منافع الطاعة

منافع الطاعة

 

الحمد لله على التمسك بشرائعه، والتنسك بذرائعه، والتوسل إلى الله بتأييد أحكام شارعه، والتوصل به إلى دينٍ يقطع به من الباطل أعناق مطامعه.

نحمده حمداً يأخذ من الخير بمجامعه، ويضاهي الغمام في عموم منافعه، ويباهي السيف بقلم الشرع في قهر عاصيه وحماية طائعه.

 

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تؤدي للإيمان أمانة ودائعه، وتهدي إلى صيانة مشارعه، وتقيم من العلماء كل شهابٍ تقسم الأنوار بلوامعه، وتقسم الأبصار ببدائعه، وتجول الفتاوى في صدره الفسيح وتتجول في شوارعه، وترهف منهم للحكم العزيز كل قلمٍ يدل السهم على مواقعه، وينبه الرمح من مقاتل الأعداء على مواضعه، ويسري غمامه إلى الأعداء بصواعقه وإلى الأولياء بهوامعه.

 

ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أسعد الأمة بطالعه، وأصعد الأئمة في مطالعه، وأسعف الملة بما أبقى الله فيها من حسن صنائعه ويمن طلائعه، ومن شريعته التي أمن حبلها الممدود من جذب قاطعه، وكفي شر قاطعه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تتوالى إليه توالي العذب إلى منابعه؛ وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

 

عباد الله: لا شك ولا ريب أن تقوى الله وطاعته هي الهدف من خلق الإنسان. ولطاعة الله ورسوله فوائد عظيمة: دخول الجنة والنجاة من النار، فالطاعة توجب القرب من الله سبحانه وتعالى، فكلما اشتد القرب قوي الأنس بالله. والمعصية توجب البعد من الله، وكلما ازداد البعد قويت الوحشة.  

إن ثمرات الطاعة وفوائدها ومنافعها التي يحصل عليها العبد في الدنيا والآخرة كثيرة جداً. ومنها:

– إن من منافع الطاعة والعمل الصالح الثبات على الدين، فالثبات من ثمرات الطاعة والمعصية توجب الخذلان، وانظر إلى قوله: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(147) سورة آل عمران، فيه إشارة إلى أن الرعب من نتائج الذنب، والثبات من ثمرات الطاعة.

والجامع لذلك كله طاعة الله ورسوله فإنها موجبة لتأييد المطيع بقوة من هو في طاعته، وذلك سر قول أبي الدرداء – رضي الله عنه – الذي رواه البخاري في باب « عمل صالح قبل القتال»: "إنما تقاتلون الناس بأعمالكم"

 

عباد الله:

إن من أراد دوام العافية فليتق الله، ما أقبل مقبلٌ عليه إلا وجد كل خير لديه، ولا أعرض معرض عن طاعته إلا وتعثر في ثوب غفلته:

– ومن منافع الطاعة والعمل الصالح الحصول على محبة الله تعالى فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (إن الله تعالى قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)1

 

قال أبو سليمان الداراني: "من صفا صفا له، ومن كدر كُدر عليه، ومن أحسن في ليله كفى في نهاره" وقال الفضيل بن عياض: "إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي".

– ومن منافع الطاعة والعبادة الحصول على الفلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(77) سورة الحـج، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(200) سورة آل عمران، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(35) سورة المائدة.

 

– ومن منافع الطاعة والعبادة الحصول على السعادة في هذه الحياة وانشراح الصدر قال تعالى :{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(28) سورة الرعد، وقال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(124) سورة طـه.  

– ومن منافع الطاعة والعبادة دخول الجنة والتنعم فيها:

قال تعالى:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(43) سورة الأعراف.

وقال تعالى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(72) سورة الزخرف.

وقال تعالى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(19) سورة الطور.

 

فيا من يريد دوام العيش على البقاء، دم على الإخلاص والنقاء، وإياك والمعاصي، فالعاصي في شقاء المعاصي، والمعاصي تذل الإنسان وتخرس اللسان، وتغير الحال المستقيم، وتحمل الاعوجاج مكان التقويم.

اللهم يا رب الأرباب، ويا مسبب الأسباب، ويا أرحم الراحمين، نسألك أن تعيذنا من النار، اللهم أعذنا من النار، واجعلنا ممن يكرم في روضات الجنات.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

          الحمد لله سلك بأهل الاستقامة سبيل السلامة، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، بوأ المتقين في دار المقامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم القيامة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، فاز من جعله إمامه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والكرامة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

ألا وإن للطاعة فوائد وأجراً عظيماً في ساعات الغفلة: كذكر الله في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها:

أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، ولأن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين، فعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (العبادة في الهرْج كالهجرة إلي)2  

أي العبادة في زمن الفتنة؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك قائما بعمل شاق.

 

عباد الله:

وكما أن للطاعة ثمرات فكذلك مما ينبغي أن يُعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بد، وأن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر. قال كعب: "إنما تُزلزل الأرض إذا عُمِل فيها بالمعاصي، فترعد فرقاً وخوفاً من الربِّ – جل وعلا – أن يطّلع عليها".

أيها الناس: ولا يزال العبد يعاني الطاعة فيألفها، ويحبها ويؤثرها، حتى يرسل الله سبحانه وتعالى إليه الملائكة تؤزه إليها أزاً، وتحرضه عليها، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها، ولا يزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله عليه الشياطين فتؤزه إليها أزاً.

 

فما أعظم بركة الطاعة عباد الله، وما أعظم شؤم المعصية، شؤم المعصية تحول النعمة إلى نقمة.

وعن الحسن قال: "العمل بالحسنة نور في القلب، وقوة في البدن، والعمل بالسيئة ظلمة في القلب، ووهن في البدن" وعنه قال: " إن الرجل ليعمل الحسنة فيكون نوراً في قلبه، وقوة في بدنه، وإن الرجل ليعمل السيئة فتكون ظلمة في قلبه، ووهناً في بدنه"

ثم صلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم الله في محكم كتابه.

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 


 


1 – صحيح البخاري – (ج 20 / ص 158 – 6021)

2 – صحيح مسلم – (ج 14 / ص 187 – 5242)