بر الوالدين

بر الوالدين 

الحمد لله حمداً كثيرا ًعلى امتنانه، والشكر له شكراً جزيلاً على إنعامه وإحسانه، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وآله، وصحبه، أما بعد:

أيها الأحبة: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع عندما نسمع عن شاب أو شابة قد أغضبوا والديهم، أو عصوهما فإن هذه طامة كبرى، وأمر جلل حذر الله تعالى منه، وأمر ببرهما، وخفض الجناح لهما.

أتعلمون أن الله قد أمر بعبادته، وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، ومن البر بهما، والإحسان إليهما؛ ألا يتعرض لهما بما يؤذيهما.

وعقوق الوالدين: مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما، وعلى هذا لو أمرا ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المندوب، ولا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين بل إن كانا كافرين يبرهما، ويحسن إليهما، ومن الإحسان إليها والبر بهما – إذا لم يتعين الجهاد – ألا يجاهد إلا بإذنهما.

ومن برهما والإحسان إليهما أن لا يقول لهما ما يكون فيه أدنى تبرم يقول الحق – تبارك وتعالى -: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء: 23] وقوله: أفٍ للأبوين أردأ شيء؛ لأنه رَفضهما رفض كفر النعمة، وجَحَد التربية، ورد الوصية الإلهية.

ومن برهما: أن يتطلف معهما بقول لين لطيف كريم، وأن يجعل نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله، وسكناته، ونظره، ولا يحد إليهما بصره؛ فإن تلك نظرة الغاضب وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24].

ومن برهما: الترحم عليهما، والدعاء لهما، وأن ترحمهما كما رحماك، وترفق بهما كما رفقا بك، إذ ولياك صغيراً، جاهلاً، محتاجاً، فآثراك على أنفسهما، أسهرا ليلهما، وجاعا وأشبعاك، وتعريا وكسواك، فلا تجزهما إلا ببرهما وطاعتهما، وحين يبلغان من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر؛ فعليك أن تلي منهما ما وليا منك، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم1.

أيها الأحبة: تأملوا في حديث النبي  عندما سأله عبد الله بن مسعود  فقال: “أي العمل أحب إلى الله ​​​​​​​؟ فقال: الصلاة على وقتها، قال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قال: قلت، ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله2، وتأملوا كيف قدم النبي  بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، وجميعنا يعلم ما للجهاد من فضائل عظيمة جداً.

وهذا سيد الأولين والآخرين قال عنه أبو هريرة : زار النبي  قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت3 وعن أبي الطفيل  قال: “رأيت رسول الله  يقسم لحماً بالجعرانة، وأنا غلام شاب، فأقبلت امرأة، فلما رآها رسول الله  بسط لها رداءه، فقعدت عليه فقلت: من هذه؟ قالوا: أمه التي أرضعته”4.

قال الإمام أحمد: بر الوالدين كفارة الكبائر، وهذا رجل يماني رآه ابن عمر وهو يطوف بالبيت وهو يحمل أمه وراءه على ظهره ويقول:

 إني لها بعيرها المذلل إن أُذعرت ركابها لم أذعر

ثم قال: يا ابن عمر هل جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.5 وقال الشاعر:

عليك ببر الوالدين كليهما وبر ذوي القربى وبر الأباعد

وأخيراً من فوائد بر الوالدين:

1.كمال الإيمان، وحسن الإسلام.

2. من أفضل العبادات، وأجلّ الطاعات.

3. طريق موصل إلى الجنة.

4. الزيادة في الأجل، والنماء في المال والنسل.

5. رفع الذكر في الآخرة، وحسن السيرة في الناس.

6. من بر آباءه بره أبناؤه، والجزاء من جنس العمل.

7. من حفظ ود أبيه لا يطفئ الله نوره عن عبد الله بن عمر  أن رسول الله  قال: احفظ ود أبيك، لا تقطعه فيطفئ الله نورك6

والحمد لله رب العالمين


1 انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/155-161).

2 البخاري (504)، ومسلم (85).

3 رواه مسلم (976).

4 رواه أبو داود (5146) وضعفه الألباني.

5 الأدب المفرد للبخاري (11).

6 المعجم الأوسط (8/ 279) رقم (8633) وقال الهيثمي: “رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن” مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (8/67).