طرق علاجية لظاهرة تسرب الطلاب

أساليب علاجية وطرق وقائية لظاهرة تسرب الطلاب من الحلقات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

هناك أساليب كثيرة وطرق متعددة لعلاج ظاهرة تسرب الطلاب من الحلقات تلك الظاهرة التي تتكرر في كل مكان وزمان.. ومن أبرز الطرق العلاجية لهذه الظاهرة ما يلي:

أولاً: القدوة الصالحة:

ينبغي أن يكون المعلم ذا قدوة صالحة لطلابه في الانتظام والحضور المبكّر، وحرصه الشديد على الوقت والاستفادة منه، فالمعلّم هو القدوة الصالحة وينبغي عليه أن يربي طلابه بفعله قبل قوله لأن التربية قدوة قبل أن تكون توجيهاً، وعمل قبل أن تكون قولاً، فليس من المعقول أن ينضبط الطلاب ومعلمهم كثير التسرب والغياب.

ثانياً: غرس النية الخالصة والرغبة الصادقة:

إن الإخلاص من أعظم أعمال القلوب، وهو سر عظيم بين العبد وربه، وهو شرط لقبول العمل، ويحصل به المتعلم على رضى الله، قال الله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: 110]، وقد أكّد الإمام النووي على الإخلاص وضرورته للمعلم والمتعلم فقال: "وأول ما ينبغي للمقرئ والقارئ أن يقصدا بذلك رضى الله تعالى"1، فإنما يعطى الرجل على قدر نيته.

لذلك وجب على المعلم أن يغرس في التلميذ استحضار النية الصالحة عند التلاوة والحفظ، وأن جلوسه وحفظه وقراءته عبادة يبتغي بها وجه الله -سبحانه وتعالى- حتى يصبح ذلك خلقاً للتلميذ؛ لأن تذكر النية عند كل عمل هو في الحقيقة من أشق الأعمال على النفس، وقد ينسى التلميذ هذا الأدب النفيس، ولا يستحضره فعلى المعلم أن يذكره به.

ولا يوجد مسلم على ظهر هذه المعمورة إلا وهو يحمل لهذا الكتاب التعظيم والإجلال،  ويرغب في حفظ القرآن الكريم، وودّ لو فهم معانيه وعمل بما فيه. ولكم يزيد حرص المؤمن عندما يعلم أن هناك من ينافسه على هذا الخير ويسابقه إليه وإلى الاستزادة من حفظه، وتعلم قراءته وفهم معانيه وتفسيره وأحكامه، فلو تيقن بهذا الأمر أو وجد من يذكره به لنهضت همته، وازدادت لهفته، ووجد نفسه تواقة لتحمّل الكثير والكثير للوصول إلى هذا الهدف السامي، فما أجمل أن يجد الطفل من والديه ومعلمه الغرس الطيب لمثل هذه المعاني النبيلة في قلبه والرفع من همته، وبيان علوّ قدره ومكانته بحفظه القرآن الكريم، فإذا ما حصل المقصود وهو إخلاص العمل لله- تعالى- ووجود الرغبة الصادقة لدى الطالب كان ذلك من أعظم أسباب انتظام الطالب في الحلقة.

ثالثاً: المتابعة المستمرة:

إن جدّية المعلم في متابعة الطالب المتسرب من بداية وجود هذه الظاهرة لديه لهي من أكبر أسباب علاج هذه الظاهرة، وكما يقال: تأخرٌ، ثم تغيب، ثم انقطاع.  فهذه هي مسيرة الطالب المتسرب في الحلقة، فعلى المعلم أن ينتبه لذلك وأن لا يغفل عن الطالب المتسرب عندما تظهر أعراضه، وتكون المتابعة بالأمور التالية:

أ ) توعية الطلاب بأهمية الحضور وعدم الغياب أو التأخر.

ب) تربية الطلاب على ضرورة الانضباط بالدوام وتعليمهم الاستئذان المسبق قبل الغياب.

ج) مساءلة الطالب والتشديد عليه عند التأخر أو الغياب، وعدم قبول الطالب المتغيب المتكرر منه الغياب إلا بعذر مقنع أو الإتيان بولي أمره.

د) استخدام الاستمارات الخاصة بتنظيم الاستئذان وهي كالتالي:

1-   استمارة خاصة باستئذان الطالب قبل غيابه.

