وحدة الأديان

وحدة الأديان

الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

إن الله تعالى أرسل رسوله محمداً  إلى الناس كافة، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعل دينه المهيمن على كل الأديان قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ 1.

وبيَّن الله تعالى في كتابه الكريم أنه لن يقبل من أحد غير دين الإسلام الذي بعث به رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 2 فليست هناك مساومة بين الإسلام وبين أي دين آخر: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ۝ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ۝ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ۝ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ۝ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ۝ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 3

واليوم نسمع عمن يدعو إلى ما يسمى بوحدة الأديان، ونسمع عن جملة من المؤتمرات التي تعقد بدعوى التفاهم الإسلامي النصراني، ويحضر هذه المؤتمرات مندوبون عن مختلف الأديان المنتشرة في العالم، سواء كانت أدياناً ذات أصل سماوي، أو أدياناً أرضية، كالبوذية والهندوسية، ويشارك في هذه المؤتمرات حاخامات يمثلون الديانة اليهودية، وقساوسة يمثلون الديانة النصرانية، كما يشارك فيها مشايخ رسميون يمثلون الإسلام!!، وتُعدُّ في هذه المؤتمرات أوراق عديدة من قِبَلِ يهود، أو نصارى، أو مسلمين أو آخرين، وتُلقى محاضرات عديدة، وتعقد ندوات كثيرة، يؤكد المتحدثون فيها على الأمور المشتركة بين الديانات، ويطالبون بالتعاون والتنسيق بين أصحابها لتحقيق أهداف مشتركة للمشاركين والمتحدثين.

بعض ما يجري في مؤتمرات الأديان:

ويقدم ممثلو كل دين أنفسهم للمؤتمرين أنهم على حق وصواب، وأن دينهم الذي يدينون به دين صحيح مقبول عند الله، وأن أتباعه مؤمنون موحدون، وهم خالدون في الجنة في الآخرة سواء كان ذلك الدين يهودية، أو نصرانية، أو هندوسية، أو بوذية، أو قاديانية أو غير ذلك.

ويتعامل المؤتمرون في هذه المؤتمرات مع الإسلام كما يتعاملون مع أي دين آخر على قدم المساواة، ويقولون: الإسلام حق وصواب، واليهودية حق وصواب، والنصرانية حق وصواب! ويوافق المشايخ المشاركون في هذه المؤتمرات على هذه الطروحات والأفكار، ويعلنون اعتراف الإسلام باليهودية، والنصرانية، وأن هاتين الديانتين صحيحتان ربانيتان، وأن أتباعهما مؤمنون موحدون، وأنهم على صواب، وأنهم من أصحاب الجنة، وأنهم جميعاً أبناء إبراهيم ! ويستشهد هؤلاء المشايخ وغيرهم من المسلمين المتحدثين في هذه المؤتمرات بآيات من القرآن، وبأحاديث رسول الله ، في الحديث عن التوراة، والإنجيل، والحديث عن موسى و عيسى وغيرهما عليهم الصلاة والسلام، والثناء على مؤمني أهل الكتاب من اليهود، والنصارى!

مشاركة بعض المسلمين فيها بسذاجة أو خبث:

