أحكام الحجّ

أحكام الحجّ

 

أحكام الحجّ

 

الحمد لله الذي أكمل لهذه الأمة شرائع الإسلام، وفرض على المستطيع منهم حجّ البيت الحرام، ورتب على ذلك جزيل الفضل والإنعام، ووعد من حجّ البيت ولم يرفث ولم يفسق بأن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه نقياً من الآثام، وذلك هو الحجّ المبرور الذي لم يجعل الله له جزاء إلا الجنة دار السلام.

نحمده ونشكره، ونشهد أن لا إله إلا هو الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وحجّ وزكى وصام, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام, وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلم تسليماً كثيراً.

 

عباد الله:

اتقوا الله واحمدوه أن أكمل لكم الدين، وأتم عليكم النعمة، وإن مما أنعم الله سبحانه وتعالى علينا به أن أمرنا بالحجّ، ويسر لنا سبله، فلقد كانت فريضة الحجّ في سالف الأزمان فريضة شاقة، لها أعباء وتكاليف، لا يطيقها إلا القليلون، تترتب عليها كثير من المشاق في الأموال والأبدان، ويتحمل الحاجّ كثيراً من الأخطار، أما في أيامنا هذه فقد يسر الله الأمر تيسيراً, وجعله بفضله ونعمته أمراً هيناً ، وسفراً يسيراً، فأصبح المرء يصل إلى البيت الحرام بسبل يسيرة وكثيرة وفيرة، فهناك الطائرات في أجواء السماء, وهناك البواخر تمخر عباب البحار، وهناك السيارات التي تطوى الفيافي والقفار، وكل هذه الوسائل نعم من الله سبحانه وتعالى على الناس، وعلى الناس أن يشكروا نعم الله عليهم، وأن يغتنموا هذه الفرص لزيادة الخير وأداء الفرائض والتزود بالتقوى.

 

أيها المسلمون:

إن الله قد فرض الحجّ على المسلمين إذا ما اكتملت في المسلم شروط أولها: البلوغ, وثانيها: العقل، وثالثها: الاستطاعة بالمال والبدن.فمن لم يكن بالغاً أو كان معتوهاً، أو ناقص الاستطاعة في ماله أو في صحته فلا حجّ عليه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قال: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (97) سورة آل عمران. وأما المدين الذي له مال، ولكن عليه ديون كذلك فإنه يقضي ديونه أولاً ثم يحجّ بعد ذلك؛ لأن براءة الذمة أهم, وإن عجز الإنسان عن الحجّ وعنده مال، ومرضه لا يرجى برؤه، فله أن ينيب عنه من يحجّ، فمن تقدمت به السن أو أقعده المرض، بحيث لم يعد قادراً على أداء الحجّ ولديه مال، جاز له أن ينيب امرءاً عنه، يخرج من بلده بماله ليؤدي عنه هذه الفريضة.

 

وأما المرأة فيضاف إلى ما ذكرنا من الشروط أن يكون لها محرم يستطع أن يرافقها حتى تعود إلى منزلها، والمَحرَم إما أن يكون زوجاً أو أخاً أو ولداً أو أباً أو جداً أو نحوه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ) فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: (اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ)1. والمحرم هو من تحرم عليه المرأة تحريماً مؤبداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة، كالأب والابن والجد والأخ وابن الأخ، وابن الأخت والعم والخال من نسب أو رضاع، ومثل أب الزوج -وإن علا- وابن الزوج -وإن نزل- وزوج البنت -وإن نزل- وزوج الأم -وإن علت- لكن زوج الأم لا يكون محرماً لبنتها حتى يطأ الأم فكل هؤلاء محارم للمرأة. والحكمة في وجوب اصطحاب المحرم للمرأة حفظها، وصيانتها، ورعاية شؤونها أثناء السفر.

