فقه مياه الإنسان
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان في أحسن تقويم، وصلى الله وسلم على من بلَّغ عن الله الدين القويم، وفقَّه أمته وبصَّرهم تعاليم رب العالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
في هذا الدرس سنتطرق إلى من مسائل الفقه الإسلامي وهي مسألة: مياه الإنسان التي في جسمه ما هي؟ وما أحكامها في الفقه الإسلامي؟
علماً أننا لن نتعرض في هذا الدرس لكثير من التفصيلات والتفريعات؛ لأن درسنا هذا لا يحتمل ذلك، ولكن سنوجز – بإذن الله – إيجازاً لا يخل بالمقصود، ولا يقصّر في المراد.
الدمع:تعريفه: “لغة: ماء العين، يقال: دمعت العين دمعاً إذا سال ماؤها، وعين دامعة أي: سائل دمعها، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي”1.
حكمه: طاهر بإجماع العلماء قال ابن المنذر: “أجمع أهل العلم على أن خروج اللبن من ثدي المرأة لا ينقض الوضوء، وكذلك البزاق، والمخاط،
والدمع الذي يسيل من العين، والعرق الذي يخرج من سائر الجسد، والجشاء المتغير الذي يخرج من الفم، والنفس الخارج من الأنف، والدود الساقط من القرح، كل هذا لا ينقض طهارة، ولا يوجب وضوءاً”2.
المخاط:
تعريفه: في معجم لغة الفقهاء: “المخاط: بضم الميم جمعه أمخطة، إفرازات لزجة تفرزها أغشية الأنف”3.
حكمه:
سبق نقل الإجماع على طهارته، ونُضيف قول الشافعي رحمه الله من كتاب الأم: “… وإذا وضع المرء ماء فاستن بسواك، وغمس السواك في الماء، ثم أخرجه؛ توضأ بذلك الماء؛ لأن أكثر ما في السواك ريقه، وهو لو بصق، أو تنخم، أو امتخط في ماء لم ينجسه…”4.
البصاق: تعريفه: جاء في القاموس: هو “ماءُ الفَمِ إذا خَرَجَ منه، وما دَام فيه: فَرِيقٌ”5، وفي المعجم الوسيط: هو ” الريق إذا لفظ، والأخلاط التي تفرزها مسالك التنفس عند المرض”6، وجاء في مجلة البحوث الإسلامية: “هو اللعاب الحامل لكثير من الجراثيم والميكروبات، ولهذا يعمد الأطباء إلى تحليله لتشخيص نوع المرض مثل مرض السل مثلاً، فإن من طرق تشخيصه تحليل بصاق المريض”7، ويقال له: البساق، والبزاق، ولكنه بالصاد أفصح.8
حكمه: طاهر، قال ابن تيمية رحمه الله: “وأما الغسل فإن الثوب قد يغسل من المخاط، والبصاق، والنخامة؛ استقذاراً لا تنجيساً؛ ولهذا قال سعد بن أبي وقاص وابن عباس: (أمطه عنك –أي المني- ولو بإذخرة؛ فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق)9“10؛
فدل هذا على طهارة البصاق” ووجه الدلالة منه ظاهرة وهي أن الرسول ﷺ شبَّه المني بالمخاط والبصاق11 مما يدل على طهارته، وأمر بإماطته بأي كيفية كانت ولو بإذخرة لأنه مستقذر طبعاً”12، وسبق كلام ابن المنذر رحمه الله، وقال ابن حجر رحمه الله: “… وفيها أن البصاق طاهر، وكذا النخامة، والمخاط خلافاً لمن يقول كل ما تستقذره النفس حرام”13.
– ومن أحكام البصاق: أنه يكره في المسجد؛ لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ((البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) رواه البخاري برقم (405)، ومسلم برقم (1259)، وهو عندهما بلفظ البزاق، والتفال، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ رأى بصاقاً في جدار القبلة فحكَّه، ثم أقبل على الناس فقال: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى)) رواه البخاري برقم (406) ومسلم برقم (1251).
اللعاب:تعريفه: هو “الريق الذي يسيل من الفم”14.
حكمه: طاهر، لقول النبي ﷺ : ((إن المسلم لا ينجس)) رواه البخاري (283)، ومسلم (372)، ولعاب الإنسان يدخل في عموم هذا الحديث، ولأحاديث أخرى خاصة بموضوع اللعاب منها ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: ((أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر؛ فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي: كبر فدفعته إلى الأكبر منهما)) رواه البخاري (2271) ومسلم (2271)، وجاء في مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي ﷺ فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي ﷺ فيضع فاه على موضع فيَّ” رواه مسلم (300).
