منكرات الأفراح

منكرات أفراح الزواج

 

منكرات أفراح الزواج

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}سورة آل عمران: 102. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء: 1. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب: 70-71.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس: إن نعم الله علينا كثيرة ومتتالية: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} سورة النحل 18. ومن هذه النعم، نعمة الزواج، بل إنها آية من آيات الله، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم: 21.

ولكن- وللأسف الشديد- بدل أن يشكر الله على هذه النعمة، ويراعوا فيها الآداب الإسلامية، فإنها تنقلب الموازين، فتصبح السنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والصالح فاسداً، والفاسد صالحاً، والخائن أميناً، والأمين خائناً، وتنقلب السعادة إلى شقاء، والفرح إلى ضنك وتعاسة، فتبدد الأموال، وتهدر من أجل الشهرة زائفة، أو رياء ممقوت، وهذا ما يفعله أكثر الناس اليوم في جميع أفراحهم، وخاصة في أفراح الزواج حتى بات مجرد ذكر الزواج يورد علينا الخواطر الرهيبة، والمشاق المدمرة، والأشباح المخيفة، بسب ما يكتنفه من تكاليف مالية باهظة، وتقاليد زائفة، ناجمة عن حب الشهرة والرياء، ومطلب التفاخر، مما أدى بالغالبية العظمى من الشباب إلى الفرار من الزواج، وصرف النظر عنه.

أيها الناس: إن الزواج نعمة من نعم الله على عباده، فيجب شكرها، وعدم كفرها، وجحودها، فإن بالشكر تدوم النعم، وشكر نعمة الزوج يكون بأن تكون على وقف ما يحبه الله، وأن يبتعد فيها عن كل ما يبغضه الله؛ أيها الناس: لقد أمر الله-سبحانه وتعالى- بالزواج، فقال تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} سورة النــور: 32. ورغب فيه، وجعله آية من آياته، فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}سورة الروم : 21. وجعله من سنن المرسلين، فقال –جل وعلا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} سورة الرعد: 38. وهو سنة كريمة، وطريقة حميدة، له فوائد عديدة؛ من غص البصر، وتحصين الفرج، وإيجاد النسل، وتكثير سواد المسلمين؛ فعن عبد الله قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- شبابا لا نجد فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"1. ولمَّا كان الزواج فيه من المزايا العظيمة، والمعاني السليمة، والأغراض النبيلة التي فيها خير الناس وسعادتهم أراد الشيطان أن يدخل فيه ما ليس منه، فلبَّس عليهم الأمر، وزين لهم ما كانوا يعملون، فاستحسنوا مالم يأذن به الله، واستساغوا ما لم يشرعه الله، فابتدعوا من هذا الشعار الإسلامي الجميل ما ابتدعوا مما تأباه الفطرة السليمة، والعقول النيرة.

أيها الناس: ومما لبسه الشيطان على الناس في قضية أفراح الزواج، وهي من منكرات أفراح الزواج ما يلي:

1. ذهاب الخاطب أو المخطوبة إلى العرافين والمنجمين، وضاربي الودع والرمل، لاستطلاع رأيهم في هل زواج كل منهما بالآخر خير فيقدم عليه أو العكس فيحجم، ونسى وتناسى قول المعصوم- عليه السلام-: "من أتى عرافاً أو كاهناً فقد كفر ما أنزل على محمد"2. ونسوا أن الله يقول: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} سورة الأنعام: 59. وقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} سورة الجن: 26. ولو أن هذا الخاطب كان على بينة من دينه لسلك ما سلكه محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الأخيار، فاهتدى بهديهم، وسار بسيرهم، ونسج على منوالهم، فاستشار من يثق في دينه وأمانته، واستخار ربه في كل ما تردد في فعله وتركه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه الاستخارة كما كان يعلمهم السورة من القرآن3.