وبدايةً نقرر أن هذه المؤتمرات العالمية حول وحدة الأديان، وتعاون أتباعها لتحقيق السلام، ومواجهة الإرهاب؛ مؤتمرات مشبوهة يعدها ويرتب لها خبثاء ماكرون من اليهود، والماسونيين، والصليبيين لتحقيق أهداف اليهودية العالمية في السيطرة على العالم، واستغفال الآخرين وخداعهم، وليست المشكلة عند الذين يرتبون لهذه المؤتمرات من اليهود، والماسونيين؛ فإنهم يحققون أهدافهم الشيطانية منها، وهم يخدمون شياطينهم ومخططاتهم في ذلك؛ ولكن المشكلة عندنا هي في أولئك المشايخ والكتاب والمفكرين المسلمين من ذوي الأسماء اللامعة، والمراكز العالية الذين يشاركون في هذه المؤتمرات، ويسمعون كلام ممثلي الأديان الأخرى، ويوافقونهم عليه، ويقبلون أن يتعاملوا مع الإسلام كما يتعاملون مع اليهودية، والنصرانية على قدم المساواة والاعتراف! إنهم يشاركون في هذه المؤتمرات بسذاجة، وغفلة، وبلاهة، وبعضهم يعرف حقيقة أهداف القائمين عليها، ويوافقهم عليها، ويشارك فيها بخبث وسوء نية! والكلام الذي يقدمه هؤلاء المشايخ في المؤتمرات كلام باطل، وفهمهم للآيات والأحاديث التي يقدمونها خاطئ،  وهم يحرفون معانيها، ويخرجون بها لتكون شاهدة لأهداف المؤتمرات الخبيثة! وعندما تناقش هؤلاء المشايخ والمفكرين المسلمين في أفكارهم، وتنتقدهم في مشاركاتهم؛ يحتجون بآيات من القرآن، وفعل رسول الله ، ويقولون: أليست آيات القرآن تدعونا إلى مجادلة أهل الكتاب، ومحاورتهم؟ ألم يوجه القرآن الدعوة إلى أهل الكتاب؟ ألم يحاور رسول الله  أهل الكتاب؟ نقول لهم: نعم! لقد دعا القرآن إلى مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، ولقد دعا القرآن أهل الكتاب إلى كلمة سواء، ولقد حاور رسول الله  أهل الكتاب، ودعاهم إلى اتباع الحق، والدخول في الإسلام! لكن أين هذا مما أنتم تشاركون فيه وتدعون إليه؟ شتان ما بينهما!

الرسول  يطبق دعوة القرآن إلى كلمة سواء:

الدعوة الموجهة إلى أهل الكتاب للتفكير في كلمة سواء دعوة قرآنية صريحة، لكنها دعوة لها شروط، لا بد من تحققها وإلا فقدت الدعوة معناها وهدفها، وكان القرآن دقيقاً في تحديد شروط الدعوة وأهدافها! قال الله ​​​​​​​: قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 4، وكان رسول الله  خير من طبق مفهوم هذه الآية، والتزم بشروطها عندما وجه الدعوة إلى أهل الكتاب، وبلَّغهم الإسلام، وأقام عليهم الحجة: ففي صيف السنة السابعة من الهجرة وبعد صلح الحديبية وجَّه رسول الله  الدعوة إلى حاكم أقوى دولة نصرانية وأكبرها هرقل زعيم الروم، وسجَّل في كتابه له هذه الآية، وطالبه بالدخول في الإسلام، وحمَّل رسولُ الله  كتابه الصحابيَّ: دحية بن خليفة الكلبي  وكلفه بالذهاب إلى هرقل، وتبليغه الدعوة! ولما وصلت الدعوة إلى هرقل أوشك أن يستجيب لها ويسلم؛ لكنه آثر ملكه وسلطانه فرفضها، وقد ذكر الإمام البخاري تفاصيل الحوار بينه وبين أبي سفيان حول ذلك.

حقائق من كتاب الرسول  إلى هرقل:

ومن الواضح في نص كتاب الرسول  إلى هرقل أنه لا ينظر لدين هرقل النصراني على أنه  مساوٍ للإسلام في الحق والصحة كما يفعل المشاركون في مؤتمرات الأديان، وإنما اعتبر أن الإسلام وحده هو الحق والصواب، وأن النصرانية دين باطل منسوخ مردود، ولذلك لا بد أن يتخلى عنه أصحابه، ويتبعوا الإسلام.

كان رسول الله  صريحاً في دعوة هرقل إلى الدخول في الإسلام: أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم5. فإن لبى هرقل الدعوة، ودخل في الإسلام؛ فإن الله يؤتيه أجره مرتين وليس مرة واحدة: مرة لإيمانه بعيسى ابن مريم  ، ومرة لإيمانه بمحمد رسول الله ، وإن رفض الدعوة للدخول في الإسلام، وأصر على البقاء على نصرانيته؛ فسيكون ضالاً كافراً خاسراً، وسيحمل إثم الأريسيين من شعبه وقومه، لأنه بكفره يكون قد صدهم عن الدخول في الإسلام!6.