إذن فسؤر الآدمي طاهر ذكراً كان أو أنثى ولو كانت حائضاً، إلا في حال شرب الخمر لنجاسة فمه15 قال النووي رحمه الله: “واعلم أنه لا فرق في العرق واللعاب، والمخاط والدمع؛ بين الجنب والحائض والطاهر، والمسلم والكافر، والبغل والحمار، والفرس والفأر، وجميع السباع والحشرات، بل هي طاهرة من جميعها، ومن كل حيوان طاهر، وهو ما سوى الكلب والخنزير وفرع أحدهما، ولا كراهة في شئ من ذلك عندنا، وكذا لا كراهة في سؤر شئ منها، وهو بقية ما شربت منه، والله أعلم”16.
ما يسيل عند النوم من الفم:
حكمه: ما يسيل من الفم وقت النوم طاهر17.
العرق: تعريفه: “لغة: ما جرى من أصول الشعر من ماء الجلد، ويستعمل عند الفقهاء بمعنيين:
الأول: ما رشح من البدن (وهو المقصود في بحثنا هذا).
والآخر: نوع من المسكرات يقطر من الخمر، ويسمى عرقياً”18.
حكمه: جاء في كتاب (الأم) للشافعي رحمه الله: “(قال الربيع): وعرق النصرانية، والجنب، والحائض طاهر، وكذلك المجوسي، وعرق كل دابة طاهر،وسؤر الدواب والسباع كلها طاهر إلا الكلب والخنزير، (قال الربيع): وهو قول الشافعي…”.19
ماء القروح: تعريفه: وهو كل ما سال من الجرح.
حكمه: قال النووي رحمه الله: “وأما ماء القروح فإن كان له رائحة فهو نجس كالقيح، وإن لم يكن له رائحة فهو طاهر كرطوبة البدن… وكذا ماء القروح المتغير نجس بالاتفاق، وأما غير المتغير فطاهر على المذهب…”20،
وقال ابن تيمية رحمه الله: “وماء القروح إن كان متغيراً فهو كالقيح، وإلا فهو طاهر..”21.
وقال ابن عثيمين رحمه الله: “لا يُنقض الوضوء إلا من شيء واحد، وهو ما خرج من السبيلين القبل والدبر، وما عدا ذلك فإنه لا ينقض الوضوء، القيء، والدم، وماء القروح؛ وغيرها كلها لا تنقض الوضوء قلَّت أو كثرت”22.
البول:تعريفه: واحد الأبوال، يقال: بال الإنسان والدابة، يبول بولاً ومبالاً، فهو بائل.
ثم استعمل البول في العين أي في الماء الخارج من القبل”23.
حكمه:
“اتفق الفقهاء على نجاسة بول وعذرة الآدمي، وبول وروث ما لا يؤكل لحمه؛ لما ورد أنه “جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي ﷺ ، فلما قضى بوله أمر النبي ﷺ بذنوب من ماء فأهريق عليه” رواه البخاري برقم (221)، وقوله ﷺ : ((استنزهوا من البول))24…”.
طريقة تطهير الأرض من البول:
“قال الإمام أحمد رحمه الله: “بول الأعرابي يجزيه أن يصب عليه الماء دلوا أو دلوين”25.
المني:
تعريفه: هو ما يخرج عند اللذة الكبرى كالجماع ونحوه.
حكمه: الراجح من أقوال أهل العلم طهارته؛ إذ كيف يكون نجساً وقد خلق الإنسان منه، فلو قلنا بنجاسته سيكون إذا المؤمن نجساً، وقد قال ﷺ : ((إن المسلم لا ينجس))رواه البخاري (283)، ومسلم (372)، لكن تكريماً لهذا الإنسان جعل الله تعالى هذا المني الذي خلق منه نسل آدم عليه السلام طاهراً، وإن كان يستحب غسله إذا كان رطباً،وفركه إن كان يابساً؛ وذلك لعمل عائشة رضي الله عنها مع المني الذي كان يصيب ثوب النبي ﷺ ، وإقرار النبي ﷺ لفعلها، قالت عائشة رضي الله عنها: “كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً، وأغسله إذا كان رطباً”26، ومرَّ قول ابن عباس رضي الله عنه: “المني بمنزلة المخاط، فأمطه عنك ولو بإذخرة”.
من أحكام المني:
– “إراقة المني:
يعبر الفقهاء عن إراقة المني خارج الفرج عند الوطء بالعزل، وهو جائز عن الحرة بإذنها، ولا يحتاج إلى الإذن عن الأمة في الجملة”27.
