حكم إمامة المرأة للرجال

حكم إمامة المرأة للرجال

حكم إمامة المرأة للرجال

الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:

أيها الناس: إن الإسلام دين الرحمة والعدالة؛ ومن عدالة الإسلام أنه جعل (النساء شقائق الرجال)1. ولهن من الحقوق مثلما للرجال إلا ما خصه الدليل؛ يقول الله-سبحانه وتعالى-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ فكما أن على الزوجة أن تتقي الله -تعالى- في حقوق زوجها، وأن تقوم بالحقوق الواجبة عليها لغيرها؛ فإن على الرجل حقوقاً لها كذلك؛ ومصداق ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن جابر –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهُنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف). وعن معاوية بن حَيْدَة عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت)2.

والدين الإسلامي الحنيف دين العدالة وليس دين المساواة كما يقول البعض؛ لأن كلمة المساواة تقتضي أن الله سوى بين الرجال والنساء من جميع الوجوه؛ والله لم يسوِّ بين الرجال والنساء كما يريد أعداء الدين، وإنما أمر بالعدل بين الرجال والنساء؛ وفاضل بين الذكر والأنثى من بعض الوجوه يقول الله -تعالى- حاكياً عن مريم أنها قالت: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} سورة آل عمران(36). وقال تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}؛ أي وللرجال على النساء درجة؛ وهذه الدرجة التي فضل الله بها الرجال على النساء تكون في: "العقل، والجسم، والدين، والولاية، والإنفاق، والميراث".

أما التفضيل في العقل؛ فالرجل عقله أكمل من عقل المرأة؛ كما يقر بذلك الطب والواقع والشرع؛ أما الشرع فقد جاء في البخاري من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن)؛ قلن: ما نقصان العقل يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة الرجل بشهادة امرأتين؟ فذلك نقصان عقلها).

وأما التفضيل في الجسم فإن الرجل أكمل من المرأة في الجسم؛ فهو أنشط من المرأة، وأقوى في الجسم؛ كما هو مشاهد.

وأما التفضيل في الدين؛ فإن الرجل أكمل من المرأة في الدين؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في المرأة: (إنها ناقصة في الدين)؛ وفَسر ذلك بأنها إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصم؛ ولهذا يجب على الرجل من الواجبات الدينية ما لا يجب على المرأة، كالجهاد مثلاً؛ فهذا من نقصان دينها.

وأما التفضيل في الإنفاق؛ فالزوج هو الذي ينفق على المرأة؛ وذلك لما بينه الله في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} سورة النساء(34). وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما في البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام-رضي الله عنه-: (اليد العليا خير من اليد السفلى). و"اليد العليا" هي المعطية؛ و"السفلى": الآخذة.

وأما التفضيل في الولاية؛ فقد فضّل الرجل على المرأة في الولاية؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل الرجل قواماً على المرأة؛ فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض؛ ولهذا لا يحل أن تتولى المرأة ولاية عامة أبداً؛ لا وزارة، ولا غير وزارة؛ فالولاية العامة ليست من حقوق النساء أبداً، و(لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة)3؛ كما في الحديث المتفق عليه من حديث…

ومن الولايات العامة التي ذكرها العلماء؛ إمامة الصلاة وخطبة الجمعة، فهي خاصة بالرجال؛ فلا يجوز أن يؤم الرجال إلا رجالاً.

أيها الناس: إن مما يجب أن يعلمه الجميع أن الإمامة من المسائل التعبدية حيث لا مجال للرأي والاجتهاد، وإنما ينبغي التوقف عندما ورد في شأنها من نصوص، فالأمور التعبدية توقيفية لا تخضع لرأي أو قياس، أو استحسان..