 

وأما صفة أداء الحجّ والعمرة، فلا بد للمسلم أن يعرفها، ليستطيع أن يؤدي حجّه وعمرته على الوجه الأكمل, وأول هذه الأمور أن يعرف المسلم أنه خارج لأداء فريضة من أهم الفرائض وركن من أهم الأركان، فعليه ألا يخالط محرَّماً، ولا يرتكب معصية، وعليه أن يطهر قلبه، كما يطهر بدنه، وعليه أن تكون نفقته مالاً حلالاً طيباً طاهراً لا يخالطه حرام، وعليه أن يحرص على الصلاة وأدائها بشروطها جماعة، وفي المساجد كلما أمكن ذلك, وعليه أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة من السخاء والكرم وطلاقة الوجه، والصبر على الآلام وتحمل الناس، وعدم إيذاء أحد.

 

فإذا وصل الميقات المؤقت لأهل بلده فعليه أن يغتسل ويتطيب في بدنه ورأسه ولحيته، ثم يحرم بالعمرة متمتعاً، سائراً إلى مكة ملبياً، فإذا بلغ البيت الحرام، فليطف سبعة أشواط بنية طواف العمرة، وجميع المسجد الحرام مكان للطواف سواءً اقترب من الكعبة أو ابتعد، لكن القرب منها أفضل، إذا لم يتأذ بالزحام ولم يؤذ غيره, فإذا وجد زحاماً فعليه أن يبعد، والأمر واسع ولله الحمد، فإذا فرغ من الطواف فليصلِّ ركعتين خلف مقام إبراهيم، إن تيسر له ذلك، وإلا فيصلي في أي مكان من الحرم, ثم ليخرج بعد ذلك لأداء سعي العمرة، فيبدأ بالصفا، فإذا أكمل الأشواط السبعة فعليه أن يقصر من رأسه من جميع الرأس، ولا يجزئ التقصير من جانب واحد, ولا يغتر بفعل الكثير من الناس, وينبغي أن يحفظ جوارحه وذهنه وفكره عن كل معصية وعن كل ما يخل بحجّه. فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجّة، فعلى الحاجّ أن يغتسل ويتطيب ويحرم بالحجّ من منزله الذي هو فيه, ثم ليخرج إلى منى، وليصلِّ بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، وفجر يوم عرفة قصراً للرباعية من غير جمع؛ لأن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقصر بمنى، وفي مكة ولا يجمع.

 

فإذا طلعت شمس يوم عرفة فليسِر إلى عرفة ملبياً خاشعاً لله، ثم ليجمع بعد ذلك الظهر والعصر جمع تقديم ركعتين ركعتين لكل من الظهر والعصر, ثم ليتفرغ بعد ذلك للدعاء والابتهال إلى الله، وليحرص أن يكون على طهارة طيلة الوقت وليستقبل القبلة، وليجعل الجبل خلفه، فالمشروع استقبال القبلة، ولينتبه الحاجّ جيداً لحدود عرفة وعلاماتها، فإنَّ كثيراً من الحجّاج يقفون دونها أو بعيداً منها، ومن لم يقف بعرفة فلا حجّ له؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (الْحَجُّ عَرَفَةُ )2. ومن وجد في عرفة فله أن يقف في أي موضع منها إلا بطن الوادي الذي يسمى وادي عرنة؛ لقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَقَفْتُ هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ)3. فإذا غربت شمس يوم عرفة وتحقق المسلم من الغروب فليدفع إلى مزدلفة ملبياً خاشعاً ملتزماً السكينة والوقار ما أمكن، كما أمر بذلك رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين كان ينادي بأصحابه: (السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ)4. فإذا وصل مزدلفة، فليصلِّ بها المغرب والعشاء ثم ليبت بها إلى الفجر؛ ولم يرخص النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأحد بالدفع من مزدلفة قبل الفجر إلا للضعفة، فمن كان ضعيفاً أو واهناً أو مريضاً أو ذا حاجة فله أن يدفع في آخر الليل, فإذا صلى الحاجّ في مزدلفة فليتجه إلى القبلة وليكبر الله وليحمده، وليدعه حتى يسفر جداً، ثم يسير قبل طلوع الشمس إلى منى، ثم يلقط سبع حصيات، وليذهب إلى جمرة العقبة وهى الأخيرة التي تلي مكة، وليرمها بعد طلوع الشمس بسبع حصيات، يكبر الله مع كل حصاة خاضعاً معظماً له؛ فالمقصود من الرمي تعظيم الله وإقامة ذكره، وعليه أن يسقط الحصاة في الحوض، وليس عليه أن يضرب العمود المنصوب هناك، فإذا فرغ من رمي الجمرة فليذبح هديه إن كان قد ساق الهدي، ولا يجزئ في الهدي إلا ما يجزئ في الأضحية, ولا بأس أن يوكل شخصاً في الذبح، ثم ليحلق رأسه بعد الذبح ويجب حلق جميع الرأس، ولا يجوز حلق بعضه دون بعض، والمرأة تقصر من شعرها بقدر أنملة وبذلك يكون الحاجّ قد حل التحلل الأول, فله أن يلبس، ويقص أظفاره، ويتطيب وليس له أن يأتي النساء. فإذا نزل قبل صلاة الظهر إلى مكة طاف طواف الإفاضة الذي هو طواف الحجّ، وسعى ثم رجع إلى منى، فبهذا الطواف والسعي بعد الرمي والحلق  والذبح يكون قد تحلل التحلل الأخير، وجاز له كل شيء بما في ذلك النساء.

فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا فمن يؤمن بالله يهد قلبه, قال تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ*ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) سورة الحـجّ.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي رتب على حجّ بيته الحرام كل خير جزيل، وجعل قصده من أجل القربات الموصلة إلى ظله الظليل، ويسر أسبابه وهون الوصول إليه والسبيل، وسهله بلطفه وكرمه غاية التسهيل. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الجليل, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الخلق في كل خلق جميل، اللهم صل وسلم على محمد ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم في كل عمل نبيل.. أما بعد:

 

أيها المسلمون:

إن الحاجّ يفعل يوم العيد أربعة أنساك: رمي الجمرة، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف والسعي، وهذا هو الترتيب الأكمل، ولكن لو قدم بعضها على بعض كأن حلق قبل الذبح مثلاً فلا حرج, ولو أخر الطواف والسعي حتى ينزل من منى فلا حرج، ولو أخَّرَ الذبح، فذبح بمكة في اليوم الثالث عشر فلا حرج، لاسيما مع الحاجة والمصلحة، وليبت ليلة الحادي عشر بمنى، فإذا زالت الشمس فليرم الجمرات الثلاث، مبتدئاً بالأولى ثم الوسطى، ثم العقبة، كل واحدة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة, ووقت الرمي في يوم العيد للقادر من طلوع الشمس، وللضعيف من آخر الليل, وآخره إلى غروب الشمس، ووقته فيما بعد العيد من الزوال إلى غروب الشمس, ولا يجوز قبل الزوال إلا عند بعض العلماء. ويجوز الرمي في الليل إذا كان الزحام شديداً في النهار، ومن لم يستطع الرمي لنفسه لصغر أو كبر أو مرض فله أن يوكل من يرمي عنه، ولا بأس أن يرمي الوكيل عن نفسه، وعن من وكله في مقام واحد، لكن يبدأ بالرمي لنفسه. وإذا رمى اليوم الثاني عشر فقد انتهى الحجّ وهو بالخيار بعد ذلك إن شاء تعجل ونزل، وإن شاء بات ليلة الثالث عشر، وليرم الجمار الثلاث بعد الزوال وهذا أفضل؛ لأنه فعل النـبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم, فإذا أراد الخروج من مكة، فليطف طواف الوداع, وأما الحائض والنفساء فلا وداع عليهما، ولا يشرع لهما المجيء إلى باب المسجد والوقوف عنده.

 

أيها الناس:

هذه صفة الحجّ كما شرعها الله -سبحانه وتعالى- وكما أمر بها, فاتقوا الله تعالى واغتنموا الفرص إلى حجّ البيت العتيق وأنتم تستشعرون قول الله تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) سورة الحـج. وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)5. وقوله –عليه الصلاة والسلام-: (وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ)6. وقوله –عليه الصلاة والسلام-: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)7.

