إنك امرؤ فيك جاهلية

إنك امرؤ فيك جاهلية

 

الحمد لله الذين هدانا للدين المبين، وأنار لنا الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين. أما بعد:

فإنَّ الإسلام قد جاء لقلع الجاهلية من جذورها، فقد أبطل كل عقيدة وقول وفعل سيء، وأبقى وحث على كل قول وفعل سليم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى عقيدةً أو خُلقاً أو فعلاً أو قولاً جاهلياً أنكر على فاعله بما يناسب الحال والمقام، وقد جاء إنكاره صلى الله عليه وسلم على ذلك في أحاديث كثيرة جداً، ولذلك فإننا سنتطرق إلى بيان خلق ذميم من الأخلاق الجاهلية، وهي تعيير الرجل بفعل غيره، فأنه صلى الله عليه وسلم لما سمع أنَّ بعض أصحابه فعلها مع أحد إخوانه، نهاه عن ذلك وقال كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه المشهور: ((إنك امرؤ فيك جاهلية))[1.

نص الحديث:

قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن واصل الأحدب عن المغرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حُلة وعلى غلامه حُلة، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر! أعيرته بأمه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية، إخوانكم حولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"2.

غريب الحديث:

(الربذة) موضع قريب من المدينة.

(حُلة) بضم المهملة، لا تكون إلا من ثوبين، سُميا بذلك؛ لأن كل واحد منهما يحل على الآخر.

(ساببت) أي وقع بيني وبينه سباب، والسباب هو الشتام.

(عيرته) أي نسبته إلى العار.  (جاهلية) إذا أطلق لفظ الجاهلية، فإنها تعني ما قبل الإسلام، وقد يوصف شخص بأنه فيه خصلة من خصال الجاهلية.

(خَوَلكم) بفتح أوله المعجم والواو أيَّ خدمكم أو عبيدكم.

الشـرح:

(لقيت أبا ذر بالرَبَذة) اسم أبي ذر رضي الله عنه: جندب بن جنادة، ويجوز في جندب فتح الجيم وضمها. وجنادة بضم الجيم. هو الغفاري السابق للإسلام، الزاهد العابد، له في البخاري أربعة عشر حديثاً3.

عليه حلة وعلى غلامه حلة) أي لقي معرور أبا ذرٍ وكانت عليه حُلة، وعلى غلامه حُلة. وغلام أبي ذر لم يسم، قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون أبا روح مولى أبي ذر.. وذكر مسلم في الكنى أن اسمه سعد4.

(فسألته عن ذلك) لمّا رأى معرور حُلة أبي ذر وحُلة غلامه مستويتان، والعادة أن حلة الغلام تختلف عن حلة سيدة، فأجابه بذكر تلك القصة التي كانت سبباً لذلك.

فقال أبو ذر : (إني ساببت رجلاً) المُسَابَّة: هي المشاتمة والمخاصمة، وقد جاء تفسير ذلك في رواية الإسماعيلي: (شاتمت). وفي رواية عند البخاري في كتاب الأدب: (كان بيني وبين رجل كلام). زاد مسلم في رواية: (من إخواني). والسبُّ مأخوذ من السبَّة، وهي حَلقْةُ الدُّبر، وقد أطلق الفاحش من القول على الفاحش من الجسد، وذلك لأنَّ السَّاب أَبدى عورة المسبوب.

(فعيرته بأمه) أي نسبته إلى العار، والفاء في (فعيرته) قيل تفسيرية؛ كأنَّه بيَّنَ أنَّ التعبير هو السَّبب، والظاهر أنَّه وقع بينهما سباب، وزاد عليه التعيير فتكون الفاء عاطفة، ويدل عليه رواية مسلم : (أعيرته بأمه؟!) فقلت: (من سب الرجال سبوا أباه وأمه)5.

وقد قيل أنَّ اسم الرجل الذي عيره أبو ذر هو بلال بن رباح المؤذن، مولى أبي بكر، وقد جاء في رواية أنه قال له: ((فقلت له: يا ابن السوداء))، وفي رواية: ((وكانت أمه أعجمية فنلت منها))6.

فلما بلغ الخبر إلى النبي  صلى الله عليه وسلم فقام قائلاً ومستفهماً استفهاماً استنكارياً: ((أعيرته بأمه؟!)). أي بقولك له: يا ابن السوداء، أو ما أشبه ذلك، ثم بيَّن أن فيه خصلة من خصال الجاهلية: ((إنك امرؤٌ فيك جاهلية))، وقد جاء في رواية بيان أنه: ((كان بين أبي ذر وبين بلال محاورة، فعيره أبو ذر بسواد أمه، فانطلق بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكى إليه تعييره بذلك))، وهذه الرواية تبين أن الذي أوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو بلال رضي الله عنه.