ومن الأدلة الشرعية على منع إمامة المرأة للرجال ما جاء في قوله تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} سورة النساء(32)؛ أي لا يتمنى النساء ما خص الله به الرجال من الإمامة والقوامة والولاية والإمارة والقضاء وغير ذلك مما اختص الله به الرجال، وكذلك لا يتمنى الرجال ما خص الله به المرأة من رُخَص أو من خصال تتناسب مع طبيعتهن ووظيفتهن فلكلٍّ طبيعته ووظيفته التي لا يمكن للشق الآخر أن يؤديها عنه، فلا تتعلق الأماني بما يخالف الأصول الشرعية، لا تطمح المرأة للمساواة المطلقة مع الرجال في الحقوق والواجبات فإن ذلك مستحيل كاستحالة تساويهن في الطبيعة والوظائف الفطرية. ففي هذه الآية: "ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء"4.

ومن الأدلة على عدم جواز إمامة المرأة للرجال قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}؛ ففي كون المرأة إماما للرجال تؤمهم في أعظم المواقف ما يتعارض مع قوامة الرجل إذ كيف تتوافق قوامة الرجل على زوجته وهي إمامة عليه؟ وهل يعقل أن تصير المرأة  قيمة على بعلها قوامة أعلى وأشمل؟ هو إمامها في البيت وهي إمامته وخطيبته في المسجد؟.

ومن الأدلة على عدم جواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة: أنه لم يرد في السنة النبوية ما يفيد إمامة المرأة للرجل ولم يحدث في عهد النبي–صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين أن تصدرت المرأة للإمامة، بل ولم يرد في السنة النبوية أن المرأة تشوفت وتطلعت إلى ذلك مع أنها تشوفت إلى أمور أخرى كالجهاد..

بل لم نسمع عن امرأة على مرّ التاريخ الإسلامي طمحت إلى إمامة الرجال وصعود المنابر مع وجود الفقيهات والمحدثات والحافظات والقارئات من النساء ومنهن من فاقت الرجال في علمها وفقهها ومنهن من تتلمذ كبار الحفاظ والفقهاء عليهن ومنهن من أثرت المكتبة الإسلامية بمؤلفاتها، مع ذلك لم تطمح إحداهن إلى الوقوف في القبلة أمام الرجال ليأتموا بها في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، بل إن الوارد في السنة النبوية الصحيحة منع الاختلاط بين الجنسين في المسجد درءا للفتنة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كُنَّا نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس"5. ففي هذا الحديث ما يدل على سرعة انصرافهن من المسجد بعد انقضاء الصلاة حرصا منهن على عدم الاختلاط بالرجال، مع خروجهن إلى المساجد محتشمات.

وعن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)6. فكيف إذا تتقدم المرأة الرجال؟!.

ومن الأدلة ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: قال له رجل: شهدتَ الخروج مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، يعني من صغره، أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن، وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها، تلقي في ثوب بلال، ثم أتى هو وبلال البيت..

فهذا الحديث يدل على عدم اختلاط الرجال بالنساء في المصلى بدليل قول ابن عباس: "ثم أتى النساء".

ومن الأدلة على ذلك ما ورد من النصوص التي تأمر بغض البصر؛ وذلك أن المرأة فتنة للرجل فلا ينبغي أن تبرز محاسنها وتبدي مفاتنها أو تتصدر مجالس الرجال واجتماعاتهم سيما إذا كانت رائعة الجمال بادية الحسن؛ فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء)7. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء)8. لذا أمر الإسلام بغض البصر عن النساء الأجنبيات درءا للفتنة وتزكية للنفوس وتصفية للقلوب، ولا شك أن بروز المرأة على المنبر وتصدرها في القبلة ومن خلفها الرجال مدعاة للفتنة.

فقال تعالى آمراً بغض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} سورة النور(30). وقال سبحانه: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} سورة النــور(31). ففي غض البصر صيانة للعرض، وكرامة للمرأة؛ ولقد جاءت السنة النبوية مقررة لذلك فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد اللّه قال: سأَلت رسول اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجاءة، فأَمرني أن أصرف بصري.. وكيف يتابع الرجل خطبة المرأة أم كيف يتابعها في الصلاة إمامةً له؟ ألا يحتاج ذلك إلى أن يبصرها؟!.