 

عباد الله:

الحجّاج والعمار وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم، فيا لها من وفادة عظيمة على ملك الملوك وأكرم الأكرمين، وعلى من عنده ثواب الدنيا والآخرة وجميع مطالب السائلين، إنها ليست وفادة على أحد من المخلوقين الفقراء المساكين، وإنما هي وفادة على بيته الذي جعله مثابة للناس وهدىً للعالمين، قد غنم الوافدون فيها منافع الدنيا والدين، غنموا تكميل إيمانهم وتتميم إسلامهم، ومغفرة ذنوبهم وستر عيوبهم وحط آثامهم، غنموا الفوز برضى ربهم ونيل رحمته وثوابه، والسلامة من سخطه وعقوبته وعذابه، قد وعدوا الثواب على المشقة, وإخلاف ما أنفقوا أو مضاعفته ورفعة الدرجات، ووعدوا بالغنى ونفي الفقر وغفران الذنوب، وصلاح الأحوال وحصول كل مطلوب ومرغوب، والسلامة من كل سوء ومكروه ومرهوب.

 

يا لها من وفادة تشتمل على تلك المواقف العظيمة، والمشاعر الفاضلة الكريمة، وفادة أهلها في مغنم عظيم في كل أحوالهم، وتنوع في طاعة المولى في جميع أعمالهم؛ إذا أنفقوا ضوعف أجرهم بغير حساب، أو نالهم نصب ومشقة فذلك يهون في طاعة الملك الوهاب، أو تنقلوا في مناسكهم ومواقفهم نالوا به الخير والثواب، فهم في كرم الكريم يتمتعون، وفي خيره وبره المتواصل يرتعون، إذا فرح الوافدون على الملوك بالعطايا الدنية الفانية، فقد اغتبط هؤلاء الأخيار بالعطايا الجزيلة الباقية، وإذا سارع المترفون إلى المصيف والنزهة في البلاد النائية مع كثرة النفقات، تسابق هؤلاء الصفوة إلى المواقف الكريمة التي وعد أهلها بالخيرات الكثيرة والبركات. فهل يستوي من قدم أغراضه الدنية واتبع هواه، ممن ترك محبوباته وسارع لرضى مولاه؟! فاتقوا الله عباد الله، وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج تعبداً لله تعالى، ورضاً بحكمه وسمعاً وطاعة لأمره إن كنتم مؤمنين: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) سورة الأحزاب.

 

أيها المسلمون:

إن من تمام رحمة الله ومن بالغ حكمته أن جعل لفرائضه حدوداً وشروطاً لتنضبط الفرائض، وتتحدد المسؤولية، وجعل هذه الحدود والشرائط في غاية المناسبة للفاعل والزمان والمكان، ومن هذه الفرائض الحجّ، فله حدود وشروط، ومنها البلوغ كما أسلفنا، فمن لم يبلغ فلا حج عليه ولو كان غنياً, لكن لو حجَّ الصبي صحَّ حجُّه تطوعاً وله أجره، فإذا بلغ أدى الفريضة؛ لأن حجه قبل البلوغ لا يسقط به الفرض؛ لأنه لم يفرض عليه, والله أعلم. وفقني الله وإياكم للقيام بفرائضه والتزام حدوده، وزودنا من فضله وكرمه وحسن عبادته ما تكمل به فرائضنا، وتزداد به حسناتنا، ويكمل به إيماننا، ويرسخ به ثباتنا إنه جواد كريم,وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين8.


 


1 رواه البخاري -2784- (10/192) ومسلم -2391- (7/54).

2 رواه الترمذي -814- (3/439) والنسائي -2966- (10/28) وصححه الألباني برقم (3172) في صحيح الجامع.

3 رواه أبو داود -1630- (5/260) وصححه الألباني في صحيح سنن لأبي داود برقم (1907).

4 رواه مسلم -2137- (6/245).

5 رواه البخاري -1690- (6/344) ومسلم -2404- (7/72).

6 رواه البخاري -1650- (6/274) ومسلم -2403- (7/71).

7 رواه الترمذي -738- (3/308) والنسائي -2584- (8/449) وقال الألباني حسن صحيح, انظر: صحيح سنن النسائي -2631- (1/66).

8 استفيدت الخطبة بتصرف من:خطب مختارة – اختيار وكالة شئون المطبوعات والنشر بوزارة الشؤون الإسلامية. في بلاد الحرمين. الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات لـ (عبد الرحمن بن ناصر السعدي), والضياء اللامع من الخطب الجوامع لـ(ابن عثيمين) (3/79).