2-  استمارة خاصة بتنبيه وتوعية ولي الأمر واستدعائه، وذلك في حالة الغياب من غير عذر.

3-  استمارة خاصة بإنذار الطالب واستدعاء ولي أمره، وذلك في حالة تكرر غياب الطالب بغير عذر. 

4-   استمارة إشعار بالتوقيف المؤقت.

وبعد ذكر الاستمارات الخاصة بتنظيم الاستئذان من الحلقة القرآنية والاستمارات الخاصة بتسرب الطلاب، لا بد أن نؤكد على ضرورة وجود استمارة تسجيل خاصة بكل طالب منذ بداية افتتاح الحلقة تحمل التوعية المطلوبة لولي الأمر، مع كتابة البيانات الضرورية عن الطالب، والتي قد يرجع إليها المعلم في حالة تغيب الطالب أو انقطاعه، ولا يفوتنا التأكيد على ضرورة حضور ولي أمر الطالب عند التسجيل، فهذا الأمر قد يغفله المعلم، وهو بذلك يفتح الباب للتسرب على مصراعيه من غير أن يشعر.

هـ)  تعدد وسائل الاتصال لمتابعة الطالب المتسرب:

إن تعدد وسائل الاتصال لمتابعة الطالب المتسرب يساعد المعلم كثيراً على القضاء على ظاهرة التسرب، فسرعة متابعة الطالب قبل أن يستفحل أمره مع إخبار ولي أمره وتوعيته، مع تعدد صور المتابعة للطالب توجد لديه الشعور بأهمية المداومة والحضور فيحتاج المعلم في ذلك إلى التالي:

1-   استخدام الهاتف لإطلاع ولي أمرالطالب بذلك، سواءً كان هاتف المنزل أو العمل2.

2-   استخدام الهاتف للإستفسار عن الطالب في مدرسته من خلال المرشد الطلابي وحثه على التعاون معه في هذا الأمر3.

3-   إطلاع المسؤول من الأهالي أو مجلس الحلقة عن تسرب الطالب لمتابعة ذلك.

4-   توصية أحد طلبة الحلقة للسؤال عن الطالب المتسرب، والمجيء بأخباره، ويا حبذا من ابن الجيران إذا عرف بالصدق في ذلك.

5-   زيارة الطالب في بيته والجلوس مع ولي أمره إذا كان ذلك يجدي ووجد المعلم في وقته الفسحة لذلك وفي نفسه القدرة عليه.

رابعاً: التشجيع والتأديب:

إن امتداح السلوكيات الإيجابية كالانضباط في الحلقة، والانتظام في الحضور وتشجيعها والثناء على أصحابها لفظياً أو مادياً أو معنوياً بالأسلوب المتدرج المتوازن؛ لهو من أكبر الأسباب المغيّرة لسلوك الطلاب في الحلقة، وتحويلها من سلوكيات خاطئة في الحلقة إلى سلوكيات إيجابية، ويؤكد أهمية هذا العمل ما ورد عن عبد الله بن الحارث أنه قال:

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفُّ عبد الله وعبيد الله وكثيراً من بني العباس ثم يقول: ((من سبق إليّ فله كذا)) قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم 4.

وقد أثبتت التجارب: أن أثر الثواب -عادةً- أقوى من أثر العقاب.

وكما ينبغي على المعلم تشجيع الطالب وتأديبه فمن باب أولى أن يقوم بهذه المسؤولية وليّ أمر الطالب، فهو أقرب إلى الطالب في ذلك، وتأثيره في هذا الجانب أبلغ، وكما أن التشجيع هو من أهم الأساليب التربوية لتقليل عملية التسرب من الحلقات فإن التأديب يعتبر عاملاً مهماً لتقليص هذه الظاهرة (ظاهرة التسرب) ويكون ذلك بالنصح والتوجيه والحرمان من التشجيع والتوبيخ والزجر والتهديد اللفظي، ويكون أيضاً بالضرب غير المبرح إذا كان نافعاً وسمحت بذلك الأنظمة، ويكون كذلك بإبلاغ ولي أمر الطالب أو بالإيقاف المؤقت عن الاستمرار في الدراسة.

خامساً: إلمام المعلم بالأساليب التربوية:

  إن إلمام المعلم بالأساليب التربوية النافعة في العملية التعليمية والتربوية لهو من أقوى الوسائل التي تساعد على نجاح التربية والتعليم واستمرارية الحفظ والمراجعة والانضباط والانتظام في الحلقة.

