من أحكام الشَعْر في الشرع الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين وإله الأولين والآخرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أجمعين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمابعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن قال فيهم رسوله الكريم عليه صلوات وسلام رب العالمين: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين))1.
نعلم جميعاً بل ونعتقد أن دين الله الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده في هذه الدنيا، وأن هذه الدين الذي بلغه نبينا ﷺ شامل كامل لكل جوانب الحياة، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: “تركنا رسول الله ﷺ وما طائريقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علماً” قال: فقال ﷺ : ((ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم))2، وقيل لسلمان الفارسي رضي الله عنه: ” لقد علمكم نبيكم ﷺ كل شيءحتى الخراءة!! قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وأن لا نستنجي باليمين وأن لا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم”3، ومما بينه النبي ﷺ هذا الشَعر الذي كساه الله هذا الإنسان، فنحب أن يكون موضوعنا لهذا الدرس الفقهي تحت عنوان: من أحكام الشَعْر في الشرع الإسلامي؛ فلقد وردت نصوص شرعية كثيرة فيه، سنقف عليها أو على جلها – بإذن الله – في هذاالبحث.
فنقول والله المستعان
أولاً: شعر الرأس جواز إطالته وحلقه أو تقصيره:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان شعر النبي ﷺ إلى نصف أذنيه)4 وعند البخاري عن أنس قال: (كان يضرب شعر النبي صلى الله عليه وسلم منكبيه)5.
قال الألباني رحمه الله: “وحلق شعر الرأس مباح وكذا توفيره لمن يكرمه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: ((احلقوا كله أو ذروا كله))6.
“وهو يدل على الترخيص في حلق جميع الرأس ولكن في حق الرجال”7.
“الأول: لا بأس بحلق الشعر كله للتنظيف، قاله ابن عبدالبر والقرطبي وغيرهما، وقال البرزلي: إنه ظاهر المذهب، بل حكى ابن عبدالبر الإجماع على جوازه، وقال الحطاب في حاشية الرسالة: (إنما يحبس الشعر اليوم غالبا من لا خلاق له، أو من ليس من أهل العلم، أو لغرض فاسد، وقل من يفعله إتباعا للسنة، فيكون الحلق أولى، خلافا لمن قال بالمنع أو بالكراهة).
الثاني: قال الحافظ ابن حجر: “ كما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة، وقد أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: “نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها”، وهو عند أبي داود من هذا الوجه بلفظ: ((ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير))8 والله أعلم”9 ا.هـ، وقال المناوي: “أما الأنثى فحلقها له مكروه حيث لا ضرر، بل إذا كانت مفترشة ولم يأذن الحليل حرم، بل عده في “المطامح” من الكبائر، وشاع على الألسنة أن المرأة إذا حلقت رأسها من غير إذن زوجها سقط صداقها، وذلك صرخة من الشيطان لم يقل به أحد”10ا.هـ.
الثالث: “قال بعض شراح المصابيح: لم يحلق النبي ﷺ في سني الهجرة إلا ثلاث مرات، في الحديبية وعمرة القضاء وحجة الوداع، وقال في جمع الوسائل: لم يرو تقصير الشعر منه إلا مرة واحدة”11.
عن نافع مولى عبد الله أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله ﷺ : ((ينهى عن القزع))، قال عبيد الله قلت: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله قال: إذا حلق الصبي وترك ها هنا شعرة وها هنا وها هنا فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري، هكذا قال: الصبي. قال عبيد الله: وعاودته، فقال: أما القُصَّة والقفا للغلام فلا بأس بهما ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر وليس في رأسه غيره، وكذلك شق رأسه هذا وهذا12.
“قال الكرماني ولا شك أنه ظاهر في الغلام ويحتمل أن يقال أنه فعيل يستوي فيه المذكرة والمؤنث أو هو للذات الذي له الصبا والقصة بضم القاف وتشديد الصاد المهملة، وقال ابن التين هي بفتح القاف، وقيل الضم هو الصواب والمراد به هنا شعر الصدغين والمراد بالقفا شعر القفا وهو مقصور يكتب بالألف وربما مد”13.
النهي عن القزع:
“والقزع أن يحلق بعض الرأس ويترك بعضه سواء كان من جانب واحد أو من كل الجوانب أومن فوق ومن يمين ومن شمال ومن وراء ومن أمام المهم أنه إذا حلق بعض الرأس وترك بعضه، فهذا قزع وقد نهى عنه النبي ﷺ “14.
