واجبنا نحو القرآن

واجبنا نحو القرآن

الحمد لله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن حق القرآن علينا كبير، وواجبنا نحوه عظيم، فمن حقه علينا الاعتقاد فيه بعقيدة أهل السنة والجماعة فهو كلام الله ​​​​​​​ ، مُنزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، ولا نقول: إنه حكاية الله ​​​​​​​، أو عبارة، بل هو عين كلام الله حروفه ومعانيه، نزل به من عند الله الروح الأمين على محمد خاتم المرسلين، وكل منهما مبلغ عن رب العالمين، ومن حقه علينا إنزاله منزلته، وتعظيم شأنه، واحترامه وتبجيله، وكمال محبته .. فهو كلام ربنا، ومحبته محبة لقائله قال ابن عباس : “من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله فليعرض نفسه على القرآن، فإن أحب القرآن فهو يحب الله، فإنما القرآن كلام الله، ومنها .. تعلم علومه وتعليمه والدعوة إليه قال  : خيركم من تعلم القرآن وعلمه1 فهو أفضل القربات، وأكمل الطاعات قال خبّاب  : “تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه”.

فاحرص أيها الأخ الحبيب على تعلم تلاوته، وتجويده، وكيفية النطق بكلماته وحروفه قال  : الماهر بالقرآن مع السفرة الكرم البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق؛ له أجران2. ثم أليس من الخزي – وأي خزي – أن يشيب الرجل في الإسلام وهو لا يحسن تلاوة القرآن؟! واحذر – وفقك الله – من القول فيه بلا علم، أو برأيك .. فهذا أبو بكر الصديق   لما سُئل عن آية من كتاب الله لا يعلم معناها قال: “أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني؛ إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم”3. واحرص – حرم الله وجهك على النار – على الإخلاص عند قراءته، وتعلمه، وتعليمه فقد ورد عنه  : أنه قال عن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة: ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار الحديث4.

ومنها المحافظة على تلاوته وترتيله قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ [فاطر:29] نعم .. كيف تبور تجارتهم وربحهم وافر قال رسول الله  : من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف5.

فاحرص – حفظك الله – أن يكون لك ورد يومي لا تتخلف عنه أبداً يفضي بك إلى ختم كتاب الله – تعالى – بصورة دورية، ولتكن قراءتك للقرآن بتدبر وخشوع، تقف حيث يحسن الوقوف، وتصل حيث يحسن الوصل، إن مررت بآية وعد سألت الله من فضله، وإن مررت بآية وعيد تعوذت، وإن مررت بآية تسبيح سبحت، وإن مررت بسجدة سجدت، واجتهد في تحسين صوتك بالقرآن، والتغني به لقوله : ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به6، ومعنى أذن: أي استمع، وليكن لليلك نصيب وافر من قراءتك وقيامك، فهو وقت الأخيار، وغنيمة الأبرار قال  : لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار الحديث7، قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً [الإسراء:79] ومنها فهم معانيه، وتدبرها، ومعرفة تفسيره، والاتعاظ به.

فالقرآن ما نزل إلا للتدبر والتفكر، والفهم والعمل قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ[ص:29] وكيف يطيب لعبد حال، ويهنأ بعيش أو منام؛ وهو يعلم أنه سيلقى الله – تعالى – يوماً وكتابه بين يديه، ولم يحسن صحبته، وقد يكون حجة عليه!

ومنها: الحرص على حفظه وتعاهده فهو غنيمة أصحاب الهمم العالية، والعزائم الصادقة لهم من رسول الله  بشارة السلامة من النار حيث قال: لو جُمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار8. ومن واجبنا نحو القرآن: إقامة حدوده، والعمل به، والتخلق بأخلاقه، وتحكيمه، فالعمل به أساس النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وهجره طريق الذلة والهلاك في الدنيا والآخرة فعن سمرة بن جندب   أن النبي : “رأى في منامه رجلاً مضطجعاً على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة، فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه.. فسأله عنه.. فقيل له: إنه رجل علَّمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة..”9.

أخي الكريم:

قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30] فترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره، واجتناب زواجره؛ من هجرانه، والعدول عنه الى غيره من شعر أو غناء أو لهو من هجرانه، وهجر القرآن طريق الى أن يكون القرآن حجة على العبد يوم القيامة.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وحجةً لنا لا علينا .. آمين.


1 رواه البخاري (4739).

2 رواه مسلم (798).

3 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (30103).

4 رواه مسلم (1905).

5 رواه الترمذي (2910)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3327).

6 متفق عليه.

7 متفق عليه.

8 رواه البيهقي في الشُعب (2700)، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (9397).

9 رواه البخاري (1320).