نسأل الله تعالى أن يعلمنا شرعه ويفقهنا في دينه، ونعوذ بالله من البدع والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن له حق علينا، إنك أنت الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد:

أيها الناس: لا شك أن إمامة المرأة للرجال أمر لم يحدث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا الخلفاء الراشدين، بل لم يعلم أن المرأة طالبت بالإمامة على مر التاريخ الإسلامي قبل أن تخرج علينا بعض نساء عصرنا لتؤم الرجال وتخطب الجمعة!.

قال ابن حزم: "ولا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا الرجال, وهذا ما لا خلاف فيه, وأيضاً فإن النص قد جاء بأن المرأة تقطع صلاة الرجل إذا فاتت أمامه، مع حكمه عليه السلام بأن تكون وراء الرجل في الصلاة ولابد, وأن الإمام يقف أمام المأمومين ولا بد"9.

و"بناء على ما تقدم يكون من خالف هذا الحكم فأفتى بضده، أو عمل بغير مقتضاه مرتكباً خطأً صريحاً، ومعصية بينة، ومنكراً ظاهراً، وهو شذوذ عن جماعة المسلمين وخروج عن قولهم، ما كان ليقع لولا ضعف أهل الحق، وقوة أهل الباطل المادية، حتى طمعوا أن يقلبوا الباطل حقاً.

فيجب على المخالف التوبة من هذا المنكر إن كان وقع فيه، أو تركه وعدم فعله إن لم يفعله بعد، فإن أصر على المخالفة فهو إما صاحب هوى، أو جاهل بالشرع، وكل منهما ليس بأهل أن يتولى الإمامة أو الخطابة، لو كان ممن تصح منه، كما يجب على من علم بهذا المنكر في أي مكان أو زمان أن ينكره حسب طاقته، كما لا يجوز للمسلمين تمكين أحد من ذلك، ولا موافقته عليه، ولا الاقتداء به فيه.

وإني أوصي نفسي وجميع إخواني المسلمين بالتمسك بعرى هذا الدين، والرضا بعقائده، وشرائعه، فإنه الدين الذي أكمله الله لنا، ورضيه، وأتم به النعمة علينا، وامتن بذلك، فقال -جل وعلا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة. كما أوصيهم ونفسي بالصبر على ما يعرض من الابتلاء والتمحيص في هذا الزمان العصيب على أهل الإسلام، وليقتدوا بالأنبياء من قبلهم الذين ابتلوا فصبروا فأثنى الله عليهم وأمر بالاقتداء بهم، فقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (35) سورة الأحقاف.

ولنعلم أن أهل الكفر من أهل الكتاب والمشركين لن يقبلوا منا بأقل من اتباعهم في ملتهم جميعها، مهما سرنا في ركابهم، وداهناهم، وأسخطنا ربنا لنرضيهم، سواء في مثل قضية مساواة الرجل بالمرأة في كل شيء، وهي ذريعة هذا المنكر الشنيع، أو ما كان أجل من ذلك من العقائد والشرائع، كما قال -جل وعلا-: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (120) سورة البقرة.

نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يثبت مهتديهم"10. وأن يمن على المسلمين بعزة بعد ذل وقوة بعد ضعف وإمامة بعد تبع، اللهم يا مغيث المستغيثين أغثنا بالإيمان والحق والقوة والتمكين.. اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين والمتآمرين على دينك وشرعك، يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالمنافقين الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، إنك سميع قريب مجيب.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1  أخرجه أحمد وأبو داود، والترمذي من حديث عائشة، وصححه الألباني في صحيح  الجامع، رقم (1983).

2  رواه أبو داود، وقال الألباني: "حسن صحيح"؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(1875).

3 راجع: تفسير ابن عثيمين، المجلد الثالث.

4  تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، صـ(176). لابن السعدي. تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق. الناشر: مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى (1420هـ ).

5 رواه البخاري.

6 رواه مسلم.

7 رواه البخاري ومسلم.

8 رواه مسلم.

9 راجع: المحلى(2/167).

10 ما بين القوسين من فتوى للشيخ خالد الماجد، نقلاً من موقع صيد الفوائد.