أي الإسلام خير؟

أي الإسلام خير؟

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن من أعظم ما أمر به الإسلام أتباعه التخلق بالأخلاق الفاضلة، والتحلي بالصفات الرفيعة، التي تعطي كل أحد قدره، ولا تبخس الناس الحق الذي لهم. وسنقف مع بعض الآداب والأخلاق الإسلامية من خلال حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

نص الحديث:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف))1.

صحابي الحديث:

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن كعب بن لؤي القرشي السهمي.

كان الفرق بين عمره وعمر أبيه اثنتي عشرة سنة، ولد لعمرو: عبد الله وهو ابن اثنتي عشرة سنة.

 أسلم قبل أبيه، وكان فاضلاً حافظاً عالماً.

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يعي بقلبه، وأعي بقلبي، وكان يكتب، وأنا لا أكتب2.

اختلف في وقت وفاته، قال ابن سعد في طبقاته: توفي عبد الله بن عمرو بن العاص بالشام سنة خمس وستين، وهو يومئذ بن اثنتين وسبعين سنة، وقد روى عن أبي بكر وعمر3.

مفردات الحديث:

قوله: (أي الإسلام): أي: أي خصاله، أو أي أهله وذويه أفضل.

قوله: (تطعم الطعام): على وجه الصدقة، أو الضيافة، ونحو ذلك.

قوله: (وتقرأ السلام): المراد به إفشاء السلام4.

قوله: (ومن لم تعرف): أي: لا تخص به أحداً تكبراً أو تصنعاً؛ بل تعظيماً لشعار الإسلام، ومراعاة لأخوة المسلم، فإن قيل: اللفظ عام فيدخل الكافر والمنافق والفاسق، أجيب بأنه خص بأدلة أخرى، أو أن النهي متأخر، وكان هذا عاماً لمصلحة التأليف، وأما من شك فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص5.

المعنى العام للحديث:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) وفي رواية: (أي المسلمين خير؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده))6 وفي رواية جابر: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))7 قال العلماء رحمهم الله: قوله: أي الإسلام خير؟ معناه أي خصاله، وأموره، وأحواله، قالوا: وإنما وقع اختلاف الجواب في خير المسلمين لاختلاف حال السائل والحاضرين، فكان في أحد الموضعين الحاجة إلى إفشاء السلام، وإطعام الطعام أكثر وأهم لما حصل من إهمالهما والتساهل في أمورهما، ونحو ذلك، وفي الموضع الآخر إلى الكف عن إيذاء المسلمين.

شرح الحديث:

معنى قوله: (تطعم الطعام) إطعام الطعام من أفضل القربات، وأعظم الطاعات، فتشبع الجائع، وتسد فاقته، وتعطي الفقير ما تيسر معك مما يستعين به على حاله.

وقد مدح الله المحسنين بقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}[الإنسان: 8-9]، وفضل الصدقة عظيم، وثوابها جزيل ولاسيما إذا وقعت في يد مستحقها، وليس عليك أن تصرف بما ليس في وسعك، ولا أن تكلف نفسك مالا تقدر عليه، ولكن إذا وجدت شيئاً فأنفقه في سبيل الله ولو قليلاً، وفي الحديث: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))8 فربما كان درهمك الذي لا تملك غيره هو أعزم عند الله من مائة ألف درهم ينفقها الغني الذي لا يضره إخراجها.

والمبعوث متمما لمكارم الأخلاق محمد عليه الصلاة والسلام جاء يأمر بالإطعام، ويضرب للناس في الكرم المثل الأعلى، فيقول: ((والذي نفسي بيده ما يسرني أن أُحُداً تحول لآل محمد ذهباً أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت وأدع منه دينارين، إلا دينارين أعدهما للدَّين إن كان))9.

ورغب الله المؤمنين في معاملته، ووعدهم بالربح العظيم، ومضاعفة الأجور للمتصدقين أضعافاً كثيرة، فقال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 261]10.

ومعنى: (تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) أي تسلم على كل من لقيته، عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثيرون من الناس، ثم إن هذا العموم مخصوص بالمسلمين فلا يسلم ابتداء على كافر، وفي هذه الأحاديث جمل من العلم، ففيها:

الحث على إطعام الطعام، والجود، والاعتناء بنفع المسلمين، والكف عما يؤذيهم بقول، أو فعل بمباشرة أو سبب، والإمساك عن احتقارهم، وفيها الحث على تألف قلوب المسلمين، واجتماع كلمتهم، وتوادهم، واستجلاب ما يحصل ذلك.

واعلم أنه ورد في إفشاء السلام، وفضائله عدة أحاديث، منها ما أخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))11.

وعن البراء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفشوا السلام تسلموا))12.

وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأملت وجهه واستبنته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: ((أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام))13.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام))14.

وعن جابر رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لفلان في حائطي عذقاً، وأنه قد آذاني، وشق علي مكان عذقه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((بعني عذقك الذي في حائط فلان)) قال: لا، قال: ((فهبه لي)) قال: لا، قال: ((فبعنيه بعذق في الجنة)) قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رأيت الذي هو أبخل منك إلا الذي يبخل بالسلام))15.

قال أبو حاتم البستي: الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السلام على العام؛ لأن من سلَّم على عشرة كان له عتق رقبة، والسلام مما يذهب ما في الخَلَد من البغضاء، ويقطع الهجران، ويصافي الإخوان، والبادي بالسلام بين حسنتين: إحداهما تفضيل الله عز وجل إياه على المسلَّم عليهم بفضل درجة؛ لتذكيره إياهم بالسلام، وبين رد الملائكة عليه عند غفلتهم عن الرد.

 وقال زبيد اليامي: إن أجود الناس من أعطى مالاً لا يريد جزاءه، وإن أحسن الناس عفواً من عفا بعد قدرة، وإن أفضل الناس من وصل من قطعه، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام.

وعن عمار بن ياسر قال: ثلاث من جمعهن جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم.

قال أبو حاتم البستي: الواجب على المسلم إذا لقي أخاه المسلم أن يسلم عليه، متبسماً إليه، فإن من فعل ذلك تحات عنهما خطاياهما كما تحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس، وقد استحق المحبة من أعطاهم بشر وجهه.

 قال: ولقد أُخبرت عن سعيد بن الخمس قال: قيل له: ما أبشك؟ قال: إنه يقوم على برخيص.

وأنشد الأبرش:

أخو البشر محبوب على حسن بشره *** ولن يعدم البغضاء من كان عابسا

ويسرع بخل المرء في هتك عرضه *** ولم أر مثل الجود للمرء حارسا

قال أبو حاتم: البشاشة إدام العلماء، وسجية الحكماء؛ لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغين، ومنجاة من الساعي، ومن بش للناس وجهاً لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك.

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: أخبرت أنه مكتوب في الحكمة: يا بُني: ليكن وجهك بسطاً، ولتكن كلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من أن تعطيهم العطاء.

القَ بالبشر من لقيت من النـ *** ـاس جميعاً ولا قِهِمْ بالطلاقةْ

تجْنِ منهمُ جني ثمار فخذهـا *** طيباً طَـعمُه لذيذَ المذاقــة16

من فوائد الحديث:

1.    في الحديث سببين من أعظم أسباب الألفة، إذ أن الألفة إحدى فرائض الدين، وأركان الشريعة.

2.    في الحديث الدعوة إلى إخلاص العمل لله تعالى لا مصانعة ولا تملقاً، ويدل على ذلك بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف.

3.    في الحديث استعمال خلق التواضع، وإفشاء شعار هذه الأمة، وهو السلام17.

4.    السلام من الأسباب التي تدخل صاحبها الجنة، كما في حديث عبد الله بن سلام.

5.    السلام يوجب المحبة بين المسلم وبين إخوانه من المسلمين.

6.    حصول فضيلة الإسلام وخيريته بهذين الأمرين18.

نسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لفعل الطاعات واجتناب المنكرات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


1 رواه البخاري برقم (11)، ومسلم برقم (56) وغيرهما.

2 الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/292)

3 الطبقات الكبرى لابن سعد (4/268).

4 نزهة المتقين شرح رياض الصالحين (1/474).

5 فتح الباري لابن حجر (1/56).

6 رواه مسلم (40).

7 رواه البخاري (10)، ومسلم (41).

8 رواه البخاري (6195) ومسلم (1016).

9 رواه أحمد برقم (2724) قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: "حديث حسن صحيح" رقم (933).

10 إصلاح المجتمع لمحمد بن سالم البيحاني (153) بتصرف.

11 رواه مسلم برقم (54)، والترمذي برقم (5193)، وابن ماجة برقم (68) واللفظ لمسلم.

12 الأدب المفرد للبخاري (1/340) رقم (979)، ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (1934)، وقال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: "حسن" (1493).

13 رواه الترمذي برقم (2485) وقال حديث حسن صحيح، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/150) "صحيح" رقم (616)

14 رواه الطبراني في الأوسط، وقال لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد (5591)، قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب "حسن صحيح" رقم (2714).

15 أخرجه الإمام أحمد (14557), وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/21): "حسن" رقم (2716).

16 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (1/74-75) بتصرف.

17 شرح النووي على مسلم (1/118) بتصرف.

18 غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/422).