قال النووي رحمه الله: “وهذا الذي فسره به نافع أو عبيد الله هو الأصح وهو أن القزع حلق بعض الرأس مطلقاً ومنهم من قال: هو حلق مواضع متفرقة منه، والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به”15
قال في إكمال الإكمال ما نصه: “المازري: لم يختلف أنه إذا حلقت مواضع حتى صار الشعر مفرقاً، أنه مكروه، واختلف إذا حلق الجميع وترك موضعاً كالناصية، أو حلق موضعها وترك الأكثر، عياض: فمنعه مالك ورآه من القزع حتى في الجارية والغلام، وقال نافع: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس به، وأما أن يترك لناصيته شعراً دون غيرها فذلك القزع، واختلف في علة النهي، فقيل لما فيه من التشويه، وقيل لأنه زي أهل الدعارة والشر، فيرجع الأمر في ذلك إلى عادة البلاد، فمن عادتهم أنه يفعله غير أهل الشر فلاينبغي أن ينكر، وفي هذا نظر، لأن العوائد لا تغير السنن المأثورة، والنهي عن ذلك سنة، وعلله أبو داود بأنه زي اليهود”ا،هـ منه “16.
الحكمة من النهي عن القزع:
قال العيني رحمه الله: ” فإن قلت: ما الحكمة في النهي عن القزع؟ قلت: تشويه الخلقة، وقيل: زي اليهود، وقيل: زي أهل الشر والدعارة، وقال النووي في شرح مسلم: أجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة إلا أن يكون لمداواة ونحوها،وهي كراهة تنزيه. وقال الغزالي في الإحياء: لا بأس بحلق جميع الرأس لمن أراد التنظيف، ولا بأس بتركه لمن أراد أن يدهن ويترجل، وادعى ابن عبد البر الإجماع على إباحة حلق الجميع، وهو رواية عن أحمد وروى عنه أنه مكروه لما روى عنه أنه من وصف الخوارج”17.
ترجيل الشعر – مشطه – والتيمن في ذلك:
عن عائشة رضي الله عنه عن النبي ﷺ ((أنه كان يعجبه التيمن مااستطاع في ترجله ووضوئه))18.
قال ابن حجر رحمه الله: “والتيمن في الترجل أن يبدأ بالجانب الأيمن وأن يفعله باليمنى، قال ابن بطال: الترجيل تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه، وهو من النظافة وقد ندب الشرع إليها، وقال الله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: 31]، وأما حديث النهي عن الترجل إلا غباً…فالمراد به ترك المبالغة في الترفه وقد روى أبو أمامة بن ثعلبة رفعه ((البذاذة من الإيمان )) ا هـ…، والبذاذة بموحدة ومعجمتين رثاثة الهيئة، والمراد بها هنا ترك الترفه والتنطع في اللباس والتواضع فيه مع القدرة لا بسبب جحد نعمة الله تعالى، وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن بريدة ” أن رجلاً من الصحابة يقال له عبيد قال: كان رسول الله ﷺ ينهى عن كثير من الإرفاه ” قال ابن بريدة الإرفاه الترجل، قلت: الإرفاه بكسر الهمزة وبفاء وآخره هاء: التنعم والراحة، ومنه الرَّفَه بفتحتين وقيده في الحديث بالكثير إشارة إلى أن الوسط المعتدل منه لا يُذم، وبذلك يجمع بين الأخبار. وقد أخرج أبو داود بسند حسن عن أبي هريرة رفعه “من كان له شعر فليكرمه”19.
تعاهده وإكرامه:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتانا رسول اللهﷺ زائرا في منزلنا – فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال: ((أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟!)) ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال: ((أماكان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه ؟!))20، وورد الحديث بلفظ: دخل عليه ﷺ رجل ثائر الرأس أشعث اللحية فقال: ((أما كان لهذا دهن يسكن به شعره؟!))، ثم قال: ((يدخل أحدكم كأنه شيطان!!))، وورد بلفظ آخر: كان رسول الله ﷺ يدخل المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله ﷺ بيده: أن اخرج؛ كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته ففعل الرجل، ثم رجع فقال رسول الله ﷺ :((هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان))“21.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : ((من كان له شعر فليكرمه))22.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: ((أكرموا الشعر))23.