– “إنزال المني لمرض أو برد ونحو ذلك:
يرى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) أن خروج المني لغير لذة وشهوة بأن كان بسبب برد أو مرض، أو ضربة على الظهر، أو سقوط من علو، أو لدغة عقرب، أو ما شابه ذلك؛ لا يوجب الغسل، ولكن يوجب الوضوء، أما الشافعية فإنه يجب الغسل عندهم بخروج المني سواء أكان بشهوة ولذة أم كان بغير ذلك، بأن كان لمرض ونحوه مما سبق، وهذا إذا خرج المني من المخرج المعتاد، وكذا الحكم إذا خرج من غير مخرجه المعتاد وكان مستحكماً، أما إذا لم يكن مستحكماً مع خروجه من غير المخرج المعتاد فلا يجب الغسل”28.
“المني الرطب:
يختلف حكم المني الرطب عن المني اليابس عند جمهور الفقهاء.
فيذهب الحنفية إلى أن محل المني اليابس يطهر بفركه، ولا يضر بقاء أثره، فإن كان رطباً فلا بد من غسله، ولا يجزئ الفرك، وعند المالكية لا تطهر النجاسة إلا بالغسل فيما لا يفسد بالغسل، وعند الشافعية يسن غسل المني مطلقاً سواء كان رطباً أو جافاً، وعند الحنابلة يسن غسله رطباً وفركه جافاً لقول عائشة رضي الله عنها في المني: “لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً، فيصلي فيه” علماً بأن الحنفية والمالكية يقولون بنجاسة المني، خلافاً للشافعية والحنابلة الذين يقولون بطهارته”29.
إذا نزل المني بعد الغسل من الجنابة:
“من اغتسل من احتلام أو جماع ثم خرج منه شيء بعد الغسل دون شهوة لم يلزمه إعادة الغسل، قال ابن قدامة رحمه الله: (فصل: فأما إن احتلم، أو جامع؛ فأمنى، ثم اغتسل، ثم خرج منه مني فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه، قال الخلال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله (أي الإمام أحمد) أنه ليس عليه إلا الوضوء بال أو لم يبل، فعلى هذا استقر قوله.
وروي ذلك عن علي وابن عباس، وعطاء والزهري، ومالك والليث، والثوري وإسحاق، وقال سعيد بن جبير: لا غسل عليه إلا من شهوة.
وفيه رواية ثانية: إن خرج بعد البول فلا غسل فيه، وإن خرج قبله اغتسل، وهذا قول الأوزاعي وأبي حنيفة، ونقل ذلك عن الحسن; لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة فأوجب الغسل كالأول، وبعد البول خرج بغير دفق وشهوة، ولا نعلم أنه بقية الأول; لأنه لو كان بقيته لما تخلف بعد البول.
وقال القاضي: فيه رواية ثالثة: عليه الغسل بكل حال، وهو مذهب الشافعي; لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث، وقال في موضع آخر: لا غسل عليه، رواية واحدة; لأنه جنابة واحدة، فلم يجب به غسلان كما لو خرج دفعة واحدة…) انتهى من المغني (1/128).
والصحيح أنه إذا خرج بغير شهوة لم يجب الغسل كما في الإنصاف (1/232)، وكشاف القناع (1/141)، ونصه: (فإن خرج المني بعد الغسل من انتقاله) لم يجب الغسل، (أو) خرج المني (بعد غسله من جماع لم ينزل فيه) بغير شهوة لم يجب الغسل، (أو خرجت بقية مني اغتسل
له بغير شهوة لم يجب الغسل) لما روى سعيد عن ابن عباس أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ قال: يتوضأ، وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي، ولأنه مني واحد فأوجب غسلاً واحداً كما لو خرج دفقة واحدة، ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد، وبه علل أحمد قال: لأن الشهوة ماضية، وإنما هو حدث؛ أرجو أن يجزئه الوضوء) انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (قوله: “فإن خرج بعده لم يُعِده” أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة فإنه لا يعيد الغسل، والدليل:
1- أن السبب واحد؛ فلا يوجب غسلين.
2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة.
لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني) انتهى من الشرح الممتع (1/281).
