المساجد والنساء
من المعلوم أن النساء شقائق الرجال، ولهن من الأحكام ما للرجال، إلا ما خصه الدليل.
ومن هذه الأحكام التي تخص النساء دون الرجال ما يتعلق بالمساجد:
أولاً: حضور المرأة للمسجد لصلاة الجماعة:
يباح للمرأة الخروج لحضور جماعة المسجد، لأداء الصلاة المكتوبة، إذا أذن لها زوجها أو وليها من أب أو أخ أو غير ذلك.
وقلنا بإباحة الخروج لها لحضور صلاة الجماعة؛ لأن الجماعة ليست واجبة على المرأة، قال ابن حزم- رحمه الله- : وأما النساء فلا خلاف في أن شهودهن الجماعة ليس فرضاً، وقد صح في الآثار كون نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – في حجرهن لا يخرجن إلى المسجد.
ولكن إذا لم يكن حضورهن الجماعة في المسجد واجباً عليهن فإنه يباح لهن هذا الحضور، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا نساءكم المساجد، إذا استأذنكم".رواه مسلم
ومع هذا فإن بقاء المرأة في بيتها، وصلاتها فيه هو الأفضل لها من الخروج إلى المسجد للصلاة فيه مع جماعة المصلين، بدليل الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في هذا المعنى، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود :" لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن".
وفي حديث أخرجه أبو داود في سننه أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها". والمخدع هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير، وكون صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها؛ لأن أمر المرأة مبني على الستر.
وعن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "لأن تصلي المرأة في بيتها خير من أن تصلي في الدار؛ ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد". أخرجه أحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه1 .
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن جبرين – حفظه الله – هل للنساء صلاة جماعة مثل الرجال أم عليهنّ أن يصلين فرادى؟ وإذا كان عليهن صلاة جماعة فهل يجوز لي أن أصلي مع أهل بيتي لكي يكون لهنّ أجر صلاة الجماعة؟
فأجاب : صلاة الجماعة في المساجد تجب على الرجال، لكن إذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها؛ وبيتها خير لها، فأما صلاة النساء في بيتهن جماعة فلا بأس بذلك، لكن تكون أمامتهن في صفهن، ولكن ليس لهن من فضل صلاة الجماعة مثل ما ورد في حق الرجال، ولا يجوز للرجل أن يترك المسجد ويصلي بأهله ونسائه في البيت جماعة، فإن إتيان المسجد واجب على الرجال للصلاة المفروضة2.
ثانياً: المرأة وحدها تكون صفاً:
هذا هو ما عنوّن به الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه، وذكر تحته حديث أنس بن مالك قال:" صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي – صلى الله عليه وسلم- ، وأمي – أم سليم- خلفنا".
وقد أشار ابن حجر – رحمه الله – في الفتح 3 أن هذه الترجمة هي لفظ حديث أخرجه ابن عبد البر من حديث عائشة مرفوعاً: "والمرأة وحدها صف".
وقال ابن حجر في الفتح 4 :فيه أن المرأة لا تصف مع الرجال، وأصله ما يخشى من الافتتان بها.
قلت: وهذا إذا كان المنع من صلاة المرأة في صف الرجال الذين يكونون في الغالب من الأقارب في البيت فالمنع – في المسجد أشد وأعظم.
ثالثا: نوم المرأة في المسجد:
وهذا أيضاً عنوان ما ترجم به الإمام البخاري في صحيحه وذكر تحته حديث عائشة وقصة الوليدة – الجارية السوداء – والذي فيه: "فكان لها خباءٌ في المسجد أو حفش".
قال ابن حجر في الفتح 5 : وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة عند أمن الفتنة.
رابعاً: دخول الحائض المسجد:
يحرم على الحائض دخول المسجد، وذلك مظنة توسيخها إياه، وهذا هو رأي ابن حجر- رحمه الله – كما في الفتح 6 وهو شرح حديث عروة أنه سئل أتخدمني الحائض أو تدنو مني المرأة وهي حيض؟ فقال عروة: كل ذلك هين.. أخبرتني عائشة أنها كانت ترجل – تعني رأس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهي حائض.
قال ابن حجر- رحمه الله-: وفي الحديث دلالة على طهارة بدن الحائض وعرقها، وأن المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته، وأن الحائض لا تدخل المسجد.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ/ عبد العزيز بن باز رقم الفتاوى (6948) هل يحل للحائض دخول المسجد وما الدليل؟ فكان الجواب كالتالي: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد: لا يجوز للحائض دخول المسجد إلا مروراً إذا احتاجت إلى ذلك كالجنب لقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً لا عابري سبيل حتى تغتسلوا}. وبالله التوفيق وصلى الله على نبنيا محمد وآله وصحبه وسلم 7.
بل دخول الحائض المسجد لسماع الذكر والاستماع إلى الخطبة لا يجوز، وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وإليك نص السؤال الموجه لها برقم (5167) مع نص الجواب، ما حكم الشرع في حق المرأة التي تدخل المسجد وهي حائض للاستماع إلى الخطبة فقط؟
فكان الجواب الأتي:
لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء، والأصل في ذلك حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم – ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد" ثم دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود.
وروي عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: " إن المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب" رواه ابن ماجه.
فهذان الحديثان يدلان على عدم حل اللبث في المسجد للجنب والحائض، أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأمن تنجيسها المسجد لقوله تعالى: { ولا جنباً إلا عابري سبيل} والحائض في معنى الجنب؛ ولأنه أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم8.