تطييب شعر الرأس واللحية وخضبه:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كأني انظر إلى وبيص24 الطيب في مفارق رسول الله ﷺ وهو محرم))25.
وعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: ((دخلت على أم سلمة فأخرجت إلينا شعرا من شعر النبي ﷺ مخضوباً))26.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى النبي ﷺ وكأن رأسه ثغامة27 فقال رسول الله ﷺ : ((اذهبوا به إلى بعض نسائه فلتغيره وجنبوه السواد))28.
النهي عن كثرة الانشغال به:
إن الشارع الحكيم تعظيماً منه لوقت المسلم الغالي، وحرصاً منه على حفظه فيما ينفعه عند ربه، نهى المسلم الإفراط ومجاوزة حد العدل في كل شيء، ولو كان العمل في أصله مندوب إليه، لكن عندما يجاوز المسلم به حده يوقفه الشارع عند ذلك، من هذا الأمر أن الشارع عندما أمر وحث على تعاهد الشعر وإكرامه، نهى عن كثرة الانشغال به حتى يصل بالمسلم إلى أن يقدم المفضول على الفاضل، فإن ” قوله: ((فليكرمه)) ليس معناه أنه يكون هو شغله الشاغل ويعتني به دائماً وأبداً ويشغل نفسه بالترفه والتنعم، وإنما يكون بالتوسط والاعتدال كما جاء توضيح ذلك في الأحاديث السابقة.”29
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “ويستحب الترجل غباً وهو تسريح الشعر ودهنه…وقال جابربن سمرة: (كان رسول الله ﷺ قد مشط رأسه ولحيته فكان إذا ادهن لم يتبين وإذا شعث رأسه تبين وكان كثير شعر اللحية)30.. بل ورد عن عبد الله بن المغفل قال:((نهى رسول الله ﷺ عن الترجل إلا غباً))31…
قال أحمد رحمه الله: معناه يدهن يوماً ويوماً لا، والقصد أن يكون ادهانه في رأسه وبدنه متوسطاً على حسب حاله، حتى لو احتاج إلى مداومته لكثرة شعره وقحول بدنه جاز؛ لما روى عن أبي قتادة أنه كانت له جمة ضخمة فسأل النبي ﷺ فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم رواه النسائي”32.
و”عن عبد الله بن برده: أن رجلاً من أصحاب النبي ﷺ رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه وهو يمد ناقة له فقال: إني لم آتك زائرا؛ وإنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله ﷺ رجوت أن يكون عندك منه علم، فرآه شعثاً فقال: مالي أراك شعثاً وأنت أمير البلد ؟! قال: إن رسول الله ﷺ كان ينهانا عن كثير الإرفاه…”33.
شعر الحاج :
إن لشَعر الحاج في الشريعة الإسلامية حكماً خاصاً، في هذا الركن من أركان الإسلام،جاء ذلك الحكم في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة:196].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: ((اللهم ارحم المحلقين ))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: ((اللهم ارحم المحلقين))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: (( والمقصرين ))34.
في هذا الحديث بيان أن الحلق أفضل من التقصير للحاج أو المعتمر، لأن النبي ﷺ دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة.
قال النووي: “أجمع العلماء على أن الحلق أفضل من التقصير وعلى أن التقصير يجزئ”35.
وقال: “ووجه فضيلة الحلق على التقصير أنه أبلغ في العبادة، وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى، ولأن المقصر مبق على نفسه الشعر الذي هو زينة، والحاج مأمور بترك الزينة بل هو أشعث أغبر”36.
ويستثنى حالة واحدة يكون فيها التقصير أفضل من الحلق: وذلك للمتمتع، فإن التقصير أفضل لأجل أن يتوفر الشعر للحلق في الحج، ولهذا لما قدم النبي ﷺ في اليوم الرابع من ذي الحجة أمر أصحابه بالتحلل أمرهم بالتقصير فقال: وليقصر ثم ليحل.
بالنسبة للمرأة فإن المشروع لها أن تقصر مقدار أنملة، قال ابن قدامة: “لا خلاف في ذلك”37.
لكن النساء يختلف حكمهن في هذا عن الرجال، قال الحافظ: وهذا -أي التخيير بين الحلق والتقصير وكون الحلق أفضل من التقصير- إنما هو في حق الرجال، وأما النساء فالمشروع في حقهن التقصير بالإجماع38.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ : ((ليس على النساء حلق؛ إنما على النساء التقصير))39.
