الشعوذة في الفضائيات

الشعوذة في الفضائيات

الشعوذة في الفضائيات

عبد الله قهبي

عباد الله:

 ظهرت هذه الأيام قنوات تقوم على سحب المشاهد للسحر والشعوذة، يأتون بالكهان والمنجمين ومفسري الأحلام الجهلة الذين لم يعلموا أو علموا وتجاهلوا أن الفتيا في الرؤى لا يتصدى لها إلا العلماء لا الجهلاء، يتم الاتصال بتلك القنوات عبر الإيميلات ورسائل (sms) للسؤال عن مرض مستعصي أو تأخر زواجٍ أو رغبة في معرفة المستقبل… وعدّد ما شئت، فيقوم ذلك المشعوذ الذي كفر بالله وآمن بالطاغوت بإعطاء المتّصل حلاّ يلفّه بعباءة الدين والقرآن؛ ليعمّي عليه الحق، وليتمكن من إيقاعه في أعظم ذنب عصي الله به، ألا وهو الشرك بالله تعالى، قال تعالى:{ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} المائدة: 72.

أتدرون ـ يا عباد الله ـ ماذا يعني الاتصال بالسحرة والكهان وتصديقهم والجلوس لمشاهدتهم والاستماع إليهم؟ إن ذلك يعني أنك ـ أيها المؤمن ـ تقدم على أعمالك الصالحة التي أفنيتَ عمرك فيها فتجعلها هباء منبثّا وقاعا صفصفا، صلواتك وحجك وصيامك وصدقتك وكلّ عمل خير قدمته في سنين عمرك تهدمه باتصال واحد للكهان أو السحرة وتصديقهم، يقول تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الزمر: 65.

 إنه إعصار أيما إعصار، يبطل كل أعمالك الصالحة التي قضيت فيها عمرك المديد وأصبحت كالجبال العظيمة من الحسنات، فترسل عليها باتصالك وتصديقك لهم إعصار الكفر بالله تعالى، لتحرق بذلك كل أعمالك الصالحة السابقة، قال تعالى:{فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}البقرة: 266.

هذا باختصار خطر أثر برامج الشعوذة التي تقدمها قنوات "كنوز" و"شهرزاد" و"جرس" وغيرها من قنوات الشعوذة. ورغم أن الكثير من المسلمين غير مؤمن بهذه الشعوذة ويرى حرمتها إلا أنه يشاهدها من باب الفضول والتسلية، وهذه أُولى خطوات الشيطان التي حذرنا الله منها فقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} النور: 21.