2. التجربة بعد الخطبة وقبل الزفاف، وذلك باسم المدنية الخداعة التي غزتنا في ديننا وأخلاقنا وسلوكنا، وصرنا لها أسرى، باسم هذه المدينة والتقليد الأعمى قبلنا وصفاً شائناً لا يتناسب مع خلق ولا دين ألا وهو الاختلاط (الخلوة) بين الخطبين على سبيل التجربة قبل زفافهما، وخلفنا الحبل على الغارب في هذا الضار حتى تم الاختلاط على أبشع صورة دون رقيب أو حارس من ضمير أو أهل أو دين، وهناك قربنا البارود للنار والفريسة لقمة سائغة للوحش الضاري باسم الحضارة، ولا تسل عن الفضائح والمخازي التي نجمت ولا تزال تزخر الصحف كل يوم من الاختلاط الآثم، وفض العذارى، وهتك العرض حتى صار  عادة لا يتمعر لها وجه ولا يندى لها جبين!. وبعد أن يمتص الثعبان رحيق متعته، ويمل منها طبعا يهجر هذه تحت أي عيب يلصقه بها يحملها من أجله عاراً وشناراً، وقد تكون حاملة آية الجريمة الخلقية في أحشائها، ثم يبحث عن فريسة جديدة يعمل معها نفس الدور. ومن ثم تشيع الفاحشة ويبور سوق الزواج.. أيها الأخوة في الله: إن الإسلام أباح للخاطب: إذا صدق في عزمه، وهيأ الأسباب المعتادة للزواج أن ينظر إلى الوجه والكفين، وأن يرسل من السيدات المخلصات من يتعرف له على أخلاق مخطوبته وسلوكها، وله أن يتحرى في هذا كثيراً أو أن يخير لنطفته فإن العرق دساس.

الخطبة الثانية:

يعتدي بعض الناس فيخطب على خطبة أخيه، وهو يعلم أنه قد خطبها لنفسه، وعلق عليها أمله، وقد تكلفه هذه الخطبة الكثير وتحمله ما ينوء به حمله، وما لا قبل له به، ليصل إلى التي شغف بها قلبه، وتعلقت بها نفسه، ولا يخفى أن من كان هذا شأنه ليس من السهل عليه أن يدع هذه المخطوبة إلا لمانع قوي، أو دافع قهري، فإذا ما جاء هذا الدخيل إلى هذه العروس فخطبها لنفسه ورضيت به بعلاً لا شك أنه تحصل العداوة والبغضاء بين الخاطب الأول والخاطب الثاني، فتسوء العلاقة بينهما، ويتدبران ويتقاطعان، ويتعدى كل منهما على الآخر ويسعى في إيذائه، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} سورة المائدة: 87. وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} سورة الأحزاب: 58. ولو أن هذا الظالم المعتدي حكَّم شرع الله، واستنار بنوره، واهتدى بهدايته ما وقع في الحرج وما أوقع غيره فيه؛ فعن ابن عمر-رضي الله عنهما- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له ويترك)4.