ترجيل شعر المحرم:
“ذهب الحنفية إلى عدم جواز الترجيل للمحرم – وهو قول المالكية إذا كان الترجيل بالدهن- لقول النبي ﷺ :((الحاج الشعث التفل))40، والمراد بالشعث انتشار شعر الحاج فلا يجمعه بالتسريح والدهن والتغطية ونحوه وقال الشافعية بكراهية الترجيل للمحرم لأنه أقرب إلى نتف الشعر .
ويرى الحنابلة أن الترجيل في حالة الإحرام لا بأس به، ما لم يؤد إلى إبانة شعره.
أما إذا تيقن المحرم سقوط الشعر بالترجيل فلا خلاف بين الفقهاء في حرمته حينئذ”41.
شعر اللحية والشارب:
عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: ((خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب)) وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه42.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : ((انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى))43.
وعنه رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: ((أَحفوا الشوارب وأعفوا اللحى))44.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : ((جزواالشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس ))45، وفي رواية: ((وأوفوا اللحى))46.
قال الشوكاني رحمه الله: ” قوله: ((وأرخوا اللحى)) قال النووي: هو بقطع الهمزة والخاء المعجمة ومعناه اتركوا ولا تتعرضوا لها بتغيير قوله: ((وفروا اللحى)) هي إحدى الروايات وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات: أعفوا، وأوفوا، وأرخوا، وأرجوا، ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها .
قوله: ((خالفوا المجوس)) قد سبق أنه كان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك”47.
وعن زيد بن أرقم أن رسول الله ﷺ قال: ((من لم يأخذ من شاربه فليس منا))48.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يساوي لحيته يجعلها متساوية مع بعضها البعض ؟
فأجاب: ” الواجب: إعفاء اللحية، وتوفيرها، وإرخاؤها، وعدم التعرض لها بشيء؛ لما ثبت عنه ﷺ أنه قال: ((قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين)) متفق على صحته، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وروىالبخاري في صحيحه رحمة الله عليه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال: ((قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين)) وروى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبيﷺ أنه قال: ((جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)).
وهذه الأحاديث كلها تدل على وجوب إعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها، وعلى وجوب قص الشوارب، هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب الذي أرشد إليه النبي ﷺ وأمر به، وفي ذلك تأس به ﷺ وبأصحابه رضي الله عنهم، ومخالفة للمشركين، وابتعاد عن مشابهتهم وعن مشابهة النساء.
وأما ما رواه الترمذي رحمه الله، عن النبي ﷺ أنه كان يأخذ من حيته من طولها وعرضها فهو خبر باطل عند أهل العلم لا يصح عن النبي ﷺ ، وقد تشبث به بعض الناس، وهو خبر لا يصح ؛ لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب .
فلا يجوز للمؤمن أن يتعلق بهذا الحديث الباطل، ولا أن يترخص بما يقوله بعض أهل العلم، فإن السنة حاكمة على الجميع، والله يقول جل وعلا: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ويقول سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} والله ولي التوفيق”49.
شعر المضحي:
عن أم سلمة أن النبى ﷺ قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحى فليمسك عن شعره وأظفاره))50.
“وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود، ولا كفارة عليه ولا يمنعه ذلك عن الأضحية كما يظن بعض العوام، وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً، أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه، أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله، أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح ونحوه”51.
شعر الإبط والعانة:
وقد ورد في هذين أحاديث نذكر منها ما يلي: عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ : ((عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك، واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم52، ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء))، قال زكريا قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. زاد قتيبة قال وكيع: انتقاص الماء يعنى الاستنجاء53.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة)54.
شعر المرأة:
وما مضى من أحكام شعر الرجل من ترجيله وتطييبه وتعاهده يقال كذلك للنساء، إلا أن المرأة بالنظر إلى أن من أكثر الجمال فيها هو شعرها، فهو من أكثر ما يحبب المرأة لزوجها، حتى إنه مما ورد في هذا قولهم: إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل عن شعرها كما يسأل عن جمالها فإن الشعر أحد الجمالين55؛ فلهذا تخالف الرجل في بعض أحكام الشعر نذكر منها مايلي:
حلق شعر المرأة:
لم يرد في هذا فيما نعلم حديث عام صحيح صريح، إنما ورد أثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها أنا وأخوها من الرضاعة فسألها عن غسل النبي ﷺ من الجنابة ؟ فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها ستر، وأفرغت على رأسها ثلاثا قال، وكان أزواج النبي ﷺ يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة)56.