ومما ينبغي على المعلم أن يعتني به في هذا الجانب توزيع النظرات، وإشعار الطالب بالاهتمام مع معرفة القدرات وتحديد الإمكانيات، فإذا ما ارتقى الطالب بمستواه فعندئذ يطلق عليه عبارات التشجيع والثناء حتى وإن كان الطالب في مستواه دون غيره من الطلاب، فإن ذلك مما يحييه ويبعث فيه النشاط فيزداد قوة إلى قوته وعزيمة إلى عزيمة ، كما أن الاطلاع على الجديد والعمل على التجديد والابتكار في تنشيط الطلاب بإحياء روح المنافسة والتنافس بينهم بإقامة المسابقات الهادفة التي تعين على مواصلة حفظهم وانتظامهم في حلقاتهم مع تكريمهم ببعض الجوائز التي تميز المتفاعلين عن غيرهم لهو من أنفع الأساليب الداعية إلى محبة الطلاب لمعلمهم ومحبة المعلم لهم وأما الاقتصار على أسلوب واحد فأحسب أنه من المعوقات التربوية لذلك يجب على المعلم أن لا يقتصر على ذلك.

  ونحيل الأخ المعلم للاستزادة والإلمام بهذه الأساليب التربوية إلى الكتب التالية:

1-             كتاب مهارات التدريس في الحلقات القرآنية .

2-             كتاب المدارس والكتاتيب القرآنية .

سادساً: تعاون إمام ومؤذن المسجد:

لا بد من تفعيل دور الأئمة لتبني رسالة القرآن الكريم وأهداف الحلقات القرآنية وإيجاد الصلة الدافعة لإمام ومؤذن المسجد لدعم الحلقة القرآنية بالمسجد منذ افتتاحها لزيادة التواصل وبذل التعاون والمتابعة لخدمة مسيرة الحلقة القرآنية وهذا الأمر قد جرب وطبق في بعض الحلقات وأثبت تميزاً ظاهراً للحلقات التي تحمل هذه السمة وتعاوناً كبيراً في حلّ ما قد يعترض الحلقة من صعوبات.

سابعاً: دور جمعيات تحفيظ القرآن الكريم:

يمكن لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم أن تعمل في القضاء على ظاهرة التسرب من خلال النقاط التالية:-

أ) عقد مجالس الآباء التربوية:

إن مجالس الآباء التربوية تشجع وتزيد من التواصل البنّاء بين معلم الحلقة وأسرة الطالب، ومن خلالها يكتشف ولي أمر التلميذ أن زيارته للحلقة القرآنية ومتابعته لابنه ضرورة تربوية لا بد منها، فهي تحمل التشجيع للتلميذ، والعلم بمستواه العلمي والوقوف على أخلاقه وسلوكياته مع معلمه وزملائه، فهي تحمل التواصل البناء مع المعلم لما فيه مصلحة الطالب. ووجود هذه المجالس وانتخاب عدد من أهالي الحي يمثلون الأهالي في ذلك ويعملون على متابعة الطلاب بالتعاون مع معلم الحلقة سواء كان ذلك في الرفع من مستوى الطلاب وتشجيعهم، أو كان للحد من تسربهم وغيابهم أو كان لتقويم سلوك الطلاب وتأديبهم، أو للوقوف أمام كل صاحب أذية وتشويش من خارج الحلقة لهو من أبلغ الأسباب في انتظام الطلاب وبعدهم عن التسرب والغياب ويمكن أن تعقد هذه المجالس فصلية كانت أو سنوية داخل الحلقة ويمكن للجمعية أن تدعم مثل هذه المجالس بعقد مجلس عام يحضره الأهالي للتوعية والإرشاد والتشجيع والإكرام.

ب) إصدار المطويات التوعوية: إن عناية جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بمثل هذا النوع من المطويات سواء كانت فصلية أو سنوية وإخراجها بصورة تحمل معها التشجيع والتنافس والنصح والإرشاد لهو من أقوى الأسباب الداعية إلى التواصل بين الحلقة القرآنية وأسرة الطالب. فزيادة وعي ولي الأمر بجوانب متابعة ابنه مع زيادة النصح له في ذلك وتوجيه الإرشاد المستمر له لهو من أنفع الأسباب القاضية على ظاهرة التسرب.