حقائق قرآنية من الدعوة إلى كلمة سواء:

وعندما نمعن النظر في الآية موضوع الكلام فإننا نأخذ منها ما يلي: قل7 هي: قل التلقينية، فالله هو الذي يلقن رسوله  هذا الكلام، ويأمره أن يقول هذا القول لأهل الكتاب، فالله هو الذي يوجه الدعوة إلى أهل الكتاب للدخول في الإسلام، والله هو الذي يحدد الشروط الضرورية لهذه الدعوة، وهذا معناه أن هذا الموضوع موضوع رباني وليس اجتهاداً بشرياً خاضعاً لأهواء البشر، أو متأثراً بأهوائهم وتقلباتهم! هذا الأمر قل ليس موجهاً للرسول  وحده؛ وإنما يتعداه ليشمل كل مسلم من بعده، قادر على محاورة أهل الكتاب، ودعوتهم إلى الإيمان؛ لأنه من المعلوم أن خطاب الرسول  في القرآن خطاب لأمته ما لم يقم دليل على تخصيصه به، وقوله: يَا أَهْلَ الكِتَابِ 8 المراد بأهل الكتاب في القرآن اليهود، والنصارى فقط، وهذا المصطلح وقف عليهم لأن الله أنزل لكل طائفة منهم كتاباً؛ حيث أنزل التوراة على موسى ، وأمر بني إسرائيل باتباعها، وأنزل الإنجيل على عيسى ، وأمر النصارى باتباعه، ولكن اليهود لم يتبعوا كتاب الله التوراة، وإنما حرفوها وبدلوها فنسخها الله، والنصارى لم يتبعوا كتاب الله الإنجيل، وإنما حرفوه وبدلوه فنسخه الله، ووصف الفريقين بالكفر في آيات صريحة في القرآن منها قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ9 المسلم يوجه الدعوة ويضع الخطة:

يطلب رسول الله  من أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يأتوا إليه للاتفاق على كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بينه وبينهم، وكونه هو الذي يوجه لهم الدعوة: تَعَالَوْا يدل على أنه هو صاحب الأمر والنهي، وأنه هو الذي يقرر ويوجه، وأنه هو الذي يضع الأهداف، ويحدد الشروط والمواصفات، وأن اليهود والنصارى مدعوون للمشاركة، والمجادلة، والحوار، والالتزام بخطة صاحب الدعوة وبرنامجه.

وهذا من صلاحية رسول الله  لأنه هو الذي على حق، ورسالته حق، ودينه حق، ودعوته حق، وهم على باطل، ولا بد أن يحاورهم ليقيم عليهم الحجة، ويتخلوا عما هم عليه من باطل، ويتبعوا ما معه من حق، وهذا ليس خاصاً برسول الله ، وإنما ينطبق على كل إمامٍ أو سلطانٍ للمسلمين من بعده، وكل عالم أو مفكر أو داعية من بعده! فالأصل أن تصدر الدعوة إلى أهل الكتاب من المسلمين، وأن يضع برنامج المؤتمر المسلمون، وأن يعد الكلمات والمحاضرات المسلمون، بهدف الحوار والنقاش، وتقديم الإسلام الحق لأهل الكتاب! وهذا مفقود في مؤتمرات الأديان المشبوهة!

والكلمة السواء هي الكلمة المستوية العادلة، ولن تكون مستوية عادلة إلا إذا انطلقت من الحق، والتزمت بالحق، وكان هدفها بيان الحق، والاحتجاج له، والبرهنة عليه، ونقد الباطل وتزييفه.

شروط قرآنية ثلاثة للكلمة السواء:

وقد فسرت الآية الكلمة السواء المقصودة من الدعوة تفسيراً محدداً، وذلك في: أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ 10.

إن المؤتمرات الحوارية مع أهل الكتاب لا بد فيها من الالتزام بشروط ثلاثة،: الأول: أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ عبادة الله وحده، وعدم عبادة مخلوق غيره، وهذا غير موجود عند اليهود، والنصارى؛ فهم يزعمون أنهم يعبدون الله، ولكنهم يعبدون معه غيره من أحبارهم، ورهبانهم.