وقد يسأل سائل فيقول: ما حكم دخول الحائض لما يحلق بالمسجد؟
فنقول: سئل الإمام ابن باز – رحمه الله – بسؤال نصه: في أميركا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأول مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمحلات والصحف الإسلامية، وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضاً
فهل يجوز للنساء الحيض دخول هذا الدور السفلي؟
كما يوجد في هذا المسجد عمود يعترض للمصلين في صفوفهم فيقسم الصف إلى شطرين فهل يقطع الصف أم لا؟
فكانت الإجابة كالتالي:
إذ كان المبنى المذكور قد أعد مسجداً ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحت صلاة الجميع، ولم يجز للحيض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل؛ لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم- : "إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب".
أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك لقوله تعالى: { ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}.
ولما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر عائشة أن تناوله المصلى في المسجد، فقالت: إنها حائض فقال صلى الله عليه وسلم: "إن حيضتك ليست في يدك".
أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزناً ومحلاً لما ذكر في السؤال من الحاجات فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه، ولا بأس من الحاجات فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه، ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها، ولكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه بعض المأمومين؛ لأنه ليس تابعاً للمسجد في الأرجح من قولي العلماء.
أما العمود الذي يقطع الصف فلا يضر الصلاة. لكن إذا أمكن أن يكون الصف قدامه أو خلفه حتى لا يقطع الصف فهو أولى وأكمل. والله ولي التوفيق9.
القارئ الكريم وبعد عرضي لشيء يسير من أحكام المساجد والنساء فإنني أنقل لك ما قاله خير الدين وائلي في كتابه المسجد في الإسلام – أحكامه- آدابه- بدعه 10: وقد كانت النساء يحضرن المسجد على عهد رسول الله ويصلين الجمعة.
وفي الصحيحين:" إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها".
لكن المرأة المسلمة إذا كان الشارع الحكيم قد سمح لها بالذهاب إلى المسجد لتسمع الموعظة الحسنة، وتتعلم شؤون دينها؛ فقد فرض عليها ألاّ تمس الطيب، فقد روى مسلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة". وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا شهدت إحداكن المسجد؛ لا تمس طيباً".
وقد خصص النبي – صلى الله عليه وسلم – باباً للنساء، وكان عمر ينهى الرجال أن يدخلوا من باب النساء.
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح البخاري إذا سلّم من الصلاة، مكث في مكانه يسيراً قبل أن يقوم، لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهّن الرجال، وقد كان النساء يقمن حين يقضي تسليمه.
وقد طلب النساء من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يخصص لهنّ دروساً خاصة، ففعل، وكان إذا وعظ الناس في العيدين يأتي النساء، فيعظهنّ، ويذكرهنّ، ويأمرهن بالصدقة؛ كما في الصحيحين.
ثم نقل عن الشيخ القاسمي – رحمه الله- أنه قال:
وما أحوج النساء الآن إلى واعظ سيما وقد انتشرت فيهنّ البدع والمنكرات، واعتقاد الأضاليل، ومخالفة الأزواج، وما لا يحصى من المحظورات.
وقال: أفليس يجب على الأمراء والوجهاء والمياسير أن يندبوا لذلك من يرونه كفئاً في الفضل والكمال، ويشوقوه لذلك، ويعينوا له مسجداً يرشدهنّ فيه في يوم معلوم، ويحرسوا المسجد بمن يقوم على بابه ليحفظه من دخول رجل إليه.
لعمر الحق إن هذا الاقتراح من أوجب الواجبات، وآكد المرغوبات.
ثم قال: وقد أدى تشديد الفقهاء في منع النساء من المساجد والمجامع عن الدروس إلى أن أصبحن في جهالة وأية جهالة، وكله من شؤم مخالفة الأمر النبوي، وما كان هديه معهن، وانظر ما رواه مسلم في صحيحه عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم" فقال بلال: والله لمنعهن. فقال عبد الله: أقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وتقول أنت: لنمنعهن؟! وفي رواية سالم عن أبيه قال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول: والله لمنعهن؟!
وعن مجاهد عن عبد الله بن عمر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا يمنعنّ رجل أهله أن يأتوا المساجد". فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر: فإنا نمعهن. فقال عبد الله: أحدثك عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتقول هذا؟! قال: فما كلمة عبد الله حتى مات.
وأما قول عائشة: "لو علم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أحدثن بعده، لمنعهنّ". فتعنى بهن المتعطرات، كما في حديث:" أيما امرأة أصابت بخوراً، فلا تشهد معنا العشاء الآخرة".
ولذا ترشد المرأة إلى ترك التعطر والتبرج، وإلا فسدُّ الباب لهنّ أبداً فيه فتح لجهالة لا غاية لها، وهنّ مأمورات بالعلم والتعلم؛ لأنه فرض على كل مسلم ومسلمة.
قلت: أي فرض على المسلمات تعلم أحكام الطهارة والصلاة وما يختص بهن من أحكام، أما غير ذلك فلا يكون فرضاً- وأنى يتأتى لهن العلم ودونهنّ سبعون حجاباً عنه؟!.
ثم قال: وما الأغرب إلا أن لا يكون لهنّ حجاب إلا عن العلم والتعلم، وهن مأذونات من أزواجهن – العلمانيين وجهلة الناس- فيما للبيع والتزوار بل وللسفر – ولو وحدهن- فرحماك اللهم!!.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
1 – المفصل في أحكام المرأة/ للدكتور عبد الكريم زيدان (1/1212) بتصرف.
2 – فتاوى إسلامية 1/363. دار الوطن للنشر.
3 – 2/248 ط: دار الريان للتراث.
4 – 1 / 249.
5 – 1/ 637.
6 – 1/ 479.
7 – فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( 5/ص398) ط: دار العاصمة.
8 – فتاوى اللجنة الدائمة 6/272- 233 ط: دار العاصمة.
9 – فتاوى إسلامية 1/241 ط: دار الوطن للنشر.
10 – ص156-159.