قال النووي رحمه الله: ” قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: المعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون والذوائب ولعل أزواج النبي ﷺ فعلن هذا بعد وفاته ﷺ ؛ لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر، وتخفيفا لمؤنة رؤوسهن، وهذا الذي ذكره القاضي عياض من كونهن فعلنه بعد وفاته ﷺ لا في حياته كذا قاله أيضا غيره وهو متعين، ولا يظن بهن فعله في حياته ﷺ ، وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء والله أعلم”57.
و”الظاهر أن المرأة ممنوعة من حلق الرأس مطلقًا إلا لضرورة، ولو كان الحلق يجوز لهالأمرت به في الحج؛ لأن الحلق نسك”58.
نمص الشعر ووصله:
النامصة: التي تنتف الشعر من وجهها، والمتنمصة : التي تأمر من يفعل بها ذلك59.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة))60.
وعن أسماء بنت أبى بكر قالت:جاءت امرأة إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة عريساً أصابتها حصبة فتمرق شعرها، أفأصله؟ فقال: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة))61.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله))، قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت:ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله ﷺ ؟! وهو في كتاب الله! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته! فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: {وماأتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }[الحشر: 7]، فقالت المرأة: فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن، قال: اذهبي فانظري، قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئاً، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها62.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم إزالة الشعر الذي ينبت في وجه المرأة؟
فأجاب: هذا فيه تفصيل: إن كان شعراً عادياً فلا يجوز أخذه لحديث: ((لعن رسول الله ﷺ النامصة والمتنمصة)) الحديث، والنمص هو أخذ الشعر من الوجه والحاجبين, أما إن كان شيئاً زائداً يعتبر مثله تشويهاً للخلقة كالشارب واللحية فلا بأس بأخذه ولا حرج؛ لأنه يشوه خلقتها ويضرها63.
شعر المرأة الميتة:
كانت أم عطية رضي الله عنها تحدث ((أنهن جعلن رأس بنت رسول الله ﷺ ثلاثة قرون نقضنه، ثم غسلنه، ثم جعلنه ثلاثة قرون))64.
الشعور التي لم يرد فيها نص شرعي:
قد تكلم بعض العلماء في هذه المسألة، ومنهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ذكر في هذاكلاماً مفيداً، نورده هنا لأهميته، ذكر أن الكلام في المسألة مبني على ” قاعدة، وهي أن إزالة الشعور لها ثلاث حالات: مأمور به، ومنهي عنه، ومسكوت عنه، فالمأمور به العانة، والإبط، والشارب، وهذه تزال ولا إشكال، والمنهي عنه اللحية بالنسبة للرجال، والنمص بالنسبة للرجال والنساء، والنمص هو نتف شعر الوجه، سواء الحاجبان أو غيرهما،والمسكوت عنه اختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز، أو يكره، أو يحرم؟”65.
“القسم الثالث: بقية الشعور التي ليس فيها أمر ولا نهي، فقال بعض الناس: إن أخذها حرام، لقول الله تعالى عن إبليس: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ}[النساء: 119] هذا يستثنى منه ما أمر بإزالته كالختان وما أشبه ذلك.
قالوا: وهذا مغير لخلق الله، بينما كان ساقه فيه الشعر أو ذراعه فيه الشعر أصبح الآن ليس فيه شعر.
ولاشك أن هذا القول والاستدلال وجيه، لكن إذا رأينا أن النبي ﷺ قسم الأشياء إلى ثلاثة أقسام قلنا: هذا مما سكت عنه، لأنه لو كان ينهى عنه لألحق بما نهي عنه، وهذه قرينة تمنع أن يكون هذا من باب تغيير خلق الله عزّ وجل أو يقال: هو من التغيير المباح.
والذي نرى في هذه المسالة: أن الشعر يبقى ولا يحلق ولا يقص، اللهم إلا إذا كثر بالنسبة للنساء حتى شوه الخلقة، فالمرأة محتاجة إلى الجمال والتجمل، فلا بأس، وأما الرجال فيقال: كلما كثر الشعر دلّ ذلك على قوة الرجل”66، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
1 رواه البخاري برقم (7312)، ومسلم برقم (2436) عن معاوية رضي الله عنه.
