من حقوق النبي الإيمانية

من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم

من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم الإيمانية

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق على حين فترة من الرسل، فأخرج الله به الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، فتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.. أما بعد:

فإن من أعظم حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته أن يؤمنوا بأنه خاتم الأنبياء، ولا نبي بعده،  كما قال الله-تعالى-: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} سورة الأحزاب:40.

وقد وردت قراءتان في الآية: قرأ عاصم وحده بفتح التاء، بمعنى أنهم به ختموا، فهو كالخاتَم والطابَع لهـم.. وقرأ جمهور القراء بكسر التاء (خاتِم) بمعنى أنه ختمهم؛ أي جاء آخرهم، وقيل: الخاتَم والخاتِم لغتان؛ مثل طابَع وطابِع، وطابِق من اللحم وطابَق.

 معنى خاتم الأنبياء:

أ‌)        معنى الختم في اللغة: ورد الختم في اللغة لعدة معان هي:

1.    الطبع: قال صاحب المحكم: "ختمه يختمه ختماً: طبعـه".

وفي تاج العروس: "معنى ختم وطبع واحد في اللغة".

وذكر ذلك صاحب لسان العرب (ابن منظور) والقاموس المحيط (الفيروز آبادي) -رحمهم الله-..

2.    إحكام الشيء وتغطيته بحيث لا يدخل عليه شيء:

قال ابن سيده: (والختم على القلب ألا يفهم شيئاً، ولا يخرج منه شيء كأنه طبع، ومعنى ختم وطبع في اللغة واحد، وهو التغطية على الشيء، والاستيثاق من ألا يدخله شيء، كما قال الله عز وجل: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ1}

وذكر ذلك الفيروز آبادي وابن منظور في قاموسيهما.

3.    آخر الشيء ونهايته: ومن هذا قوله –تعالى-: {خِتَامُه مِسْكٌ} آخر الشراب الذي يشربه أهل الجنة، وختام القوم وخاتمهم أي آخرهم.

ب‌) معنى ختم النبوة: مما سبق من المعاني اللغوية للختم، يتضح لنا معنى الختم وأنه الطبع وإحكام الشيء والاستيثاق منه وآخر الشيء ونهايته، فإذا ما جمع اللفظان (خاتم النبوة) أو الأنبياء، فالمعنى: انقطاع وحي الله وإنبائه للناس بعد موت محمد -صلى الله عليه وسلم-.

الأدلة من القرآن على أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء:

1.  قوله –تعالى-:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }  سورة الأحزاب:40. هذه الآية نص صريح في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ختم الله به النبوة، وختم به النبوة كذلك؛ لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول.. قال ابن كثير -رحمه الله-: (فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس، وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه سلم من حديث جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-.. ثم قال: فمن رحمة الله بالعباد إرسال محمد -صلى الله عليه وسلم- إليهم، ثم من تشريفه لهـم ختم الأنبياء والمرسلين به، وإكمال الدين الحنيف له، وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- في كتابه ورسوله في السنة المتواترة أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من أدعى هذا المقام بعده فهو كذَّاب أفَّاك دجَّال ضال مضل، ولو تَحرَّق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنيرنجيات، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب، كما أجرى الله -سبحانه وتعالى- على يد الأسود العنسي باليمن، ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة، ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله، وكذلك كل مدَّعٍ لذلك إلى يوم القيامة، حتى يختموا بالمسيح الدجال…)2

 

2.    الآيـــات التي تدل على ختم النبوة (ضمناً):

في القرآن آيات تدل في مضمونها على ختم النبوة بنبينا -صلى الله عليه وسلم-، وذلك ما فهمه المسلمون من الآيات التي تتحدث عن عموم رسالته إلى العالمين، ويشترك في ذلك المكان والزمان، أما المكان فإنها تشمل الأرض كلها لقوله –تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}  سورة سبأ: 28، فهذه الآيـة تشمل الناس كلهـم، بل هي دالة أيضاً على عموم بعثته زمانياً إلى يوم القيامة .. وذلك يظهر من خلال معرفة الآيات التي تتحدث عن ختم الرسالة، وإكمال الدين، ورضا الله الإسلام للناس ديناً، فإذا كان الله قد أكمل الدين ورضي الإسلام ديناً فالمعنى أنه لا حاجة بنا أو بغيرنا إلى نبي جـديد.. بل جعل الله -تعالى- المبلغين عن الرسول بشراً من أمته من العلماء الذين هم ورثة الأنبياء في العلم.. لهذا يقول الله -جل وعلا- في محكم آياته: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} سورة المائدة: 3.

