الطريق إلى مغفرة الذنوب
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فمما لاشك فيه أن غاية كل مسلم أن يغفر الله ذنوبه، ويدخله الجنة، وينجيه من النار، والكل يسعى لذلك، فيفعل ما استطاع من المأمورات، ويجتنب المنهيات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم…))1.
وبما أننا في شهر الرحمات والعتق من النيران، فإننا بحاجة إلى معرفة الأسباب التي تباعدنا من النار وتقربنا من رضا الرحمن، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيقول كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))2.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه…))3.
فهذه أعمال ثلاثة مختلفة: صيام رمضان، قيام رمضان، قيام ليلة القدر، ولكن نتيجة هذه الأعمال واحدة: ((غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))، ولا بد من الإيمان والاحتساب في كل عمل من هذه الأعمال: ((إيماناً واحتساباً)) إيماناً بالله وبفرضية وشرعية هذه الأعمال، ورضىً بذلك، واحتساباً للأجر والثواب عند الله.
وقد يصوم المسلم رمضان إيماناً واحتساباً فيتحقق له الوعد النبوي المذكور في الحديث، فمن صام رمضان ولم يقمه فيرجى أن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه؛ لأن صيام رمضان فرض، وقيامه سنة.
ومن لم يقم رمضان كله ولكنه وفق لقيام ليلة القدر فيرجى أن يغفر الله له ما تقدم من ذنوبه..
ومع هذا كله فينبغي للمسلم أن يكون سباقاً لفعل الخير، والازدياد من ذلك؛ لأن الذنوب كثيرة، وقد لا تغفر الذنوب بعمل من الأعمال بل لابد من الازدياد من الأعمال الصالحة، أو قد يوجد موانع تمنع من مغفرة الذنوب؛ كالعجب أو الرياء، أو حصول الخلل والتقصير في ذلك العمل.
وكما هو معلوم فإن أبواب الجنة ثمانية؛ منها باب للصيام، وباب للجهاد، وباب للصدقة، فلابد أن يكون للإنسان عمل يؤهله لدخول الجنة من ذلك الباب، وأن تكون له همة عالية في دخول الجنة من الأبواب كلها؛ كما كانت همة الصديق رضي الله عنه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أنفق زوجين– أي عمل صنفين من أعمال البر- في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)). فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟. قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم))4.
فالمطلوب هو الحرص على القيام بهذه الأعمال على الوجه المطلوب شرعاً، وأن نحرص على أن يكون صيامناً صحيحاً بعيداً عن كل ما يخدشه أو ينقص الأجر، كما علينا أن نقوم رمضان، وأن لا ننصرف من خلف الإمام إلا وقد انتهى من صلاة القيام، وأن نحرص على تحري ليلة القدر في العشر الأواخر، وفي الوتر من لياليها أرجى، وفي ليلة سبع وعشرين آكد..
والله نسأل أن يمنَّ علينا بمغفرة الذنوب، وستر العيوب، وتنفيس الكروب. اللهم اجعلنا ممن صام وقام رمضان إيماناً واحتساباً فغفر له ما تقدم من ذنبه. اللهم اجعلنا ممن يوفق لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..