3. المغالاة بالمهور: لقد ظهر في المجتمعات الإسلامية اليوم ظاهرة مخيفة ألا وهي ظاهرة المغالاة في المهور والتباهي في نفقات الزواج، وذلك مما لم يقره الشارع الحكيم،؛ لأن فيه سرف بيّن، وخيلاء ظاهر، يضاف إلى ذلك الولائم المرهقة، وصالات الأفراح المكلفة، والله- عز وجل- يقول: {وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شيء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} سورة النساء: 4. ولا يظنن أحد أن المهر ثمن للمرآة، أو ثمن لجمالها، أو للاستمتاع بها، أو ما يعتقده بعض العامة أنه قيمة لها، بل الحق أن المهر عطية من الله للمرآة، وهو حق لها تتصرف فيه كيف شاءت. ولكن الإسلام لم يحدد مقدار المهر وكميته، وذلك لتباين الناس واختلاف مستوياتهم وبلدانهم وعاداتهم، ولكن الاتجاه العام في الشريعة الإسلامية يميل نحو التقليل فيه، فذاك أقرب لروح الدين، فيكون حسب القدرة وحسب التفاهم والاتفاق. وقد كان السلف الصالح –رضوان الله عليهم – يتزوجون على القبضة من الطعام وعلى تعليم القرآن؛ فعن سهل بن سعد –رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني وهبت من نفسي، فقامت طويلاً، فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال عليه الصلاة والسلام: (هل عندك من شيء تصدقها)؟ قال: ما عندي إلا إزاري، فقال: (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً). فقال: ما أجد شيئاً، فقال: (التمس ولو كان خاتماً من حديد)، فلم يجد، فقال: (أمعك من القرآن شيء)؟ قال: نعم سورة كذا وكذا وسورة كذا، لسور سماها، فقال: (قد زوجناكها بما معك من القرآن)5. ولقد خطب أبو طلحة –رضي الله عنه- أم سليم فقالت: والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر، وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره، فكان كذلك، أسلم، وتزوجها -رضوان الله عليهم أجمعين. بل إن سعيد بن المسيب -رحمه الله- زوج ابنته على درهمين. وعلماء الأمة يرون أن الشارع لم يقدر المهر بقدر معين، بل تركه إلى اتفاق الطرفين الأب والزوج، أو الزوج والزوجة، وتراضيهما في تحديده مع مراعاة حال الخاطب وقدرته، قال تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}سورة النساء: 24. والصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يمهرون ملء الكف من الدقيق أو السويق أو التمر، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل)6. وقد تزوج عبد الرحمن بن عوف –رضي الله عنه- على وزن نواة من ذهب؛ فعن أنس –رضي الله عنه-أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رأى عبد الرحمن بن عوف ردعُ زعفران، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- 🙁مهيم) أي مالك؟ فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة. قال: (ما أصدقتها)؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: (أولم ولو بشاة)7. ورسولنا-صلى الله عليه وسلم- هو الأسوة والقدوة لهذه الأمة فلم يكن يزيد في مهر نسائه أو بناته عن خمسمائة درهم؛ فعن أبي الجعفاء السلمي قال: خطبنا عمر –رضي الله عنه-فقال: ألا لا تغالوا بصداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي- صلى الله عليه وسلم- ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية8. ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، فإنه لما بني بصفية بنت حيي صنع حيساً،- الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن- في نطع صغير، فقال لأحد أصحابه: آذن من حولك! فكانت تلك وليمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صفية9. ومن أين أتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحيس؟. لنسمع إلى تفصيل الخبر: قال أنس-رضي الله عنه- في قصة زواجه -صلى الله عليه وسلم- بصفية: حتى إذا كان الطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له في الليل، فأصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- عروساً، فقال: من كان عنده شئ فليجئ به (وفي رواية من كان عنده فضل زاد فليأتنا به)؟ قال أنس: وبسط نطعاً!! فجعل الرجل يجيء بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالسمن، وجعل الرجل يجيء بالتمر، فحاسوا حيساً، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس، ويشربون من حياض جنبهم من ماء السماء، فكانت هذه وليمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-10.

4. بدع الولائم، ومن البدع التي غشت الناس ما نراه من إعداد الولائم للأغنياء دون الفقراء، والمتخومين دون المحرومين، ولمن لا يحتاجون دون من يحتاجون، وقد ذم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الصنيع وعده من شر الأعمال: (شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الأغنياء دون الفقراء)11. ومما زاد الطين بلة أنهم أحاطوا ولائمهم بإسراف ممقوت، وتبذير مذموم، فخلطوا الحرام بالحلال والطيب بالخبيث، واستباحوا شرب الخمر وتوابعها، وزاد بعضهم فجعلها في الأماكن الشهيرة، والمطاعم الفاخرة، مما فيه بلاؤهم وحسرتهم في النهاية إفلاسهم وخرابهم. ولو أنهم اقتصدوا في ولائهم، وجعلوا الفقير في حسابهم، وعمموا في الدعوة إليه لكان خيراً لهم.

