الاستسقاء

الاستسقاء

 

الاستسقاء

 الحمد لله القائل في كتابه الكريم: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ سورة الشورى (27) (28).

 والقائل عن نوح أنه قال لقومه:فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا سورة نوح (10-11-12).

 أحمده على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشكره على نعمة السراء والضراء، وأستغفره وأتوب إليه من كل زيغ وهوى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يبلي عباده بالفقر والغنى، والجدب والقحط والبلوى، والصحة والسقم واللؤى، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها إذا اختفى.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المجتبى، وخيرته من خلقه من بين سائر الورى، والداعي إلى دينه القويم وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى.

 صلى الله عليه وسلم ما غسق ليل ودجى، وما ذكره الذاكرون الأوفياء، وما غفل عنه الغافلون الأغبياء، وعلى آله وصحبه ومن بهديهم اهتدى، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم العرض على رب الأرض والسماء.

أما بعد:

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وذلك بامتثال أمره – تبارك وتعالى-، واجتناب نهيه.

أيها المسلمون: إن لله في خلقه شؤون، فهو لا يديم الإنسان على حال، بل يبتليه بالخير والشر، والفقر والغنى، والصحة والسقم، والمنصب والجاه، وما إلى ذلك مما قد يحبه الإنسان وقد يكرهه، وذلك لحكمة يعلمها، ولغاية يريد بها اختيار هذا الإنسان؛ كما في قوله تعالى:وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ سورة الأنبياء  (35).

وقال تعالى:تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ سورة الملك (1-2).

وقال تعالى:وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ سورة محمد(31).

والله – عز وجل-  قد ابتلانا بقلة الأمطار وانقطاع الآبار والعيون، وذلك لأنه – عز وجل – لو بسط لنا الرزق في الأرض، ولم يبتلنا بالقحط والجدب لبغينا؛ كما في قوله – تعالى- : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ سورة الشورى(27).

أيها المسلمون: لتعلموا علم اليقين أن من أهم أسباب القحط والجدب، ونزع البركة ومحقها الذنوب والمعاصي، والأعراض والتكبر عن رب الأرض والسماء، وعدم قبول الحق، وانتهاك محارم الله – عز وجل- وهذا ما نراه ونشاهده اليوم في واقعنا، فقد انتشرت الرذيلة، وحوربت الفضيلة، وظهرت المرأة عارية فاتنة على شاشات التلفاز وعلى القنوات الفضائية، وسلب الحياء والعفة، وحورب الحجاب الإسلامي، وشجع أهل الانحلال والعري، وتعامل الناس بالربا، واستبدل القرآن بالألحان، وشجع المغني الفاجر والراقص، وحط من قدر الصالح والعالم والفاضل، وساد أهل الباطل في البلاد طولاً وعرضاً فساداً وإفساداً، وأصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والصادق كاذباً، والكاذب صادقاً، والأمين خائناً، والخائن أميناً، واختلت الموازين، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكت في قلبه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين، أبيض مثل الصفاء ولا نضرة فتنة ما دامت السماوات والأرض، وقلب أسود كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه"رواه مسلم1.

فابتلانا الله بشيء من القحط والجدب وذلك ليتوب المسيء وليزداد التائب توبة وإنابة.

أيها الناس: إنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، قال الله – تعالى- :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ سورة التحريم(8).

وقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) سورة النــور.

وقال تعالى:إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ سورة البقرة(222).  وقال تعالى:وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ سورة الشورى(25).

 وقال تعالى:وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ سورة الشورى(30).

وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَسورة الأعراف (96).

وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهم- قال: أقبل علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال:" يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"  رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم ( 3246) والصحيحة( 106 (

  وذلك إشارة منه – صلى الله عليه وسلم- إلى انتهاك محارم الله وانتشار المعاصي.

ومن التوبة الإكثار من الاستغفار، قال الله حاكياً عن نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا سورة نوح (10-11-12).

وقال تعالى:وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ سورة الأنفال (33).

