حكم صلاة الجماعة وفضلها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أخي الحبيب: اعلم – وفقني الله وإياك – أن لصلاة الجماعة فضلاً على صلاة الإنسان بمفرده، وقد اختلف العلماء في حكم صلاة الجماعة، فمنهم من قال: إنها شرط لصحة الصلاة، أي إذا لم يصلِّ الإنسان في جماعة بلا عذر فصلاته باطلة، ومنهم من قال: فرض عين تجب على كل مسلم مكلف، ومنهم من قال: فرض كفاية، إذا أداها البعض سقطت عن بقية المكلفين، ومنهم من قال: سنة مؤكدة لا ينبغي للمسلم تركها لما فيها من الثواب الكبير عن صلاة الفرد … وعلى كل حال فإن الكسالى وضعاف الإيمان دائماً ما يختارون ويميلون إلى الأقوال والمذاهب التي تناسب نفوسهم وشهواتهم، وتساند كسلهم، وضعف الوازع الإيماني؛ في القيام إلى الجماعة – طبعاً ما عدا العلماء الذين تترجح لهم مثل هذه الأقوال بناءً على أدلة صحيحة بالنسبة لهم – أما أن يأتي شخص فيتتبع رخص العلماء، فإن ذلك سيؤدي به إلى الضلالة – والعياذ بالله -، ولهذا قال بعض العلماء: من تتبع رخص العلماء تزندق، أي لو تتبعنا من كل عالم رخصه، ولم نأخذ بالعزائم؛ فإن هذا خطر كبير. ومع أننا نرى القول بوجوبها على الأعيان لما سيأتي من الأحاديث، فقد اتفق العلماء كلهم على أفضلية صلاة الجماعة على صلاة الفرد، سواءٌ القائلين بوجوبها أو بسنيتها.
أخي الكريم: هل تعلم ما هو فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد؟!
لقد ثبت عن النبي ﷺ في أحاديث عدة أن صلاة الجماعة تفضل وتزيد في الأجر على صلاة الإنسان وحده بخمس وعشرين درجة، وفي رواية بسبع وعشرين درجة، وكلها صحيحة.
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله ﷺ قال: صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين1، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه؛ بضعاً وعشرين درجة، وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة؛ فلم يخطُ خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه2.
خطورة ترك صلاة الجماعة بلا عذر؟!
إن تلك الأحاديث والآثار تدل دلالة صريحة على أنها واجبة على كل مسلم مكلف، وتدل على الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد لمن تركها .. وإذا كانت قد أوجبت في معترك الوغى، وساحة القتال؛ فكيف بوقت الأمن والأمان؟! لا شك أن إيجابها أعظم، وهذه الأحاديث التي سأذكرها تبين ضعف القول بأنها غير واجبة، وذلك أن الرسول ﷺ لا يهدد من تركها بإحراق بيته إلا على شيء واجب، فلم يلزم أحداً من أمته العمل بالمستحبات بل هي تحت الاختيار … وكذا قول الصحابة: كنا نتهم من لم يحضر صلاة الفجر بالنفاق.. مع ما سيأتي.
الترهيب والتهديد لمن تركها:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : إن أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار3.
وعن عبد الله بن مسعود قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم ﷺ سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد؛ إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف))4، فتأمل هذا الكلام فإنه لا يخرج من فراغ.
وقال علي بن أبي طالب : (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) قيل: ومن جار المسجد؟ قال: (من أسمعه المنادي)5.
وقال أبو هريرة : (لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب)6. وبعد ذكر فضل صلاة الجماعة، وذكر الترهيب من تركها؛ فهل بقي للمفرط فيها أو المتكاسل عنها عذر؟!.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يلهمنا رشدنا، ويسدد على طريق الخير خطانا، ويوفقنا إلى ما يرضيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.