تدل الآيـة على أن الله قد أكمل الدين، فلهذا لا حاجة للعالم إلى نبي جديد؛ لأن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- قد أتى بالشريعة الكاملة الشاملة الصالحـة لجميع الأمكنـة والأزمنـة مهما ردها ورفضها المجرمون..

قال ابن كثير عند تفسير هذه الآيـة:

(هذه أكبر نعم الله –تعالى- على هذه الأمة حيث أكمل لهـم –تعالى- دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم -صلوات الله وسلامه عليه-، ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن…)

الأدلة من السنة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين:

دلت الأحاديث المتواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الأمر… منه ما ورد تصريحاً بأنه خاتم الأنبياء ومنها ما ورد ضمناً…

أولاً: الأحاديث الصريحة:

1.  عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (أُتِي النبي -صلى الله عليه وسلم- بلحم، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس3 منها نهسة ثم قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟) ثم ذكر يوم القيامة وما يحدث فيه من استشفاع الناس بالأنبياء للحساب، حتى يصلوا إليه، فذكر -صلى الله عليه وسلم- أنهم يقولون: أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك..) الحديث رواه البخاري ومسلم.

2.  وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) رواه مسلم مختصراً ورواه بطوله أبو داود وأحمد وابن ماجه.

والشاهد قوله: ( وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي).

3.  وعن جابر -أيضاً- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها، إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون: لولا موضع اللبنة) متفق عليه، وفي مسلم زيادة: (فأنا موضع اللبنـة جئت فختمت الأنبياء).

4.  وعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون) قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: (فُوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم) رواه البخاري ومسلم.. وغيرها من الأحاديث.

ثانياً: ذكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها تحذيره من أدعياء النبوة:

1-      عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله) رواه البخاري  ومسلم.. وهذا لفظ البخاري، وقد أورده في موضع آخر مطولاً.

2-      عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم) رواه مسلم..

ثالثاً: دلالة بعض أسمائه على أنه خاتم الأنبياء:

عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عَقِبي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي) رواه البخاري ومسلم.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، أوردنا منها ما اتضح به المقصود، والله المستعان.

الإجمـاع: أجمعت الأمة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر الأنبياء وخاتمهم، ولا نبي بعده، ومن خالف ذلك كفر..

قال القاضي عياض -رحمه الله-: (وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا -صلى الله عليه وسلم- أو بعده، كالعيسوية من اليهود القائلين بتخصيص رسالته إلى العرب، وكالخُرامية القائلين بتواتر الرسل، وكأكثر الرافضة القائلين بمشاركة علي في الرسالة للنبي وبعده، وكذلك كل إمام عند هؤلاء يقوم مقامه في النبوة والحجة، وكالبزيعية والبيانية منهم القائلين بنبوة بزيع وبيان، وأشباه هؤلاء، أو من ادعى النبوة لنفسه أو جوز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها؛ كالفلاسفة، وغلاة المتصوفة، وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدَّعِ النبوة، أو أنه يصعد إلى السماء ويدخل إلى الجنـة، ويأكل من ثمارها، ويعانق الحور العين؛ فهؤلاء كلهم كفار مكذبون للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أخبر النبي أنه خاتم النبيين لا نبي بعده، وأخبر عن الله -تعالى- أنه خاتم النبيين وأنه أرسل كافة للناس.. وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره، وأن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص؛ فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعاً إجماعاً وسمعاً)  انظر: (الشفا 2/1070-1071).

وحكى الإجماع أيضاً على تكفير من ادعى النبوة أو صدق من ادعاها غير واحد من أهل العلم ومنهم الألوسي في تفسيره.. فتبين من خلال ما تقدم ذكره من الأدلة القرآنية والنبوية والإجمـاع على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين لا نبي بعده وأن شريعته كاملة تامة.. وهذا ما قد رضيه الله –تعالى- لهذه الأمـة…

الكذابون الدجالون:

لقد حصل ما أخبر عنه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من ظهور أدعياء النبوة، ومنهم: مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، والمختار بن أبي عبيد الثقفي، وغيرهم كثير إلى زماننا هذا .. ومن المضحك جداً أن نسمع في أيامنا هذه من تدعي أنها نبية، بل والأعجب من ذلك أنها عضو في حزب اشتراكي …

أسأل الله أن يتم النعمة، ويحفظ عباده الصالحين، وأن يهدي الضالين عن سبيله.. ويعجل بهلاك المجرمين الكاذبين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم …


1 – المحكم 5/26.

2 – تفسير ابن كثير 3/474-475.

3 – النهس: أخذ اللحم بأطراف الأسنان،  والنهش الأخذ بجميعها..