وروي عن عمر – رضي الله عنه- أنه خرج يستسقي، فلم يزد على الاستغفار، وقال: لقد استقيت بمجاديح السماء.

 وعن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – أنه كتب إلى ميمون بن مهران، يقول: قد كتبت إلى البلدان أن يخرجوا إلى الاستسقاء إلى موضع كذا وكذا، وأمرتهم بالصدقة والصلاة، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى سورة الأعلى (14- 15). وأمرتهم أن يقولوا كما قال أبوهم آدم: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَسورة الأعراف (23). ويقولوا كما قال نوح: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَسورة هود (47). ويقولوا كما قال يونس: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ سورة الأنبياء(87).ويقولوا كما قال موسى:رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ سورة القصص(16).

أيها المؤمنون: ومن التوبة أيضاً: رد المظالم إلى أهلها، بل إن هذا شرط من شروط قبول التوبة، والله – عز وجل- قد حرم الظلم على نفسه وجعله فيما بيننا محرماً، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم:" والظلم ظلمات يوم القيامة" رواه مسلم.

 ومن الظلم التعامل بالربا، قال الله تعالى: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَسورة البقرة(279-280).

فمن اغتاب مسلماً أو بهته، أو نم عليه، أو اغتصب ماله، أو سفك دمه، أو غشه في بيعه وشرائه، أو في مشورته ونصيحته فقد ظلمه، وسوف يقتص الله له من ظالمه يوم الدين، فليبادر الظالم بالتوبة وليتحلل من أخيه إن كان حياً، وليدع له إن كان ميتاً وليكثر من الصدقة عنه.

أيها الناس: ومما ينبغي الإكثار منه الدعاء، وصدق اللجوء إليه، ولذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يستسقي ثم يدعوا الله رافعاً يديه، متضرعاً على الله أن يسقي البلاد والعباد، قال الله – تعالى-:وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ سورة البقرة (186). وقال تعالى:وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ سورة غافر(60).

بارك الله لي ولكم بالقرآن الحكيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله مستحق الحمد وأهله، ومصدر الخير وأصله، شمل العالمين فضله، وعمهم نواله وبذله، بيده عقد كل شيء وحله، وإليه يصير الأمر كله، نحمده – تعالى – يقبل العيد إذا تاب فيغفر له خطاياه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرد بالبقاء وبالربوبية والألوهية، وتنزه عن الصاحبة والولد والشبيه والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير2.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون:  ولتعلموا أن لصلاة الاستسقاء أحكاماً وآداباً، يقول ابن قدامة – رحمه الله –  في حكم صلاة الاستسقاء وأدابها: صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة، ثابته بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم-  وخلفائه – رضي الله عنهم- .

ثم يقول: وجملة ذلك أن السنة الخروج لصلاة الاستسقاء… متواضعاً لله- تعالى- مبتذلاً، وهذا خلاف ما يفعله أهل زماننا حيث يخرجون معطرين، لابسين أحسن الثياب- أي في ثياب البذلة، أي لا يلبس ثياب الزينة، ولا يتطيب لأنه من كمال الزينة، وهذا يوم تواضع واستكانة، ويكون متخشعاً في مشيه وجلوسه في خضوع، متضرعاً إلى الله تعالى، متذللاً له، راغباً إليه، قال ابن عباس- رضي الله عنه -:" خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم-  للاستسقاء مبتذلاً، متواضعاً، متخشعاً، متضرعاً، حتى أتى المصلى، فلم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد". قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

قال: ويستحب التنظف بالمادة واستعمال سواك وما يقطع الرائحة، ويستحب الخروج لكافة الناس، وخروج من كان ذا دين وستر وصلاح، والشيوخ أشد استحباباً؛ لأنه من كمال الزينة، وهذا يوم تواضع واستكانة، ويكون متخشعاً في مشيه وجلوسه، في خضوع متضرعاً إلى الله تعالى، متذللاً له، راغباً إليهن قال ابن عباس- رضي الله عنه- : خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للاستسقاء متبذلاً، متواضعاً، متخشعاً، متضرعاً، حتى أتى المصلى، فلم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع التكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد" قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

قال: ويستحب التنظف بالماء واستعمال السواك وما يقطع الرائحة، ويستحب الخروج لكافة الناس، وخروج من كان ذا دين وستر وصلاح، والشيوخ أشد استحباباً؛ لأنه أسرع للإجابة.