الثاني: وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً عدم الإشراك بالله، وعدم تأليه غيره من المخلوقين، وهذا موجود عند اليهود والنصارى؛ فاليهود يقولون: عزير ابن الله، والنصارى يقولون: المسيح ابن الله، ويعبدون آلهة ثلاثة، يسمونها: “الأقانيم” الثلاثة: (الأب، والابن، والروح القدس) وهذا شرك منهم بالله.

الثالث: وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ عدم الاعتراف بالربوبية لغير الله، وعدم قبول تشريع غير الله، وهذا غير موجود عند اليهود، والنصارى؛ فهم يزعمون إيمانهم بالله رب العالمين، لكنهم مع ذلك يتخذون أرباباً غيره من أحبارهم، ورهبانهم، وأخبرنا الله عن ذلك بقوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 11، فالمسلمون وحدهم هم الذين: لا يعبدون إلا الله، ولا يشركون به شيئاً، ولا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله.

نتيجة المؤتمرات: الجهر بالإسلام وكفر غير المسلمين:

وهدف مؤتمرات الحوار مع أهل الكتاب التي ينبغي أن يُعِدَّ لها المسلمون أنفسَهم تخلي اليهود والنصارى عن الشرك بالله، وتأليه غير الله أو ربوبيته، وعبادة الله وحده، ولن يكون هذا إلا بتخليهم عن دينهم المحرف الباطل المنسوخ، والدخول في الإسلام، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله  قال تعالى: فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 12 تُقدِّم هذه الجملة من الآية الحل الصحيح للمسلمين المشاركين في مؤتمرات الحوار مع أهل الكتاب، فإن رفض أهل الكتاب قبول الأمور السابقة التوحيدية، وتولوا عن الحق، وأعرضوا عن الدعوة، وأصروا على يهوديتهم ونصرانيتهم؛ فعلى المسلمين أن يكونوا صريحين معهم، وأن يخاطبوهم قائلين: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.

إنهم يجهرون بإسلامهم معتزين، وهذا معناه أنهم وحدهم المسلمون، وأن اليهود والنصارى ليسوا مسلمين، ومن ثَمَّ ليسوا موحدين لله، وليسوا على حق، وإنما هم كافرون، ومتبعون للباطل، هذا هو توجيه القرآن للمسلمين عندما يدعون أهـل الكتاب إلى كلمة سواء، وهكذا فلتكن مشاركة المفكرين المسلمين في مؤتمرات الأديان، فإن لم تكن المشاركة هكذا على أساس توجيهات القرآن فلا تجوز، لأن المشاركين المسلمين حينئذ يكونون شهود زور!13 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ملحق بدرس وحدة الأديان:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

نظراً لأهمية هذا الموضوع رأينا أن نلحق به فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى وحدة الأديان: دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء: مسجد، وكنيسة، ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات، والمطارات ،والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات، وندوات، وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي: أولاً: أن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة التي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبقَ على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام قال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ 14، والإسلام بعد بعثة محمد هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.

ثانياً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن كتاب الله تعالى: القرآن الكريم هو آخر كتب الله نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِ15.

ثالثاً: يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نُسِخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف، والتبديل؛ بالزيادة والنقصان كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم منها قول الله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظاً مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ 16، وقوله جل وعلا: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاًً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ 17، وقوله سبحانه: وَإنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 18، ولهذا فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل، وقد ثبت عن النبي  أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب  صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آتِ بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي 19.

رابعاً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن نبينا ورسولنا محمداً هو خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رسول الله وَخَاتَمَ النبيينَ 20 فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حياً لما وسعه إلا اتباعه، وأنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك كما قال الله تعالى: وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النبيينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ21، ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد  وحاكماً بشريعته، وقال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ الأُمِّيَّ الَذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ22، كما إن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد عامة للناس أجمعين قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ23، وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رسول الله إلَيْكُمْ جَمِيعاً 24 وغيرها من الآيات.

خامساً: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافراً، وأنه عدو لله، ورسوله، والمؤمنين، وأنه من أهل النار كما قال تعالى: لَمْ يَكُنِ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حََتَّى تَاًتِيَهُمُ البَيِّنَةُ 25، وقال جل وعلا: إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ 26 وغيرها من الآيات.

