الرياضة في المسجد

الرياضة في المسجد

 

الرياضة في المسجد

 

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد في يوم عيد -فقال لي: (يا حميراءُ! أتحبين أن تنظري إليهم؟) فقلتُ: نعم، فأقامني وراءه، فطأطأ لي منكبه لأنظر إليهم، فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده، فنظرت من فوق منكبيه(1)، وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة!) حتى شبعت، قالت: ومن قولهم يومئذ: (أبا القاسم طيباً).

وفي رواية: حتى إذا مللت؛ قال: (حسبك؟)، قلتُ: نعم، قال: (فاذهبي).

وفي أخرى: قلت: لا تعجل، فقام لي، ثم قال: (حسبك؟) قلت: لا تعجل، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكانه مني، وأنا جارية، فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السن الحريصة على اللهو.

قالت عائشة -رضي الله عنها-: قال -صلى الله عليه وسلم- يومئذ: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة)(2).

وقد كان لعب الحبشة آنذاك نوع من المباراة أو الاستعراض الرياضي شهده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشهدته معه أم المؤمنين عائشة ­-رضي الله عنها-.

إنها لفتة كريمة من الرسول الكريم إلى تحبيذ ألعاب القوى والبطولة، وتشجيع الألعاب الرياضية التي تؤدِّي إلى تقوية الجيل المسلم، وتعويده على الشجاعة والفروسية والثقة بالنفس، فما أعظم هذا الرسول! وما أجدر العاملين على توجيه المسلمين أن يستفيدوا من هذا القائد العظيم هذه الدروس العظيمة(3).

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: (في تمكينه -صلى الله عليه وسلم- الحبشة من اللعب في المسجد دليل على جواز ذلك، فلم كره العلماء اللعب في المساجد؟ قال: والجواب: أن لعب الحبشة كان بالسلاح، واللعب بالسلاح مندوب إليه للقوة على الجهاد، فصار ذلك من القُرب كإقراء علم وتسبيح وغير ذلك من القرب؛ ولأن ذلك كان على وجه الندور، والذي يفضى إلى امتهان المساجد إنما هو أن يتخذ ذلك عادة مستمرة، ولذلك قال الشافعي -رضي الله عنه-: لا أكره القضاء في المسجد المرة والمرتين وإنما أكرهه على وجه العادة)(4).

ولا يفهم من كلام العلماء أن يتخذ المسجد ملعباً أو نادياً رياضياً تمارس فيه الألعاب المختلفة، إنما الجواز في الألعاب التي تقوي الجسم وتعود المسلم على الشجاعة والفروسية والثقة بالنفس. أما بعض الألعاب مثل كرة القدم، والجري وغيرها من ألعاب فلها أما كنها الخاصة، ولا تصلح في المساجد؛ لأن في مما رستها في المسجد أمتهان له وإن كانت هي مباحة.

نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، ويجعلنا من عباده المخلصين، أوليائه المقربين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.


 


1 – وفي رواية: من بين أذنه وعاتقه.

2 – أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، والطيالسي، وأحمد والمحاملي في صلاة العيدين، والطحاوي في "مشكل الآثار"، يزيد بعضهم على بعض، راجع: آداب الزفاف في السنة المطهرة للعلامة الألباني (صـ 272 الطبعة الجديدة).

3 – المسجد في الإسلام (صـ 203).

4 – شرح السيوطي لسنن النسائي (3/193).