْلَمُ أي من المصالح فيما يأمر به، وينهى عنه وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي الخيرة فيما تأتون ولا فيما تذرون.

بعض فوائد الآية:

1. أنه لا يحل عقد النكاح قبل انقضاء العدة؛ لقوله: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فإن النكاح في العدة باطل إلا ممن كانت العدة له إذا لم يكن طلاقه بينونة كبرى.

2. تحريم منع الولي موليته أن تنكح من رضيته لقوله: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ.

3. أن النكاح لا بد فيه من ولي؛ وأن المرأة لا تزوج نفسها؛ وجه ذلك: أنه لو كانت تملك العقد لنفسها ما كان للعضل تأثير؛ فلولا أن عضلهم مؤثر ما قال الله تعالى: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ؛ لأنهم لو عضلوا ولم يكن الولي شرطاً لزوجن أنفسهن؛ وهناك أدلة أخرى تدل على اشتراط الولي مثل قوله تعالى: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ (سورة البقرة:221)، وقول النبي  : لا نكاح إلا بولي1.

4. اعتبار الرضا في عقد النكاح سواء كان من الزوج، أو من الزوجة؛ لقوله تعالى: إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ؛ فالرضا شرط لصحة النكاح سواء أكانت المرأة بكراً أم ثيباً؛ وسواء أكان الولي أباها أم غيره – على القول الراجح -؛ وأنه ليس للأب ولا لغيره أن يجبر المرأة على النكاح لعموم قول النبي  : لا تنكح الأيم حتى تستأمر؛ ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: كيف إذنها يا رسول الله؟ قال: أن تسكت2، وفي صحيح مسلم: البكر يستأذنها أبوها؛ وهذا صريح في أنه لا يحل لأحد أن يزوج ابنته وهي كارهة؛ بل لا بد من رضاها؛ والمعنى يقتضيه أيضاً؛ لأنه إذا كان الأب لا يملك أن يبيع شيئاً من مالها إلا برضاها فكيف يملك أن يزوجها بدون رضاها؟! فلو أن رجلاً أكره ابنته أن تشتري هذا البيت فالعقد غير صحيح مع أن بإمكانها إذا اشترت البيت وهي كارهة أن تبيعه بعد يوم، أو يومين؛ فكيف يملك أن يكرهها على أن تتزوج برجل لا تريده؟! فالشريعة جاءت من لدن حكيم خبير؛ والصواب بلا شك أنه لا يحل للإنسان أن يجبر ابنته على نكاح من لا تريد مهما كان؛ لكن إن أرادت إنساناً غير مرضياً في دينه وخلقه؛ فللولي أن يأبى – ولو بقيت لا تتزوج طوال عمرها -؛ فليس عليه شيء؛ لأنه مأمور بذلك؛ وما يترتب على المأمور فغير محظور؛ فإن قيل: يرد على ذلك تزويج أبي بكر عائشة – رضي الله عنها – من النبي  ولها ست سنين؟ فالجواب: أن يقال: لن يرد مثل هذه الصورة؛ لأننا نعلم علم اليقين أن عائشة – رضي الله عنها – سترضى برسول الله ، ولا تبغي به بديلاً؛ ولذلك لما أمره الله ​​​​​​​ أن يخير نساءه فبدأ بها – رضي الله عنها – وقال  : لا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك؛ قالت: يا رسول الله أفي هذا أستأمر أبوي؟! إنني أريد الله، ورسوله، والدار الآخرة3؛ وعلى هذا لا يتم الاستدلال بها على تزويج المرأة بغير إذنها.

5. أن المرأة لو رضيت الزوج على وجه غير معروف – بل على وجه منكر لا يقره الشرع – فإنها لا تمكن من ذلك لقوله تعالى: بِالْمَعْرُوفِ؛ فلو أن المرأة رضيت هذا الخاطب لفسقه، وانسلاخه من الدين – وإن لم يصل إلى حد الكفر -؛ فلوليها أن يمنعها لقوله تعالى: إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ.

6. أن الاتعاظ بأحكام الله، والعمل بها؛ تزكية للنفس لقوله: ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ؛ فهو ينمي النفس، وينمي الإيمان، وينمي الأخلاق، وينمي الآداب؛ فكلما كان الإنسان أشد تطبيقاً لأحكام الله كان ذلك أزكى له.

7. أن تطبيق الأحكام أطهر للإنسان؛ يعني أطهر للقلب؛ لأن الأعمال الصالحة تطهر القلب من أرجاس المعاصي؛ ولذلك تجد عند الإنسان المؤمن من الحيوية، والنشاط، والسرور، والفرح؛ ما ليس عند غيره؛ ويعرف ذلك في وجهه؛ فالإنسان صاحب المعاصي مظلم الوجه، كاسف البال؛ ولو فرح بما فرح من زهرة الدنيا فهو فرح خاسر؛ لكن المؤمن الذي شرح الله صدره للإسلام، وامتلأ قلبه بنور الله وهدايته؛ ليس كذلك؛ وأسعد الناس في الدنيا أطهرهم قلباً.

8. الإشارة إلى نقص الإنسان في علمه لقوله: وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ؛ فنفى عن الإنسان العلم والمراد نفي كماله؛ لأن الإنسان له علم كما قال الله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ (الممتحنة:10)، وقال تعالى: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا (سورة النور:33)، لكن لنقصان علمه نفى الله عنه العلم؛ وهنا قال تعالى: وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ؛ فإذا كان الله يعلم ونحن لا نعلم؛ فإن مقتضى ذلك أن نستسلم غاية الاستسلام لأحكامه  ، وأن لا نعارضها بعقولنا مهما كانت؛ ولهذا ينعى الله ​​​​​​​ على الكفار والمشركين عدم العقل؛ وكل ما خالف الشرع فليس بعقل4.

والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.


1 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي موسى، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1836)، وصحيح ابن ماجه برقم (1526).

2 رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة  .

3 رواه البخاري ومسلم.

4 راجع: تفسير القرآن العظيم (1-379) للحافظ ابن كثير. والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3-150)، ومعالم التنزيل (276) للبغوي. وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص(103) للعلامة السعدي. وتفسير ابن عثمين، المجلد الثالث.