وثبت في صحيح مسلم أن النبي  قال: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ،ولا نصراني؛ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار 27 ولهذا: فمن لم يكفّر اليهود والنصارى فهو كافر طرداً لقاعدة الشريعة: من لم يكفّر الكافر فهو كافر.

سادساً: وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية؛ فإن الدعوة إلى: وحدة الأديان، والتقارب بينها، وصهرها في قالب واحد؛ دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام، وتقويض دعائمه، وجرّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونََكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا28، وقوله جل وعلا: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً29.

سابعاً: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول: قَاتِلُوا الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ 30  ويقول جل وعلا:  وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ 31 

ثامناً: إن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله ​​​​​​​ ، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان؛ وبناءً على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن، وسنة، وإجماع.

تاسعاً: وتأسيساً على ما تقدم: 1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً؛ الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.

2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردَين؛ فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد!! فمن فعل ذلك أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد، لما في ذلك من الجمع بين الحق القرآن الكريم والمحرف أو الحق المنسوخ: التوراة، والإنجيل.

3-كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: بناء مسجد، وكنيسة، ومعبد في مجمع واحد، لما في ذلك من الاعتراف بدين يعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة، ولأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك، أو اعتقاده، أو الرضا به؛ كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم، والسنة المطهرة ،وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله – تعالى الله عن ذلك -.

كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس بيوت الله، وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ 32 بل هي: بيوت يُكفر فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في مجموع الفتاوى 22/162: ليست (أي: البيع، والكنائس) بيوت الله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها؛ فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار.

عاشراً: ومما يجب أن يُعلم أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب، والسنة؛ ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان، والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام؛ وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام، ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة قال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 33، أما مجادلتهم، واللقاء معهم، ومحاورتهم لأجل النزول عند   رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عُرَى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله، ورسوله، والمؤمنون؛ والله المستعان على ما يصفون قال تعالى: وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ34

وإن اللجنة إذ تقرر ذلك، وتبيِّنَه للناس؛ فإنها توصي المسلمين بعامة، وأهل العلم بخاصة؛ بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة: وحدة الأديان، ومن الوقوع في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سبباً في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين، وترويجها بينهم.

نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى؛ أن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين35.


1(المائدة:48).

2(آل عمران:85).

3(الكافرون:1-6).

4(آل عمران: 64 ).

5– أخرجه البخاري كتاب بدء الوحي باب بدء الوحي برقم (6).

6الأريسيون هم الرومان من أتباع آريوس الذي كان موحداً لله، ويرى أن عيسى  هو عبد الله ورسوله، وليس ابناً لله، فحاربه وحارب أتباعَه الرهبانُ الذين ألَّهوا عيسى .

7 (آل عمران: 64 )

8(آل عمران: 64 ).

9(البينة: 1).

10(آل عمران: 64).

11(التوبة: 31 ).

12( آل عمران: 64 ).

13راجع مجلة البيان العدد 152 ص 40 مقال بعنوان: دعوة أهل الكتاب إلى كلمة سواء.

14آل عمران: 85.

15المائدة: 48.

16المائدة:13.

17البقرة: 79.

18آل عمران: 78.  

19أخرجه أحمد في مسنده برقم (14623).

20الأحزاب:40.

21آل عمران: 81.

22الأعراف: 157.

23سبأ: 28.

24الأعراف: 158.

25البينة: 1.

26البينة: 6.

27أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس برقم (218).

28البقرة: 217.

29– النساء: 89.

30التوبة: 29.

31التوبة: 36.  

32آل عمران: 85.

33آل عمران: 64.

34 المائدة: 49. 

35هذه الفتوى الشرعية الموثقة صدرت برقم 19402 في 25/1/1418 هـ عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء (الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء) السعودية واللجنة التي أصدرت هذه الفتوى مكونة من سماحة الرئيس العام ومفتي عام المملكة العربية السعودية (الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز) رئيساً، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ نائباً، وعضوية كل من الشيخ د بكر أبو زيد، و الشيخ د صالح بن فوزان الفوزان.