((إنك امرؤ فيك جاهلية)) أي إنك بتعييرك إياه بفعل غيره، لا سيما أبوه وأمه، فإنه ما زال فيك خُلقٌ من أخلاق الجاهلية؛ لأنهم كانوا يتفاخرون بالأحساب، ويطعنون في الأنساب؛ كما جاء في الحديث الصحيح: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة))7، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت))8.

قوله: ((إِخْوانكم)) أي إخوانكم في الإسلام، أو من جهة أولاد آدم. ((خَوَلَكم)) أي خدمكم أو عبيدكم الذين يتخولون الأمور أي يصلحونها.

((جعلهم الله تحت أيديكم)) كناية عن القدرة والملك، أي وأنتم مالكون إياهم. ((فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس)) أي فليأكله مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ومن هنا للتبعيض عند بعض العلماء؛ بمعنى أنه لا يجب على السيد أن يطعم عبده وخادمه من كل مأكوله على العموم من الأدم وطيبات العيش، وإنما يطعمه مما يأكل، وأما إذا أطعمه من كل مأكوله فهذا مستحب وليس بواجب.

((ولا تكلفوهم ما يغلبهم)) أي لا تكلفوهم من العمل ما يعجزون عن القيام به، والنهي هنا للتحريم.

((فإن كلفتموهم فأعينوهم)) أي إن كلفتموهم من العمل فوق قدرتهم وطاقتهم فأعينوهم على ذلك.

فوائد الحديث:

1-  إن ارتكاب المعصية، لا يكفر بها المؤمن، ولا ينزع عنه اسم الإيمان، وإنما هو مؤمن بإيمانه فاسق بفسقه؛ ولذلك لم يكفر الله الطائفتين من المؤمنين وقد وقع بينهما القتال؛ قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات: 9]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا التقى المسلمان بسيفهما)) فسما هما مسلمين مع وقوع القتال بينهما، وتوعده لهما بالنار. وفي حديثنا: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) أي فيك خصلة من خصال الجاهلية، ولم يطلق عليه أنه جاهلي، وفي هذا رد على من يكفر بالذنب من الخوارج وغيرهم، الذين يقولون أن من مات على ذلك يخلد في النار، فيقال لهم: كيف يخلد في النار، والله تعالى يقول : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء: 116]. فمن مات على ذنب لم يبلغ به حد الكفر فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وهذا مذهب السلف الصالح، وهو قول الإمام البخاري وابن حجر وغيرهم من المحققين، يقول الإمام البخاري رحمه الله مترجماً على حديث أبي ذر السابق: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنك امرؤٌ فيك جاهلية)) وقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[النساء: 48]. قال ابن بطال رحمه الله: وغرض البخاري في هذا الباب الرد على الرافضة والباطنية وبعض الخوارج في قولهم: إن المذنبين من المؤمنين يخلدون في النار بذنوبهم، وقد نطق القرآن بتكذيبهم في غير موضع منه9.

2-  بطلان ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق الرديئة، والعقائد الفاسدة، وهو ما ورثته بعض طوائف المسلمين اليوم، فنراهم يفتخرون بمزايا آبائهم وأجدادهم، وهم بعيدون عنهم كل البعد، فهذا يقول: كان جدي الشيخ الفلاني، وهذا يقول: جدي العالم الرباني، وذاك يقول: أنا من القبيلة الفلانية، وما إلى غير ذلك.

3-     تحريم السب والتعيير، فإن هذا من أخلاق الجاهلية، وهو ما جاء الإسلام بتحريمه.

4-  إذا كان ولابد للإنسان أن يفتخر ويعتز فليكن بتقوى الله تعالى، وكفى بذلك فخراً وعزاً، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل من أكرم الناس؟ فقال: ((يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)) قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فأكرمهم عند الله أتقاهم)) فقالوا: ليس عن هذا نسألك، فقال: ((عن معادن العرب؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا))10.

وقد أنشد بعضهم:

ما يصنع العبد بعزّ الغنى *** والعزُّ كل العز للمتقي

من عرف الله فلم تغنه *** معرفة الله فذاك الشقي

وقال بعضهم:

ألا إنما التقوى هي العز والشرف *** فلا تترك التقوى اتكالا على النسب

فقد رفع الإسلام سلمان فارس *** وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب

وبتقوى الله تكون الولاية من الله للعبد؛ قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}[يونس: 62-63]، وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سراً يقول: ((إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين))11. ولذلك فلا ينفع النسب الشريف، ولا الحسب الرفيع؛ بدون تقوى الله عز وجل، ولكن إذا اجتمعا فهو أفضل من ناحية نفعه للإسلام، وعز الإسلام به، كما في قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكن النسب الوضيع مع وجود التقوى أفضل وأشرف من النسب الرفيع بدون تقوى؛ فهذا بلال الحبشي لما اتقى الله، ودخل في دين الله رفعه الله، وسليمان الفارسي لما خالط الإيمان قلبه، واتقى خالقه، وخاف سيده ومولاه رفعه الله. وفي المقابل هذا أبو لهب القرشي لما كفر وطغى، ولم يعبد الملك الأعلى، وضعه الله في الدنيا والأخرى، وأنزل فيه آيات تتلى إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد: 1].