2 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (1648)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1803).
3 رواه أبو داود برقم (7)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (5).
4 رواه النسائي في السنن برقم (5234)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (234).
5 رواه البخاري برقم (5904).
6 غاية المنة في إتمام تمام المنة الجزء الأول كتاب الطهارة (1/53).
7 نيل الأوطار (1/155).
8 رواه أبو داود (1984).
9 فتح الباري (10/ 375).
10 فيض القدير (1/201).
11 إتحاف القاري بدرر البخاري (9/ 149).
12 رواه البخاري برقم (5920).
13 عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/58).
14 شرح رياض الصالحين لابن عثيمين رحمه الله (1/1947).
15 شرح النووي على مسلم (14/101).
16 إكمال إكمال المعلم (5/404-405).
17 عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/58).
18 صحيح البخاري (5582).
19 فتح الباري (10/ 368).
20 رواه أحمد برقم (14850).
21 السلسلة الصحيحة مختصرة للألباني برقم (493).
22 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (8485) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (11439).
23 أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان برقم (1739) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (2100).
24 وبيص المسك من مفرقه: أي يبرق ويتلألأ . النهاية في غريب الأثر (4/488).
25 رواه البخاري برقم (1540)، مسلم برقم (2889) واللفظ للبخاري.
26 رواه البخاري برقم (5558).
27 الثغامة: نبت أبيض الزهر والثمر يشبه به الشيب، وقيل هي شجرة تبيض كأنها الثلج . النهاية في غريب الأثر (1/615).
28 رواه ابن ماجة في صحيحه برقم (3624)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.
29 شرح سنن أبي داود لعبد المحسن العباد (1 / 2).
30 رواه مسلم برقم (2344).
31 رواه أحمد برقم (16793)، وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم (28) وغيره .
32 شرح العمدة تحقيق العطيشان (1/ 227 – 228).
33 قال الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (502): “قلت وهذا إسناد حسن وهو صحيح على شرط الشيخين )، ( غريب الحديث: 1- الإرفاه: هو كثرة التدهن والتنعم وقيل: التوسع في المشرب والمطعم أراد ترك التنعم والدعة ولين العيش والحديث يرد هذا التفسير 2- الترجل: هو تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه.
34 رواه البخاري برقم (1640)ومسلم برقم (3205).
35 شرح النووي على صحيح مسلم (9/49).
36 شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 51).
37 إيقاظ الأفهام شرح عمدة الأحكام (4 / 101).
38مشكاة المصابيح للعلامة الشيخ ولي الدين العمري التبريزي، مع شرحه مرعاة المفاتيح للشيخ أبي الحسن عبيد الله المباركفوري(9 / 551).
39 رواه أبو داود برقم (1986)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1732).
40 مسند البزار (44/1)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (5478)
41 الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 179).
42 رواه البخاري برقم (5892).
43رواه البخاري برقم (5893).
44رواه مسلم برقم (623).
45 رواه مسلم برقم (626).
46 رواه مسلم برقم (625).
47 نيل الأوطار (1 / 141).
48 رواه الترمذي في سننه برقم (2761)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.
49 مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (4/443).
50 رواه مسلم برقم (5234).
51 فتاوى الإسلام سؤال وجواب (1/3598).
52 البراجم: هي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ الواحدة بُرجمة بالضم . النهاية في غريب الأثر (1 / 291).
53 رواه مسلم برقم (627).
54 رواه مسلم برقم (622).
55 وبعضهم يظنه حديثاً وليس بحديث، انظر: الموضوعات لابن الجوزي (2 /262) وغيره من كتب الموضوعات.
56 رواه مسلم برقم (320).
57 شرح النووي على مسلم (4/5).
58مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح (9/551).
59 النهاية في غريب الأثر (5/253).
60 رواه البخاري (5589).
61 رواه مسلم برقم (5687).
62 رواه البخاري برقم (5595)ومسلم برقم (2125) واللفظ له.
63 مجموع فتاوى ابن باز (6/402).
64 رواه البخاري برقم (1201) وانظر مسلم رقم (939).
65 الشرح الممتع على زاد المستقنع (12 / 403).
66 شرح الأربعين النووية (31 / 5).