المشروع في غسل الجنابة:
إزالة ما لوث البدن من مني وغيره، ثم الشروع في الاغتسال بالبدء بأعضاء الوضوء، ثم إفاضة الماء على سائر الجسد، لثبوت ذلك في صفة غسله ﷺ فقد روى البخاري (251) ومسلم (476) عن مَيْمُونَة رضي الله عنها قَالَتْ: صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ غُسْلاً فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا” وإن حصل منك إزالة لشيء من النجاسات أو غيرها فإن هذا لا يبطل الغسل لأن الواجب في الغسل تعميم الجسد بالماء – مع المضمضة والاستنشاق على الصحيح – مع نية الغسل، وليس من شروط رفعه للحدث عدم ملامسة النجاسة في أثنائه، والله أعلم”30.
الفروق بين المني والمذي والودي:
الفروق بشكل عام:
الفرق الأول: في الصفات:
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: “قال العلماء: مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين، يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة، ويخرج بشهوة، ويتلذذ بخروجه، وإذا خرج استعقب خروجه فتوراً، ورائحة كرائحة طلع النخل، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين، وقيل تشبه رائحته رائحة الفصيل، وقيل: إذا يبس كان رائحته كرائحة البول، فهذه صفاته، وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يستقل بكونه منياً وذلك بأن يمرض فيصير منيه رقيقاً أصفر، أو يسترخي وعاء المنى فيسيل من غير التذاذ وشهوة، أو يستكثر من الجماع فيحمر ويصير كماء اللحم، وربما خرج دماً عبيطاً، وإذا خرج المنى أحمر فهو طاهر موجب للغسل كما لو كان أبيض، ثم أن خواص المنى التي عليها الاعتماد في كونه منياً ثلاث: أحدها: الخروج بشهوة مع الفتور عقبه، والثانية: الرائحة التي شبه الطلع كما سبق، الثالث: الخروج بزريق ودفق ودفعات، وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منياً، ولا يشترط اجتماعها فيه…”31.
أما المذي: فهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو إرادته، ولا يجد لخروجه منه شهوة ولا دفعاً، ولا يعقبه فتور، يكون ذلك للرجل والمرأة، وهو في النساء أكثر من الرجال قاله الإمام النووي في شرح مسلم (3/213).
“أما الودي فإنه عصارة تخرج بعد البول نقط بيضاء في آخر البول…”32.
الفرق الثاني: في الحكم المترتب على خروجها من الإنسان:
المنيّ يوجب الغسل من الجنابة سواء كان خروجه يقظة بجماع أو غيره، أو كان في المنام بالاحتلام.
أما المذي فإنه يوجب الوضوء فقط، ودليل ذلك ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً مذّاء، فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: ((فيه الوضوء)) متفق عليه، واللفظ للبخاري، قال ابن قدامة في المغني (1/168): قال ابن المنذر: “أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر، وخروج البول من ذكر الرجل وقُبل المرأة، وخروج المذي، وخروج الريح من الدبر؛ أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة”.
وأما الودي: فقد قال ابن عثيمين – رحمه الله-: “وأما المذي والودي والبول فكلها توجب الوضوء”33.
الفرق الثالث: الحكم من جهة الطهارة والنجاسة:
المني طاهر على القول الراجح من أقوال العلماء، ودليل ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه” متفق عليه، وفي رواية لمسلم “ولقد كنت أفركه من ثوب رسول الله ﷺ فركاً، فيصلي فيه” وفي لفظ: “لقد كنت أحكّه يابساً بظفري من ثوبه”، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك غسله وهو رطب، ويكتفي بمسحه بعود ونحوه كما روى الإمام أحمد في مسنده (6/243) عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان رسول الله ﷺ يسلت (يزيل ويميط) المني من ثوبه بعرق الأذخر، ثم يصلي فيه، ويَحتّه من ثوبه يابساً ثم يصلي فيه”، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، وحسنه الشيخ الألباني في الإرواء (1/197).
أما المذي فإنه نجس لحديث علي المتقدم ذكره والذي جاء في بعض طرقه أن النبي ﷺ أمر بغسل الذكر والأنثيين (أي الخصيتين)، وأن يتوضأ كما أخرجه أبو عوانة في مستخرجه، وقال ابن حجر في التلخيص: وهذا إسناد لا مطعن فيه، فهو نجس يجب غسل الذكر والأنثيين من خروجه، ويُبطل الطّهارة.
وأما الودي: فقد مرَّ أن حكمه حكم البول.
حكم الثوب إذا أصابه المني والمذي أو الودي:
على القول بطهارة المني فإنه لو أصاب الثوب لا ينجّسه، ولو صلى الإنسان بذلك الثوب فلا بأس بذلك، قال ابن قدامة في المغني (1/763): “وإن قلنا بطهارته أستحب فركه، وإن صلى من غير فرك أجزأه”.