ج) إقامة الدورات التربوية:

إن إقامة الدورات التربوية للقائمين على تعليم القرآن الكريم في الحلقات القرآنية حالياً وهم على رأس العمل بهدف الارتقاء بمستواهم المعرفي والتعليمي وإكسابهم بعض مهارات التدريس وقواعده التربوية وإطلاعهم على الجديد في طرق التدريس والوسائل التعليمية والجوانب التربوية في ذلك مع ما قد يصاحب هذه الدورات من تبادل الخبرات والوقوف على التجارب الناجحة في القضاء على ما تواجهه هذه الحلقات من صعوبات وعلى رأسها ظاهرة التسرب والغياب لهو من أنفع الطرق وأنجح الأسباب.

د) رصد شهادة تقدير ومكافأة مالية:

إن إصدار شهادة تقدير أو رصد مكافأة مالية فصلية لكل طالب لم يتغيب طول الفصل الدراسي ولا ليوم واحد على مستوى الحلقات وتوزيعها عليه في حفل عام يذكر الطالب فيه بمواظبته وعدم انقطاعه لهو من أبلغ الأسباب المؤثرة في نفسية الطالب وتقويم سلوكه والداعية له إلى زيادة التنافس والحرص على المواظبة والحضور.

هـ) دور التوجيه والإشراف لدى جمعيات تحفيظ القرآن الكريم:

إن للتوجيه والإشراف دور بالغ الأهمية في الحلقات القرآنية لمتابعة ظاهرة التسرب أثناء الزيارات الميدانية مع ما يتخللها من مخاطبة الطلاب وحثهم على الحضور وتحذيرهم من الانقطاع، وتقديم بعض الهدايا للطلبة المثاليين وتخصيص المواظبين منهم بذلك لأنها سمة مهمة لنجاح الطالب في مسيرته في الحلقة القرآنية.

ثامناً: تفعيل دور المدرسة:

إن تفعيل دور المدرسة لخدمة الحلقة القرآنية وتجنيدها لدعم الجمعية من خلال تشجيع الطلاب وحثهم على الالتحاق بالحلقات القرآنية ومتابعتهم في الاستمرارية بها من غير انقطاع ولا غياب لهو من أبرز محاور العلاج لظاهرة التسرب ويكون ذلك:

أولاً: بعقد اجتماعات دورية مع مشرف التوعية والمرشدين الطلابيين لتوعية الطلاب بأهمية الحلقات وانضباطهم فيها .

ثانياً: بالتواصل مع المرشد الطلابي بالمدرسة التي بها طالب تحفيظ القرآن الكريم المتميز وذلك لإذاعة اسمه والثناء عليه أو تعليق اسمه في لوحة الشرف في المدرسة لتميزه في الحلقة القرآنية فكم لذلك من إسعاد له وحفز لغيره.

ثالثاً: الطالب المتسرب أو المتغيب أو المقصر لو تم الاتصال بمدرسته وفوجئ الطالب بأستاذه أو مرشده الطلابي يعاتبه أو يسائله عن ذلك لربما أقلع عن غيابه وتسربه وتقصيره.

رابعاً: لو تم تفعيل دور المدرسة مع الحلقة القرآنية بالصورة المطلوبة ووجد التنسيق والتواصل بينهما لأصبحت كل منهما متممة لرسالة الأخرى فالطالب قد يستغل شيئاً من وقت الحلقة للمذاكرة وحل الواجبات بعد أن يسمع درسه ومراجعته ، وكذلك قد تكسب هذه الصورة طالب التحفيظ بعض الدرجات في مدرسته من قبل معلميه ومعلم القرآن خصوصا لتميز الطالب عمن سواه من الطلاب بانتظامه في الحلقة القرآنية ولكونه أتى بنشاط ميزه عن غيره من الطلاب5.

وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون قد وفقنا إلى الإحاطة ببيان طرق علاج هذه الظاهرة، والحمد لله رب العالمين.


1 النووي، التبيان (ص 24).

2 انظر مهارات التدريس (ص 346).

3 انظر مذكرة المدرسين (ص 7).

4 رواه الإمام أحمد بن حنبل (1/214).

5 هذا المقال مستفاد من موقع صيد الفوائد.. بتصرف.