القرآن الميسر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. أما بعد:
نقف وقفة تأمل مع قول الله -تبارك وتعالى-:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}(17) سورة القمر. فنتأمل أقوال المفسرين في ذلك، لنعلم أن الله تعالى قد سهَّل تلاوة وحفظ كتابه الكريم. فهو حاضرٌ سهل التناول، ميسر الإدراك فيه جاذبية متكررة؛ ليقرأ ويتدبر، وفيه جاذبية الصدق والبساطة وموافقة الفطرة واستجابة الطبع، لا تنفذ عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد، وكلما تدبره القلب عاد منه بزادٍ جديد وكلما صحبته النفس زادت به ألفة وله أنساً.
قال القرطبي -رحمه الله-وهو يفسر هذه الآية:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}
أي: "سهّلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه ، فهل من طالبٍ لحفظه فيعان عليه ؟ ويجوز أن يكون المعنى: ولقد هيأناه للذكر، مأخوذ من يسَّر ناقته للسفر: إذا رحَلها، ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه كما قيل :
وقمت إليه باللجام ميسراً هنالك يجزيني الذي كنت أصنع
وقال سعيد بن جبير : ليس من كتب الله يقرأ كله ظاهراً إلا القرآن. وقال غيره: ولم يكن هذا لبني إسرائيل، ولم يكونوا يقرؤون التوراة إلا نظراً غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله عليهم، ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلب، فيسَّر الله -تعالى- على هذه الأمة حفظ كتابه؛ ليذكروا ما فيه، أي: يفتعلوا الذكر والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب فيهم.
{فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}قارئ يقرؤه . وقال أبو بكر الوراق وابن شوذب: فهل من طالب خير وعلم فيعان عليه، وكُرر في هذه السورة للتنبيه والإفهام. 1
وقال الألوسي في روح المعاني: "وقيل المعنى سهلنا القرآن للحفظ لما اشتمل عليه من حسن النظم وسلاسة اللفظ وشرف المعاني وصحتها وخلوه عن الوحشي ونحوه فله تعلق بالقلوب، وحلاوة في السمع فهل من طالبٍ لحفظه ليعان عليه ؟ ومن هنا قال ابن جبير : لم يستظهر شيء من الكتب الإلهية غير القرآن. وأخرج ابن المنذر وجماعة أنه قال: يسرنا القرآن هوّنا قراءته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: لولا أن الله يسّره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الناس أن يتكلم بكلام الله –تعالى-.
وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين أنه مر برجل يقول: سورة خفيفة، فقال: لا تقل ذلك ولكن قل : سورة يسيرة؛ لأن الله -تعالى- يقول :{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}والمعنى: الذي ذكر أنسب بالمقام. 2
وقال ابن كثير:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}أي: سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده؛ ليتذكر الناس كما قال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}وقال –تعالى-: {فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين }، وقال الضحاك :عن ابن عباس: لولا أنّ الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله تعالى. قلت: ومن تيسيره –تعالى- على الناس تلاوة القرآن: ما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف)3.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: تعلُّم الكتاب والسنة أيسر من تعلم مسائل الآراء والاجتهاد المنتشرة، والله -جل وعلا- يقول في سورة القمر مرات متعددة:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}، ويقول –تعالى- في الدخان:{فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون} فهو كتاب ميسر بتيسير الله لمن وفقه للعمل به والله -جل وعلا- يقول: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم}….إلى أن قال: ولتعْلَم أن كتاب الله وسنة رسوله في هذا الزمان أيسر منه بكثير في القرون الأولى.4
وهنا ندرك أن حفظ القرآن ميسر وسهل بإذن الله –تعالى-، لمن أراد حفظ كتاب الله تعالى ، وأنه سيتجاوز بإذن الله أي معوقات قد تعوقه ، لأن سبحانه سيسهل عليه حفظ كتابه إن كان صادقاً في ذلك ، مخلص النية …
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحفظ كتابه ، وحسن عبادته ،…
والحمد لله رب العالمين .