أما المذي: فإنه يكتفى بنضح الثوب للمشقة في ذلك، ودليل ذلك ما رواه أبو داود في سننه عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر من الاغتسال، فسالت رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: ((إنما يجزئك من ذلك الوضوء))، قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: ((يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها ثوبك حيث ترى (أي تظنّ) أنه أصابه“، ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا. أ.هـ، قال صاحب تحفة الأحوذي (1/373): “واستدل به على أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي نضحه، ورشّ الماء عليه، ولا يجب غسله، والله تعالى أعلم”34.
وأما الودي: فيجب غسل الثوب منه كما نغسله إن وقع فيه البول.
وأما الرطوبة عند المرأة:
“فهي الإفرازات التي تخرج من الرحم وهي شفافة، وقد لا تشعر المرأة بخروجها، وتختلف النساء فيها قلةً وكثرةً.
وأما الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة (المني والمذي والرطوبة) من حيث الحكم:
فالمني طاهر لا يجب غسل الثوب منه، ويجب الاغتسال بعد خروجه سواء كان خروجه في النوم أو في اليقظة بسبب الجماع، أو الاحتلام أو غير ذلك.
والمذي نجس فيجب غسله إذا أصاب البدن، وأما الثوب إذا أصابه المذي فيكفي لتطهيره رشه بالماء، وخروج المذي ينقض الوضوء، ولا يجب الاغتسال بعد خروجه.
أما الرطوبة فهي طاهرة لا يجب غسلها، ولا غسل الثياب التي أصابتها، وهي ناقضة للوضوء إلا إذا كانت مستمرة من المرأة فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها خروج الرطوبة بعد ذلك”35.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا التأويل، والحمد لله رب العالمين.
1 الموسوعة الفقهية الكويتية (30/61).
2 الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/157).
3 معجم لغة الفقهاء محمد قلعجي (1/414).
4 كتاب: الأم (1/18).
5 القاموس المحيط (1/1121) لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي.
6 المعجم الوسيط (1/60).
7 مجلة البحوث الإسلامية (71/372).
8 انظر: تاج العروس من جواهر القاموس (25/83).
9 رواه عن ابن عباس الترمذي برقم (117)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
10 مجموع الفتاوى (21/589).
11 على قول من يرى رفع الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم.
12 إتحاف النبهاء بضوابط الفقهاء (1/127).
13 فتح الباري لابن حجر (1/ 514).
14 الموسوعة الفقهية الكويتية (8/96).
15 انظر: البحر الرائق (1/ 133)، والمغني (1/70).
16 المجموع (2/559) فائدة: قال النووي أيضاً في المجموع: “ومراد الفقهاء بقولهم (سؤر الحيوان طاهر أو نجس): لعابه ورطوبة فمه” المجموع (1/172).
17 الفروع وتصحيح الفروع (1/215).
18 الموسوعة الفقهية الكويتية (30/61).
19 الأم (1/18).
20 المجموع (2/558) تنبيه مهم: وقع في حاشية الروض المربع لابن قاسم (1/351) ما يلي: “وقال النووي: الدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافاً عن أحد من المسلمين، وقال: القيح نجس بلا خلاف، وكذا ماء القروح نجس” انتهى، والصحيح أن النووي رحمه الله قيَّد نجاسة ماء القروح بقوله: “المتغير” كما نقلناه في متن هذا البحث، فليتنبه لهذا.
21 شرح العمدة في الفقه (الطهارة) (1/105).
22 الشرح المختصر على بلوغ المرام (الطهارة والصلاة والصوم) (2/110)، شرحه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.
23 الموسوعة الفقهية الكويتية (8/56).
24 أخرجه البزار في مسنده برقم (4907) وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (158): صحيح لغيره.
25 مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح (3/49) المسألة رقم (1314).
26 رواه الدارقطني في سننه الحديث (3) في باب: ما ورد في طهارة المني وحكمه رطباً ويابساً، وصحح الحديث الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، برقم الحديث (180).
27 الموسوعة الفقهية الكويتية (3/7).
28 الموسوعة الفقهية الكويتية (6/333).
29 الموسوعة الفقهية الكويتية (22/261-262).
30 موقع الإسلام سؤال وجواب سؤال رقم 2458 بتصرف.http://islamqa.com/ar/ref/44945.
31 شرح النووي على مسلم (3/222-223).
32 مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (11/162).
33 مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (11/162).
34 هذه الفروق وحكم الثوب بتصرف يسير من موقع الإسلام سؤال وجواب http://islamqa.com/ar/ref/2458.
35 موقع الإسلام سؤال وجواب http://www.islam-qa.com/ar/ref/99507.