5-  حفظ الإسلام للحقوق والواجبات، وهذا من كماله وتمامه، فقد حث على حفظ حقوق البشرية جمعاء، وحتى حقوق الحيوان، والأشجار، وكل ما فيه روح، وذلك قبل نحو ما يزيد على أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، فلقد حث الإسلام على الإحسان إلى العبيد والخدم، ودعا إلى الرفق بهم، وأمر بإعطائهم أجرتهم في حال انتهاءهم من عملهم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره))12. فلقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم حقوق الإنسان مدوية في ذلك الجمع الهائل، وفي ذلك الموفق الرهيب في يوم الحج الأكبر، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: ((أي يوم هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس ذو الحجة؟)) قلنا: بلى، قال: ((أتدرون أي بلد هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس بالبلدة؟)) قلنا: بلى، قال: ((فإنَّ دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟)) قالوا: نعم، قال: ((اللهمَّ! اشهد، ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغٍ أوعى من سامع، ألا فلا ترجعُن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))13. فقاتل الله أولئك الدجاجلة الذين يقولون: إنَّ الإسلام هضم الحقوق، ولم يعط للناس حقوقهم، ولم يتح لهم حرياتهم، أين هم من مثل هذه الحقوق؟!.

6-  إن الأخوة المعتبرة النافعة الحقيقية هي أخوة الدين، قال الله تعالى:  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10]، فمادام الشخص مؤمناً فهو أخ لك بغض النظر جنسه أو بلده أو لونه.

7-  مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بالحق، ولذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المنكر نهى عنه أبا ذر رضي الله عنه، ولم يحابيه ويداهنه لأنه أحد أصحابه، بل بين حكم ذلك القول للناس، وقال: ((إن امرؤ فيك جاهلية)). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما بال دعوى الجاهلية؟)) قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار. فقال: ((دعوها فإنها منتنة))14. هذا كله مع أن هذه الألفاظ مما نطق بها الكتاب والسنة، ولكنها لما قصد بها الدعوى إلى العصبية، وتفريق الصف الإسلامي، وتفتيت جماعة المسلمين، صارت من دعوات الجاهلية، فلما استعملت هذه الألفاظ لغرض خاطئ أنكر على أصحابها، وقال: ((دعوها فإنها منتنة)).

8-  رفع المظلوم لمظلمته إلى من ينصفه من والي الأمر، أو من ينوبه من نائب، أو قاض، أو وحاكم، أو غير ذلك، وذلك لأنه قد جاء في بعض روايات الحديث أن بلالاً انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكي إليه تعييره بذلك، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعوه.

9-  فضيلة ومنقبة لأبي ذر؛ حيث أنه من السابقين الأولين في الإسلام، وهو من الزهاد والعباد، وما قال ذلك أبو ذر لبلال إلا لأنه لم يعلم تحريم ذلك، فلما علم ذلك ألقى نفسه على الأرض، ووضع خده على التراب، وقال: والله لا أرفع خدي من التراب حتى يطأ بلال خدي بقدمه. وهذا دليل على علو قدر هذا الصحابي الجليل.

أنَّ الخطأ اليسير من قِبل الرجل الجليل يتجاوز عنه، وتغمر سيئاته في بحر حسناته.

 ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى المرءُ نبلاً أن تعد معايبـه

10-   هذا الخطأ الذي وقع من أبي ذر رضي الله عنه بُين به للأمة حكم مسألة شرعية، عرف المسلمون حرمة تعيير الناس بصفات النقص، والتفاخر بالأحساب والأنساب وأخلاق الجاهلية.

سبجانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.


1 رواه البخاري (30).

2 رواه البخاري (30).

3 انظر إرشاد الساري للقسطلاني (1/167).

4 فتح الباري لابن حجر (1/108).   

5 المصدر السابق نفسه.

6 رواه البخاري كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن، رقم (5590). من حديث أبي ذر.

7 أخرجه مسلم كتاب الجنائز، باب النياحة في الميت، رقم (1550). من حيث أبي مالك الأشعري.

8 أخرجه مسلم كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة، رقم (100).

9 شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/86).

10 أخرجه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}[النساء: 125] رقم (3104). ومسلم كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف، رقم (4682).

11 أخرجه مسلم كتاب الإيمان، باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم، رقم (316).

12 رواه البخاري كتاب الإجارة، باب إثم من منع أجر الأجير، رقم (2109).

13 أخرجه البخاري كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، رقم (1625).

14 أخرجه البخاري كتاب تفسير القرآن، باب قوله : {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[المنافقون: 6]، ومسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً، رقم (4682) واللفظ له.