انحراف المسجد عن القبلة

انحراف المسجد عن القبلة

انحراف المسجد عن القبلة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، قال تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ البقرة: 144، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني (1/481): (استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة إلا في الحالتين اللتين ذكرهما الخرقي -رحمه الله-(1) والأصل في ذلك قول الله تعالى: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ يعني نحوه كما أنشدوا:

ألا من مبلغ عنا رسولاً      وما تغني الرسالة شطر عمرو

أي نحو عمرو، وتقول العرب: هؤلاء القوم يشاطروننا، إذا كانت بيوتهم تقابل بيوتهم، وقال علي -رضي الله عنه- شطره قبله، وروي عن البراء قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى نحو بيت المقدس ستة عشرة شهراً، ثم إنه وجه إلى الكعبة، فمر رجل وكان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على قوم من الأنصار، فقال: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد وجه إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة) أخرجه الشيخان وغيرهما(2).

أما إذا انحرف مسجد عن القبلة انحراف ما، فكيف يفعل المصلون فيه؟

سُئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين عن مسجد تنحرف فيه القبلة عن اتجاهها الصحيح بحوالي ثلاث درجات حسب البوصلة المعدة لتحديد جهة الكعبة، وقد دأب الناس على الصلاة حسب اتجاه المسجد لعدم علم الكثيرين منهم بانحراف المسجد عن القبلة، فهل هذا الأمر يؤثر على الصحة للصلاة؟ وهل يجب تعديل المسجد؟

فأجاب بقوله: (إذا كان الانحراف لا يخرج الإنسان عن الجهة فإن ذلك لا يضر، والاستقامة أولى بلا ريب، أما إذا كان هذا الانحراف يخرج الإنسان عن جهة القبلة، مثل أن يكون متجهاً إلى الجنوب، والقبلة شرقاً، أو إلى الشمال والقبلة شرقاً، أو إلى الشرق والقبلة جنوباً، فلا ريب أنه يجب تعديل المسجد، أو يجب الاتجاه إلى جهة القبلة وإن خالف جهة المسجد)(3).

فالانحراف اليسير أذن يغتفر، ولا ينبغي الوسوسة، وتشكيك الناس في صلواتهم. وإحداث القلاقل والبلبلة في المسجد. أما إذا كان الانحراف غير يسير فيجب تعديل حسب الإمكان، وتحقيق المصلحة، إما من داخل المسجد بتعديل الفرش على الاتجاه الصحيح، أو بوضع شيءٍ يدل على الاتجاه الصحيح للقبلة، ولا يهدم المسجد، أما إذا هدم لأي سبب من الأسباب مثل التوسعة أو كان قديماً واحتيج إلى إعادة بنائه فتعدل قبلته على الاتجاه الصحيح(4).

أما المساجد التي تبنى جديدة فينبغي مراعاة القبلة فيها، والحمد لله فقد أصبح الأمر ميسوراً، وليس فيه مشقة أو كلفة، فقد وجدت الوسائل المفيدة كالبوصلة التي نستطيع من خلالها معرفة الاتجاه الصحيح للقبلة.

نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 – الحالتين هما: شدة الخوف (كحال التحام الحرب)، والتطوع على المركب في السفر، وهناك حالة ثالثة وهي العجز عن الاستقبال، كحال المربوط إلى غير جهة القبلة. راجع: المغني (1/481، 485)، والشرح الكبير (1/517).

2 – وهذا لفظ النسائي.

3 – مجموع فتاوى ورسائل ابن العثيمين سؤال رقم (329).

4 – راجع: توصية من هيئة كبار العلماء برقم (1/32) في (12/1/1409هـ).