يقول أحد المشعوذين لأحد المتَّصلات: "رزقُك عندي، حياتك عندي، علاقتك مع زوجك عندي، لا مُو هذا بس، كل شيء عنك عندي". فماذا بقي لله الخالق الرازق المحي المميت الذي يقول سبحانه:{ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }النمل: 65، وهؤلاء يدعون علم الغيب، ومن ادَّعى علم الغيب فقد كفر بما أنزل على محمد ، ومن صدق مدّعي علم الغيب فقد كفر بما أنزل على محمد ؛ لأنه بتصديقه إياهم يكذّب كلام الله تعالى الذي ينفي علم الغيب عن كلّ أحد إلا له سبحانه وتعالى أو من ارتضى من رسول، قال جل وعلا:{ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } النمل: 65، وقال سبحانه:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا }الجن: 26، 27، وكيف نصدّق بأن الساحر يستطيع عمل شيء للمريض أو المحتاج والله تعالى يقول:{وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} يونس: 77، فأي فلاح يرجى من هؤلاء وقد بين الله خسارتهم وسوء مآلهم وعاقبتهم في الدنيا والآخرة؟! عباد الله، إن مشاهدة هذه البرامج مشاركة لأهلها في الباطل، ومن شاهدها ورضي بمشاهدتها وصدّقها كان له من الإثم ما لهم ما لم يكن عازما على الإنكار على أهلها، قال تعالى:{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } النساء: 140، قال القرطبي رحمه الله: "وفي قوله تعالى:{ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } دلّ ذلك على وجوب اجتناب مجالس أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي بفعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل: :{ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ }، فكلّ من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء. وإني لأستعجب ـ والله ـ كيف ينخدع أناس ويتوهمون أن هناك من يعلم الغيب غير الله من هؤلاء الكهنة والعرافين والله تعالى يقول لنبيه:{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الأعراف: 188، وكيف يغفل هؤلاء عن قول النبي : (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما)؟! هذا فيمن سأل، أما من سأل وصدق فاسمعوا ماذا يقول النبي فيه، قال عليه الصلاة والسلام: (من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) خرَّجه أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: (ومن تعلق شيئا وكل إليه)، ومن وكل إلى غير الله هلك، ومن وكل إلى غير الله كان من جند الشيطان، يتسلط عليه ويجلب له كل بلاء في نفسه وأهله وماله، هموم ومشاكل، وقلق وعسر، فكيف لمسلم أن يرضى حياة الشقاء؟! قال تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} طه: 124، والعيشة الضنك هي العناء في الدنيا والآخرة. فعد ـ يا عبد الله ـ إلى الركن الشديد، عد إلى الله مدبر الأمر ومالك الملك وكاشف الضر، قال تعالى:{ وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} الأنعام: 17، ويقول سبحانه:{ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ }الأنبياء: 42. عباد الله، كيف نصدق من يكتب مع طلاسمه الشيطانية شيئًا من القرآن ليضل الناس ويستميل عواطفهم إليه، تالله ما استهان بكتاب الله أحدٌ من الأعداء استهانة هؤلاء الزنادقة المدَّعين الإسلام به، والله ما نزل القرآن إلا لتلاوته والعمل به وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والوقوف عند حدوده والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه والإيمان به،{ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }آل عمران: 7، أما هؤلاء فقد عطلوا ذلك كله ونبذوه وراء ظهورهم، نبذوا كِتابَ الله وَراء ظُهورِهِم كَأَنَّهم لا يَعلَمونَ، لم يحفظوا من القرآن إلا رسمه كي يأكلوا به ويكتسبوا من ورائه ويستكثروا به.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة: 79، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)، يعني ريحها. أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/338) وغيره.

الخطبة الثانية

أيها المؤمنون، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: (يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي وقال:"حديث حسن صحيح". فأين المسلمون من هدي نبيهم عليه الصلاة والسلام الذي كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة؛ يدعو ربه ويستغيثه ويسأله حاجته؟! ونحن نقول في كل صلاة وفي أعظم سورة سورة الفاتحة:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فأين نحن من تدبر هذه الآية العظيمة؟! قال تعالى:{ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }البقرة: 45، نستعين بالله القادر المعطي الكريم على كل بلاء ومحنة، لا بالسحرة والمشعوذين، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليس منا من تطير أو تُطُيِّر له، أو تكهن أو تُكُهِّن له، أو سحر أو سحِر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) رواه البزار بإسناد جيد.

إن السحر ـ يا عباد الله ـ من المحرمات الكفرية كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة:{ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } البقرة: 102.

فاعتصموا ـ عباد الله ـ بربكم القائل: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} آل عمران: 101، واعلموا أن المؤمن مكلوء بحفظ الله ورعايته من شر شياطين الجن والإنس كما قال سبحانه وتعالى:{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} النحل: 100.

أيها المسلمون:

 إن أهل الإيمان والتقوى هم من حقّقوا قول الله جل وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الأعراف: 201، تذكروا ربهم، تذكروا لقاءه، تذكروا عقابه، تذكروا ناره، فارتدَعوا عن مناهيه، وانتهوا عن معاصيه، وذكروه بألسنتهم وبقلوبهم وجوارحهم، تائبين إليه منيبين إليه موقنين أنه سبحانه النافع الضار الحكيم المدبر، فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ يهديهم ربهم بإيمانهم، فيعتدل حالهم ويستقيم مزاجهم، وإذا اتّقوا ربهم جعل لهم نورًا يمشون به، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلّ شَىْء قَدْرًا} الطلاق: 2، 3، فحصول البرء والشفاء بيد الله وإذنه، فلا يأس من رَوح الله، ولا استبعاد لفرج الله، قال صلى الله عليه وسلم : (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن) رواه مسلم، والله تعالى يقول:{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } الشرح: 5، 6، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يغلب عسر يسرين إن شاء الله).

فاللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار يا عزيز يا غفار، اللهم اكفناهم بما شئت، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم…