إفطار جماعي

إفطار جماعي

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله عز وجل قد شرع لعباده الصيام، وهي عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه، وذلك بإمساكه عن الأكل والشرب وامتناعه عن الجماع من الفجر إلى غروب الشمس، وهذه العبادة هي مدرسة يتعلم من خلالها المسلم الكثير من الأخلاق الفاضلة والسلوكيات الجميلة.

وقد رتب الله أُجوراً عظيمة وحسنات كثيرة على هذه العبادة، وذلك لما للصيام من التأثيرات الكبيرة على حياة المسلم، والصيام منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو تطوع يتطوع به المسلم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذه العبادة، وشرع لنا أوقات كثيرة للصيام فيها، وبين لنا فضلها، وأجرها. فما علينا إلا اغتنامها.

والصوم مدرسة عظيمة يتحقق من خلالها فوائد جليلة للمسلم، فبه تتحقق التقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183]، وبالصوم تصفو النفس من كدوراتها وتزهد في الدنيا وزينتها، وتنقطع الصلة بين النفس وشيطانها، فإذا جاء يوسوس لها وعرض عليها زخرف الدنيا وشهواتها أعرضت عنه غير عابئة به، فالجوع والعطش شغلا ساحتها فصارت تعاف كل شيء، وتنصرف عن كل شيء، وبهذا تتوحد وجهتها، ويسهل انقيادها إلى خالقها، وتوجيهها إلى بارئها. فتلك المعاني وغيرها كثير يتحقق بالصيام.

والمجتمع المسلم عندما يجتمع على طاعة يحس المسلمون في أوساطهم بوحدة صفهم، ومساوتهم في جانب التكليف أمام ربهم.

ومن توثيق تلك الأخوة، وزيادة روابطها الاجتماع على الطاعات، والتعاون عليها، والتنافس في آدائها.

وأهل الحي عند قيامهم بإفطار جماعي، يكونون خلال يومهم قد أحسوا بالجوع والعطش الذي يعاني منه كثير من الفقراء الذين يعيشون في أوساطهم، فيجعلهم يمدون يد العون لإخوانهم، ولا يترددون أو يتوانون في تقديم المساعدات لهم.

فإذا اجتمع أهل الحي على إفطار جماعي ينبغي أن لا يحرم المساكين والمحتاجين منه، فهم به أولى، وحاجتهم إليه أشد، فحرمانهم منه حرمان أهل الحي من أجره.

وعلى القائمين بتنظيم مثل هذه الأمور أن يقدموا الأشياء النافعة المفيدة، بعد الإفطار، فلا يقتصر على مجرد تناول الأطعمة والأشربة، بل يكون هناك برنامج معد لمثل هذا الأمر، كإلقاء كلمة هادفة من أحد المشايخ أو طلاب العلم، أو يكون فيه دعوة للمساهمة في عمل خيري، أو أي شيء يفيد أهل الحي.

نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يوفقنا لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.