ولآمرنهم
الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء من بعد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين من ربه فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد:
مخلوق وقف أمام الله مقسماً بعزة الله – تبارك وتعالى – متحدياً للبشرية جمعاء أنه سيغوي بني آدم جمعاء، أتدرون من هو؟ هل عرفتموه؟ إنه إبليس، الشيطان الرجيم الذي اغتاظ غيظاً شديداً من خلق الله لآدم ، وللحفاوة التي حباه الله – تبارك وتعالى – بها، فأسجد له ملائكته، وفضله على سائر المخلوقات، ولما أمر الله إبليس أن يسجد لآدم أبى، وتكبر أن يمتثل لأمر الله ، وكان منه أن توعد آدم بالإغواء، والإضلال، وتوعد ذريته من بعده بإخراجهم من عبودية الله – تبارك وتعالى – إلى كل طرق الغواية والضلال قال الله حاكياً تلك الواقعة: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:116-121].
هذا الشيطان عدو الإنسان، وكِّل به، وسلط عليه ليبعده من دائرة التقوى، والطاعة، والوحدانية لله – تبارك وتعالى – إلى دائرة المعاصي، والإشراك بالله ، ولو وقفنا مع هذه الآيات قليلاً وقفة مقارنة، وتنزيل على الواقع الذي نعيشه اليوم؛ لوجدنا العجب، لوجدنا أن إبليس استطاع بشكل كبير أن يحقق هذا التوعد بالمؤمنين.
التوعد الأول: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا عدداً كبيراً منهم يعبدونني ولا يعبدونك، وهم معروفون بمعصيتهم إياك، وطاعتهم لي.
التوعد الثاني: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ أغويهم عن طريق الحق والهدى، ولهذا ورد في بعض الآيات أن إبليس أقسم على أن يغوي بني آدم عبر عدة أساليب: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ [الحجر:39]، لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:16-17]، وغيرها من الآيات التي تبين أن إبليس لن يترك أحداً من الناس إلا ويأتي لإضلاله وإغوائه، لذا فإن الله عاقب إبليس وجميع من يتبعه بأن جعلهم كلهم في النار قال تعالى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: 43] الآية، وقال في سورة الأعراف: قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:18]، ولهذا ضل الناس، واتبعوا الشيطان، وكان أن بدؤا قبل الإسلام “في جاهليتهم يزعمون أن الملائكة بنات الله، ثم يتخذون لهذه الملائكة تماثيل يسمونها أسماء الإناث: اللات، والعزى، ومناة، وأمثالها، ثم يعبدون هذه الأصنام بوصفها تماثيل لبنات الله يتقربون بها إلى الله زلفى، كان هذا على الأقل في مبدأ الأمر، ثم ينسون أصل الأسطورة، ويعبدون الأصنام ذاتها، بل يعبدون جنس الحجر”1.
التوعد الثالث: وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأماني الباطلة من طول الأعمار، وبلوغ الآمال، وانتظام الأحوال، فلا يكاد يقدم على التوبة والإقبال على تهيئة زاد الآخرة حتى يصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة، وما أكثر هؤلاء اليوم، لا يكاد أحد يتذكر الموت، والقبر، والآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
التوعد الرابع: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ “المراد بتبتيك آذان الأنعام شق أذن البحيرة مثلاً، وقطعها ليكون ذلك سمة وعلامة لكونها بحيرة أو سائبة كما قاله قتادة والسدي وغيرهما، وقد أبطله تعالى بقوله: مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ [المائدة:103] والمراد ببحرها شق أذنها”2.
التوعد الخامس: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، وما أكثر التغيير لخلق الله في هذه الأيام، والتي تحمل شعارات براقة، وعناوين جذابة، وعبر عدة مجالات.
أيها المسلمون:
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ من تغيير خلق ما يدعيه البعض من الحريات الشخصية، والتي هي في الحقيقة مخالفات شرعية نهى الشارع عن اقترافها، وهي كثيرة ومنتشرة في أوساط المجتمعات المسلمة ومنها:
حلق اللحية: من المعلوم أن النبي ﷺ كان يعفي لحيته، بل قد وردت أحاديثُ نبوية شريفة تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يعفيها، وأخرى تُرغِّب في الإبقاء على اللحية، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، ولو رجعنا وتصفحنا التاريخ لوجدنا أن إعفاء اللحْية عند العرب وغيرهم كانت عادة مُستحسنة، ولا يزال كذلك عند كثير من الأمم في علمائها وفلاسفتها، مع ما بينهم من اختلافٍ في الدين، والجنسية، والإقليم؛ يرون فيها مظهرًا لجمال الهيئة، وكمال الوقار والاحترام، وجاء الدين وثبت هذه العادة، ورسخها في نفوس المسلمين بنصوص نبوية شريفة تدل على أن إعفاء اللحية واجب، فمن تلك الأحاديث:
حديث عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ … الحديث3.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ4.
وغيرها من النصوص التي تأمر بإعفاء اللحية.
الوشم:
وهو غرز إبرة بها كحل أو غيره في الجسم لتغيير لونه إلى الأزرق، أو الأسود ونحوه، وهو محرم لأن النبي ﷺ لعن الواشمة والمستوشمة فعن عَوْن بْن أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ5. وعند مسلم من حديث ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ : لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ6.
فالواشمة هي التي تفعل الوشم بنفسها، والمستوشمة هي التي تطلب من غيرها أن يعمل ذلك بها، وكلاهما ملعونة على لسان رسول الله ﷺ ، فهو أمر لا يجوز عمله ولا إقراره، ويجب النهي عنه، والتحذير منه، وبيان أنه كبيرة من كبائر الذنوب، ومن فعل بها هذا إن كان ذلك باختيارها، ورغبتها؛ فهي آثمة، وعليها أن تتوب إلى الله ، وأن تزيل هذا الأثر إن كان في مقدورها إزالته، أما إن كان فعل بها هذا بدون علمها، ولا رضاها؛ كمن فعل بها وهي صغيرة لا تدرك؛ فالإثم على من فعله، ولكن إذا أمكن أن تزيله فإنه يجب عليها ذلك، أما إذا لم يمكن فإنها تكون معذورة في هذه الحالة، والحكم مشترك بين الرجال والنساء.
الواصلة:
“الواصلة هي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، والمستوصلة التي تطلب من يفعل بها ذلك7“، وفاعله ملعون فعن ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ8
النامصة، والمتفلجات للحسن:
النامصة: هي التي تزيل الشعر من الوجه، والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها9.
والمتفلجات: لأسنانهن أي اللاتي يبردن ما بين أسنانهن ليجعلن فيها فلجة، وهن أيضاً ملعونات، فقد جاء عن عبد الله بن مسعود قال: “لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والنامصات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله”10.
هذا بعض ما ظهر في أوساط مجتمعاتنا المسلمة، والذي أصبح الكثير من المسلمين يلهث وراء هذه الأمور المحرمة بنص كتاب الله ، وسنة رسوله ﷺ، فالحذر أخي المسلم من أن تكون أحد من ذكر آنفاً، والحذر أختي المسلمة مما يروجه أصحاب المبادئ الهدامة من الأمور المحرمة، وتحت مسمى الموضة، والجمال، إن جمالك الحقيقي يكمن في تمسكك بكتاب ربك ، وسنة رسولك ﷺ، فالحذر الحذر.
نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل، وأن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.