أشراط الساعة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على خير خلقه، وأفضل رسله، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، ومن جحده أو أنكره فهو كافر، وهذا اليوم له علامات وأمارات بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فوجب الإيمان والتصديق بتلك العلامات والأمارات، وهي من أمور الغيب التي أطلع الله نبيه عليها، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً، حتى إنها بلغت حد التواتر المعنوي، فمن هذه الأحاديث ما رواه حذيفة رضي الله عنه قال: "لقد خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله، إن كنت لأرى الشيء قد نسيته، فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفة"1. وعن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: "صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلَّى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلَّى ثم صعد فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا"2. فهذه الأحاديث فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أمته بكل ما هو كائن إلى قيام الساعة، ومن هذه الأمور التي ستكون تلك العلامات والمقدمات والأشراط التي تكون قبل قيام الساعة؛ كما جاءت بذلك الأحاديث الكثيرة. بل لقد ألّف بعض العلماء رحمهم الله في الساعة وأشرا طها وعلاماتها كتباً، وخصص بعضهم لها أبواباً وفصولاً من مؤلفاتهم؛ كما في كتب الحديث وغيرها.
وكما هو معلوم من الدين بالضرورة أنَّ علم وقت قيام الساعة مما استأثر الله بعلمه؛ كما دل على ذلك الكتاب العزيز، والسنة النبوية، فهو سبحانه لم يطلع عليها ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، بل إن الذي اختص بعلمها هو الباري تبارك وتعالى، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأعراف: 187]. ولما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))3. ولكنه عليه الصلاة والسلام أخبره ببعض أشراطها وعلاماتها،-كما سيأتي ذكر بعضها-. ولكن قبل الخوض في ذكر بعض أشراط الساعة وعلاماتها، لابد من التنبيه إلى أن العلماء قد قسموا أشراط الساعة إلى قسمين:
· أشراط صغرى: وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، أو تكون من نوع المعتاد؛ كقبض العلم، وظهور الجهل، وشرب الخمر، والتطاول في البنيان، ونحوها ذلك.
· أشراط كبرى: وهي الأمور العظام التي تظهر قرب قيام الساعة، أو تكون غير معتادة الوقوع؛ كظهور الدجال، ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها4.
فمن أشراط الساعة الصغرى:
1. بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت أنا والساعة كهاتين))، ويشير بإصبعيه فيمدهما5.
2. موت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عددت ستاً بين يدي الساعة: موتي…))6.
3. ظهور الفتن؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم))7.
4. اتباع سنن الأمم الماضية، (اليهود والنصارى)؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعا ً بذراع)) فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ قال: ((ومن الناس إلا أولئك))8.
5. ضياع الأمانة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة))، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟، قال: ((إذا أسند الأمر إلى غير أهله؛ فانتظر الساعة))9. ومن مظاهر تضييع الأمانة إسناد أمور الناس من إمارة وخلافة وقضاء ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها والمحافظة عليها؛ لأن في ذلك تضييقاً لحقوق الناس، واستخفافاً بمصالحهم، وإيغار لصدورهم، وإثارة للفتن بينهم.
6. قبض العلم وفشو الجهل؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل))10. وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويُلقى الشح، ويكثر الهرج))11. قال ابن بطال رحمه الله: وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عياناً، فقد نقص العلم، وظهر الجهل، وألقي الشح في القلوب، وعمت الفتن، وكثر القتل12.
7. كثرة الشرط وأعوان الظلمة– لا كثرهم الله-؛ روى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون في هذه الأمة في آخر الزمان رجال، أو قال: يخرج رجال من هذه الأمة -في آخر الزمان معهم سياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه))13.
8. انتشار الزنا؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة: (فذكر منها: (ويظهر الزنا)14. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات…))، فذكر الحديث وفيه: ((ويشيع فيها الفاحشة))15. وأشد من ذلك استحلال الزنا؛ فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير))16. -نسأل الله العافية والسلامة-.
9. انتشار الربا، وعدم المبالاة بأكل الحرام؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بين يدي الساعة يظهر الربا والخمر))17. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليأتينَّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام))18.
10. ظهور المعازف والملاهي بأصنافها؛ كالعود والطنبور والدف، واستحلالها؛ عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيكون في آخر الزمان خسف، وقذف، ومسخ)) قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إذا ظهرت المعازف والقينان))19.
11. التطاول في البنيان؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عندما سأله متى الساعة؟ فقال له: ((ولكن سأحدثك عن أشراطها)). فذكر منها : ((وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان، فذاك من أشراطها...))20. قال ابن حجر رحمه الله: "ومعنى التطاول في البنان أن كلاً ممن كان يبني بيتاً يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر، ويحتمل أن يكون المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة، أعم من ذلك، وقد وجد الكثير من ذلك وهو في ازدياد21.
12. كثرة القتل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج)). قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: ((القتل، القتل))22. وعن أبي هريرة -أيضاً- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتل، ولا المقتول فيم قُتل؟))، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: ((الهرج، القاتل والمقتول في النار))23.
فهذه نبذة مختصرة عن بعض أشراط الساعة الصغرى وعلاماتها، وقد تحقق الكثير منها، وهي عبارة عن أمثلة سقتها، وإلاَّ فإن أشراط الساعة الصغرى كثيرة جداً..
وأما عن أشراط الساعة الكبرى فهي قليلة، وستكون متتالية؛ وهي: ظهور المهدي، والدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، والخسوفات الثلاثة، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس..
نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. والحمد لله رب العالمين..
1 رواه البخاري (6604).
2 رواه مسلم (2892).
3 رواه البخاري (50)، ومسلم (8).
4 انظر أشراط الساعة للغفيلي الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد – المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1422هـ، (ص43).
5 رواه البخاري (6504)، ومسلم (867).
6 رواه البخاري (3176).
7 رواه أحمد (19730)، وأبو داود (4259) وابن ماجه (3961)، وصححه الألباني: انظر صحيح الجامع الصغير، رقم (2049).
8 رواه البخاري (7319).
9 رواه البخاري (6496).
10 رواه البخاري (80)، ومسلم (2671).
11 رواه مسلم (157).
12 انظر فتح الباري (13/16)ط. دار المعرفة – بيروت، 1379.
13 رواه أحمد (22150)، وهو حديث صحيح، كما ذكر الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم (1893).
14 رواه البخاري (80). وسيلم (2671).
15 أخرجه الحاكم (8564). وصححه الذهبي.
16 رواه البخاري (5590).
17 رواه الطبراني في المعجم الأوسط (8158)، وقال رواته: رواه الصحيح.، وهو في السلسلة الصحيحة برقم(1861)
18 رواه البخاري (2083).
19 رواه الطبراني في المعجم الكبير (5810)، صححه الألباني في صحيح الجامع (3665).
20 رواه مسلم (9).
21 فتح الباري (13/88).
22 رواه مسلم (2215).
23 رواه مسلم (2908).