5. اللهو المحرم في أفراح الزواج: إن مما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتخذون في أفراحهم اللهو اللاهي، والمجون المخزي، والخلاعة الفاضحة، يقوم بذلك طائفة من حثالة الناس وسفلتهم، بين مطرب ومطربة، وراقص وراقصة، في ضجة شديدة، وصخب ممقوت، وأوضاع يندى لها جبين الفضيلة، وتأباها نفس الحر الكريم، ويمجها الطبع السليم، وتبرأ منها العزة والكرامة12. ولقد تكلم العلامة ابن القيم -رحمه الله- عن الغناء، فأفاد وأجاد، فذكر أن له في الشرع بضعة عشر اسماً: اللهو، اللغو، والباطل، والزور، والمكاء، والتصديـة، ورقية الزنا، وقرآن الشيطان، ومنبت النفاق في القلب، والصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمور الشيطان، والسمود:

أسماؤه دلت على أوصافه *** تباً لذي الأسماء والأوصاف13.

وعلاج هذا المنكر أن يقتصر النساء على الضرب بالدف وهو المغطى بالجلد من جانب واحد، وعلى الأغاني التي تعبر عن الفرح والسرور دون استعمال مكبر الصوت، فإن الغناء في العرس والضرب عليه بالدف مما جاءت به السنة14.

6. الاختلاط: ومن منكرات أفراح الزواج، وهو ما عم وطم كثير من التجمعات- إلا القليل- ما يحدث من الاختلاط عند دخول الزوج وأقاربه وأقارب الزوجة من الرجال عند وقت النصة، وهو كذلك منكر، فعن عقبة ببن عامر -رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: (إياكم والدخول على النساء). فقال رجل: أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال: (الحمو الموت)15. الحمو أخو الزوج؛ يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله- مبينا آثار هذا الاختلاط وما يجنيه فاعله من سلبيات: أيها المؤمنون! تصوروا حال الزوج زوجته حينئذ أمام النساء المتجملات المتطيبات ينظرن إلى الزوجين ليشمتن فيهما- إن كانا قبيحين في نظرهن- ولتتحرك كوامن غرائزهن – إن كانا جميلين في نظرهن- تصوروا كيف تكون الحال والجمع الحاضر في غمرة الفرح بالعرس وفي نشوة النكاح؟ فبالله عليكم ماذا يكون من الفتنة؟ ستكون فتنة عظيمة، ستتحرك الغرائز، وستثور الشهوات. أيها المسلمون: ثم تصوروا ثانية ماذا ستكون نظرة الزوج إلى زوجته الجديدة التي امتلأ قلبه فرحا بها إذا شاهد في هؤلاء النساء من تفوق زوجته جمالا وشبابا وهيئة؟ إن هذا الزوج الذي امتلأ قلبه فرحا سوف يمتلئ قلبه غما، وسوف يهبط شغفه بزوجته إلى حد بعيد فيكون ذلك صدمة وكارثة بينه وبين زوجته)16.