فأما النساء فلا بأس بخروج العجائز، ومن لا هيئة لها، وأما الشواب وذات الهيئة، فلا يستحب لهن الخروج؛ لأن الضرر في خروجهن أكثر من النفع، ولا يستحب إخراج البهائم؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم -لم يفعله، وأما ما يفعله بعض الناس في الاستسقاء من الشركيات والبدع فهو زيادة في المعصية، وليس تعبداً لله فيه؛ فإنه لا يجوز التعبد لله بما حرم.

ولقد شاهدنا ورأينا في بعض البلدان أن الناس عند استسقائهم يخرجون إلى رأس جبل مرتفع، وذلك بعد أن يقوموا بشراء – عجل أو غنمة- ، يتم شراؤه حسب مواصفات معينة، وذلك بأن يشترى من شخص معروف لديهم ومن ثم يقوم بذبحها ذلك الرجل الذي اشتري منه ذلك العجل أو تلك الغنمة، ومن ثم تترك تلك الذبيحة للطيور وغيرهم من الجن.

وهذا ذبح لغير الله ومن ذبح لغير الله فقد كفر أو أشرك، و ربما يرفعون أصواتهم على سفح تلك الجبل ويرددون عبارات بدعية وشركية وذلك بالصوت الجماعي – ولا حول ولا قوة إلا بالله- فكيف يستجيب الله لأولئك الناس الذين يدعون أنهم يطيعون الله ويتعبدون له وهم يشركون به؟!.

 ومن حكمة الله – عز وجل – أنه قد ينزل عليهم المطر وذلك استدراجاً لهم، قال الله – سبحانه وتعالى-: فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌسورة القلم (44- 45). 

وهذا مثله كمن يعص الله – عز وجل-  والله يعطيه المال ويرزقه، وذلك ليس لأنه يحبه، وإنما استدراجاً له، ولذلك فإنه – جل وعلا- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، فقد أعطى أكفر الناس من المشركين واليهود والنصارى من التقدم الصناعي والأموال الشيء الكثير، وذلك ليس لكرامتهم عليه، وإنما هم أرذل الناس وأبغضهم إلى الله – جل وعلا-  ولكن الاستقامة والهداية والسير على طريقة رسول الله لا يعطيها الله إلا من أحبه واصطفاه.

اللهم! اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحَّاً عاماً غدقاً طبقا مجللاً دائماً إلى يوم الدين.

اللهم! إن بالعباد والبلاد من الجهد والضنك ما لا نشكوا إلا إليك.

 اللهم! أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع وأنزل علينا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض واكشف عنا منا لبلاء ما لا يكشفه غيرك.

اللهم! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم! اجعلها سقيا رحمة ولا تجعلها سقيا عذاب ولا محق ولا بلاءٍ ولا هدم ولا غرق.

اللهم! على الظراب ومنابت الشجر وبطون الأودية. اللهم! حوالينا ولا علينا.

اللهم! اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا وغيث الأمطار في أوطاننا.

 اللهم! لا تأخذنا بما فعله السفهاء منَّا. اللهم! إنا معنا وفينا من شابت لحيته، وكبر سنه وضعف جسده، فارحمنا وإياه، واسقنا ولا تحرمنا.

اللهم! عاملنا بما أنت أهله ولا تعاملنا بما نحن أهله. اللهم! عاملنا بالحسنى واجمع لنا خير الآخرة والأولى.

اللهم! إنا نستغفرك إنك كنت غفارً، فأرسل السماء علينا مدراراً.

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


 


1 – بتصرف من الفتوحات الربانية للشيخ / محمد بن سالم البيحاني.

2 – الفتوحات الربانية للشيخ/ محمد بن سالم البيحاني.