كسب القلوب

كسـب القلـوب

 

كسـب القلـوب

 

       الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.. أما بعد:

 فقد جاء الإسلام بكسب القلوب ومودتها والحرص على صفائها, والبعد عن تنافرها وتباعدها وتحاسدها، وما الأمر بالتعاون على البر والخير والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان إلا من أجل تآلف القلوب وتناصرها، والبعد بها عن تنافرها وتباعدها.

وما أحوجنا في هذا الزمان الذي اشتدت فيه عداوة القلوب, وكثر فيه الشر، وضعفت المودة بين القلوب والتآلف بينها، وقَلَّ المعينون عليه، ما أحوجنا أن نحيى هذه الفضيلة العظيمة، وندعو إليها ونـحث عليها، لما فيها من الخير العظيم والنفع العميم، من إقامة أمر الدين، وتقوية الصالحين، وكسر الشر، ومحاصرة المفسدين.

أسباب كسب القلوب:

1-  سلامة العقيدة: لأن العقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، ولا توجد أخوة شرعية بدون إيمان. قال -تعالى-: {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات:10).

قال عبد الرحمن بن السعدي -رحمه الله-: (هذا عقد عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم)1. وقال تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} آل عمران: 103.

قال ابن السعدي- رحمه الله-: (حث الله عباده المؤمنين أن يقوموا بشكر نعمه العظيمة، وأن يقوموا بطاعته وترك معصيته، مخلصين له بذلك، وأن يقيموا دينهم ويستمسكوا بحبله الذي أوصله إليهم، وجعله السبب بينهم وبينه، وهو دينه وكتابه والاجتماع على ذلك وعدم التفرق، وأن يستديموا ذلك إلى الممات وذكرهم ما هم عليه قبل هذه النعمة، وهو أنهم كانوا أعداء متفرقين فجمعهم بهذا الدين، وألف بين قلوبهم، وجعله إخواناً، وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم من الشقاء، ونهج بهم طريق السعادة) 2.

 

2-     دعاء الله -تعالى- دعاء حثيثاً لكسب القلوب وتأليفها: قال -تعالى-: {(وألف بين قلوبهم) (الأنفال: 63).

 قال ابن سعدي -رحمه الله- في الآية السابقة: (وألف بين قلوبهم) فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوتهم، بسبب اجتماعهم. ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوة، غير قوة الله.

وإنك (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً) من ذهب، وفضة وغيرهما، لتأليفهم بعد تلك النفرة، والفرقة الشديدة (ما ألفت بين قلوبهم) لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلى الله -تعالى- (ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)3.

3-     حسن الخلق:                                                                                   

عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فاحشاً ولا متفحّشاً، وكان يقول: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)4.

وعن عبدالله بن المبارك -رحمه الله- في تفسير حسن الخلق قال: (هو طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى)5.

4-     خدمة الناس:

السعي لخدمة الآخرين يؤدي دوراً عظيماً في عملية الدعوة، لأنك بهذا تستأثر بقلوبهم، وتحظى بمودتهم، فالذي يقدم خدمات للناس ينال محبتهم وينال ثقتهم، ولذلك عندما يطلب منهم شيئاً فليس من المعقول أن يردوا له طلباً يستطيعونه بعد أن حاز ثقتهم واحترامهم.

5-     القدوة الحسنة:

ومن أعظم ما يكون التأثير في الآخرين وكسب قلوبهم بالقدوة الحسنة، فليس بالكلمات والمواعظ وحدها يتأثر الناس، فماذا تفعل الكلمات والمواعظ إذا لم يجد الناس الداعية مثالاً يحتذى في تطبيق المواعظ على نفسه أولاً، ولم يكن هو نفسه قدوة حسنة للآخرين في جميع تصرفاته وأفعاله، فيراه الناس بذلك ويتأثرون به.6

 

الدعاة وكسب القلوب إلى الإسلام:

إن الداعية الحق هو من يسعى سعياً حثيثاً نحو استمالة قلوب الناس وكسبها إلى الإسلام ورد الشارد منها إلى ربقته. غير أن المحزن جداً ما نراه من النفرة الكبيرة بين أهل الإسلام عامة، وبين أهل الدعوة خاصة إلا -من رحم ربك- فانتشر كثير من الخلاف المذموم، وبدت العداوة والبغضاء، والنفرة والتفرق والتنازع وغير ذلك من المظاهر غير الإسلامية في واقع الناس. وابتعد كثير من الناس عن حقيقة الدعوة والالتزام بمقتضاها بحجج واهية منها: كثر الخلاف والمنازعات بين أهل الدعوة أنفسهم. ومنها: الإشاعات الباطلة التي يطلقها أعداء الإسلام من الداخل والخارج، فتُشكّك طوائف من المسلمين عن الدعوة وعن الإسلام.

 وللإسهام في معالجة هذا الأمر الخطير ننصح بالآتي:

1- التفقه في الدين:

عن معاوية -رضي الله عنه- قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)7.

2- البعد عن كل الأقوال والأعمال التي تؤدي إلى كسر القلوب وغلظتها:

عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)8.

وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يدخل الجنة نمّام)9.

والنمام: هو الذي ينقل الكلام بين الناس من أجل الإفساد بينهم.

3- الالتفاف حول القدوات من الناس:

تلك العناصر الطيبة التي من صفاتها ما أخبرنا -عليه الصلاة والسلام-: (إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر)10.

وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت، فإخوانك الصالحون والقدوات والمربون هم العون لك في الطريق، الزمهم وعش في أكنافهم، وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية11.

ثالثاً: وسائل مهمة لكسب القلوب:

1-     مخاطبة الناس على قدر عقولهم:

عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: حدثوا الناس بما تعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)12.

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)13.

2-   لا بد من تشجيع السلوك الطيب:

فهذا أمر له تأثير كبير في النفس، وتحفيز للإنسان كي يستزيد من الأعمال الصالحة والسلوك المرغوب فيه.

وكمثال على التشجيع قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: في تشجيع ابن عبد قيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة)14.

3- الإحسان وإلى الضعفاء خاصة:

عن مصعب بن سعد -رضي الله عنه- قال: رأى سعد -رضي الله عنه-: أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم)15.

 

أحسن إلى الناس تستعبـد قلوبهم

**

فطالما استعبد الإنسان، إحسان

وكن على الدهر معواناً لذي أمل

**

يرجو نداك فإن الحـر معوان

من جاد بالمال مال الناس قاطبـة

**

إليـه والمـال للإنسان فتان

من كان للخير منـاعاً فليـس له

**

عند الحقيقة إخـوان وأخدان

إذن فمن رغب في نصر الله- تعالى- إياه, وفي استمالة القلوب وكسبها إلى الله فليكرم الضعفاء وليحسن إليهم.

 

والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


 


1 – تيسير الكريم الرحمن تفسير كلام المنان (5 / 71).

2 – نفس المرجع (1 / 260).

3 – نفس المرجع (2 / 214).

4 – متفق عليه.

5 – رواه الترمذي.

6– الطب النفسي. د. عبدالله الخاطر (ص 30 – 32) بتصرف.

7– متفق عليه.

8– متفق عليه.

9– متفق عليه.

10 –  حديث حسن. رواه ابن ماجه عن أنس مرفوعاً (237) ، انظر السلسلة الصحيحة للألباني (1332).

11 – وسائل الثبات / الشيخ محمد صالح المنجد (ص 24 – 25) بتصرف.

12 – رواه البخاري.

13 – رواه مسلم.

14 – رواه مسلم.

15 – صحيح البخاري – الجهاد – 108 رقم (14 / 179).