7. التصوير: وهذه كذلك من البلايا التي ابتلينا بها في الزمان، فالصحف ملئية بالصور، والقنوات الفضائية تعرض الصور العارية ليل نهار، ونخص هنا التصوير في الزواج؛ فإن ذلك من المنكرات التي تكثر في أفراح الزواج؛ يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله-: فإني أضيف إلى ما سبق من المحاذير التي تقع ليلة الزفاف هذا المحذور العظيم: لقد بلغنا: أن من النساء من تصطحب آلة التصوير لتلتقط صور هذا الحفل، ولا أدري ما الذي سوغ لهؤلاء النساء أن يلتقطن صور الحفل لتنشر بين الناس بقصد أو بغير قصد؟! أيظن أولئك الملتقطات للصور أن أحدا يرضى بفعلهن؟! إنني لا أظن أن أحدا يرضى بفعل هؤلاء، إنني لا أظن أن أحدا يرضى بفعل هؤلاء، إنني لا أظن أن أحداً يرضى أن تؤخذ صورة ابنته، أو صورة زوجته، لتكون بين أيدي أولئك المعتديات ليعرضنها على من شئن متى ما أردن!! هل يرضي أحد منكم أن تكون صور محارمه بين أيدي الناس، لتكون محلا للسخرية إن كانت قبيحة، ومثالا للفتنة إن كانت جميلة؟!  ولقد بلغنا: ما هو أفدح وأقبح : أن بعض المعتدين يحضرون آلة الفيديو ليلقطوا صورة الحفل حية متحركة، فيعرضونها على أنفسهم وعلى غيرهم كلما أرادوا التمتع بالنظر إلى هذا المشهد!!. ولقد بلغنا: أن بعض هؤلاء يكونون من الشباب الذكور في بعض البلاد يختلطون بالنساء أو يكونون منفردين، ولا يرتاب عاقل عارف بمصادر الشريعة ومواردها أن هذا أمر منكر ومحرم وأنه انحدار إلى الهاوية في تقاليد الكافرين المتشبهين بهم17.

8. ومن منكرات أفراح الزواج؛ التهنئة الجاهلية: كقولهم: (بالرفاء والبنين) يقول الدكتور صالح السدلان: وهذه الضلالة الشائنة والعادة السيئة شاعت في عصر الجاهلية وهي تهنئة جاهلية… ولعل الحكمة في النهي عن استعمال هذا الأسلوب في الدعاء للمتزوج بالرفاء والبنين هي : مخالفة ما كان عليه أهل الجاهلية لأنهم كانوا يستعملون هذا الدعاء، ولما فيه من الدعاء للزوج بالبنين دون البنات، ولخلوه من الدعاء للمتزوجين، ولأنه ليس فيه ذكر اسم الله وحمده والثناء عليه. وإنما الوارد في السنة أن يقال للعروسين: (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير)18. ومنكرات أفراح الزواج كثيرة، ولكن اقتصرنا على أشهرها. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

 

 

 


 


1 – رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

2 – رواه قال الشيخ الألباني : (صحيح) انظر صحيح الجامع، رقم(5939).

3 – رواه البخاري.

4 رواه مسلم.

5 – رواه البخاري.

6 – رواه أبو داود.

7 – أخرجه البخاري ومسلم.

8 – رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، رقم(1852).

9 – رواه البخاري ومسلم.

10 رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي مع اختلاف في رواية كل منهم.

11 -رواه البخاري ومسلم.

12 راجع: "منكرات الأفراح صـ( 3-35) تأليف: جماعة من علماء الأزهر. ط: المكتب الإسلامي.                                                                                                        

13 – انظر كلام ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/359) وما بعدها ط : المكتب الإسلامي – مكتبة الخـاني . تحقيق وتعليق محمد عفيفي. فهو كلام يشفي الغليل، ويدحض ويفند حجج أهل الأهواء والشهوات. ولمن أراد الاستزادة في حكم تحريم الغناء فليراجع رسالتين قيمتين: الأولى : كشف الغطاء عن حكم سماع الغناء لابن القيم الجوزية. والثانية: نزهة الأسماع في مسألة السماع لابن رجب الحنبلي. وقد ألفت رسائل عدة في حكم تحريم الغناء.

14 – منكرات الأفراح، صـ(5).

15 – رواه البخاري ومسلم.

16 – منكرات الأفراح، صـ(8).

17 – منكرات الأفراح،صـ(11).

18 – الحديث رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم(2130). وراجع الأحكام الفقهية للصداق ووليمة العرس، صـ(112) بتصرف.