الثبات على الدين

الثبات على الدين

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراً .. أما بعد:

فإن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، ويخافوه، ويخشوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على كبريائه وعظمته ليهابوه. وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن جعل الابتلاء سنة من سننه الكونية، وأن المرء بحاجة إلى تمحيص ومراجعة حتى يتميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من غيره؛ فالسعيد من اعتصم بالله، وأناب ورجع إليه، والمؤمن الصادق ثابت في السراء والضراء قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ  (سورة العنكبوت:1-3)، وقال – جل وعلا -: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (سورة البقرة:214)، وقال تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون (سورة الأعراف:168). أيها المسلمون:

إن في تعاقب الشدة والرخاء، والعسر واليسر؛ كشفاً عن معادن النفوس، وطبائع القلوب؛ حيث يمحص الله المؤمنين، ويكشف الزائفين، وإن مما حث عليه الإسلام، وعظمه القرآن؛ الثبات على الدين، والاستقامة عليه؛ ذلك أن الثبات على دين الله، والاعتصام به؛ يدل دلالة قاطعة على سلامة الإيمان، وحسن الإسلام، وصحة اليقين، وحسن الظن بالله تعالى وما أعده الله – عز وجل – من النعيم المقيم في الآخرة لعباده الصالحين، وفي الدنيا من النصر والتمكين؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (سورة محمد:7-8)، وإن الثبات على دين الله خلق عظيم، ومعنى جميل؛ له في نفس الإنسان الثابت، وفيمن حوله من الناس؛ مؤثرات مهمة تفعل فعلها، وتؤثر أثرها، وفيه جوانب من الأهمية الفائقة في تربية الفرد والمجتمع، فصفة الثبات على الإسلام، والاستمرار على منهج الحق؛ نعمة عظيمة حبا الله بها أولياءه، وصفوة خلقه، وامتن عليهم بها فقال مخاطباً عبده ورسوله محمداً  : وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (سورة الإسراء:74)، وأمر الله سبحانه الملائكة الكرام بتثبيت أهل الإيمان فقال سبحانه: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (سورة الأنفال:12). والثبات على دين الله دليل على سلامة المنهج، وداعية إلى الثقة به، كما أن الثبات على الدين ضريبة النصر والتمكين، والطريق الموصلة إلى المجد والرفعة، وهو طريق سديد لتحقيق الأهداف العظيمة، والغايات النبيلة؛ فالإنسان الراغب في تعبيد الناس لرب العالمين، والعامل على رفعة دينه، وإعلاء رايته؛ لا غنى له عن الثبات.

إن الثبات يعني الاستقامة على الهدى، والتمسك بالتقى، وقسر النفس على سلوك طريق الحق والخير، والبعد عن الذنوب والمعاصي، وصوارف الهوى والشيطان. عباد الله:

إن الثبات على الدين له عوامل ومظاهر من تمسك بها صمد – بعون الله وتوفيقه – أمام كل المصاعب التي تحول بينه وبين دين الله، وإن مما يعين على الثبات أمام الفتن والابتلاءات: صحة الإيمان، وصلابة الدين؛ فكلما كان الإنسان قوياً في إيمانه، صلباً في دينه، صادقاً مع ربه؛ كلما ازداد ثباته، وقويت عزيمته، وثبتت حجته قال تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ (سورة إبراهيم:27)، وقال النبي : الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ1. كما أن الدعاء والافتقار إلى الله – عز وجل -، والاستكانة له؛ من أقوى الأسباب لدفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو من أقوى الأسباب على الثبات إذا أخلص الداعي في دعائه.

وإن المسلمين اليوم وهم يمرون بمرحلة عصيبة من مراحل تاريخنا المعاصر، وتكاد تغلب عليهم في هذه المرحلة عوامل اليأس، ومشاعر الإحباط؛ هم بأمسّ الحاجة إلى التمسك بالدين، والعض عليه بالنواجذ؛ لأن الاستسلام لليأس يقتل الهمم، ويخدر العزائم، ويدمر الطموحات، وهذه المعاني هي التي تحرك الإرادات، وبذل الجهد، ورغم تتابع الفتن، وتنوعها، وتكاثرها؛ فإن نصر الله آتٍ لا محالة – كما وعدنا سبحانه – شريطة أن نتمسك بديننا، ونعتز بشريعتنا، ويكون ولاؤنا لله ولرسوله  قال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (سورة الحـج:40)، وقال : لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ 2. ومع تكاثر أعداء الإسلام، وتكالبهم على هذا الدين، والكيد له ولأهله كما قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (سورة الصف:8)، إلا أن النصر والتمكين لحملة هذا الدين المبشَّرين بالثناء والتمكين كما في حديث ثوبان – رضي الله عنه -: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا3. ولكن عز هذه الأمة ورفعة أهل الحق – يا عباد الله – لا تتم، ولن تكون؛ إلا بالعض على هذا الدين بالنواجذ عقيدة وشريعة صدقاً وعدلاً، ثباتاً في الموقف، وصدقاً مع الله قال تعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (سورة آل عمران:139)، وقال سبحانه: وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (سورة محمد:38).

عباد الله:

إن الثبات على الدين مطلب عظيم، ورئيس لكل مسلم صادق يحب الله ورسوله، ويريد سلوك طريق الحق والاستقامة بعزيمة ورشد، والأمة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى الثبات خاصة وهي تموج بأنواع الفتن والمغريات، وأصناف الشهوات والشبهات، فضلاً عن تداعي الأمم عليها، وطمع الأعداء فيها.

ومما لا شك فيه أن حاجة المسلم اليوم لعوامل الثبات أعظم من حاجة أخيه المسلم إلى ذلك في القرون السالفة؛ وذلك لكثرة الفساد، وندرة الإخوان، وضعف المعين، وقلة الناصح والناصر في هذا الزمان، وأهم عوامل الثبات: صحة الإيمان، وصلابة الدين؛ ذلك أن الإيمان له قوته الإيجابية التي تعمل على تنمية المشاعر وتنقيتها، وأن القوة الإيمانية تترك بصماتها على الفرد والجماعة، وعلى سائر اتجاهات السلوك الإنساني، ومتى صح الإيمان، ورسخت حلاوته في قلب المؤمن؛ رزقه الله الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وكلما كان قوياً في إيمانه، صلباً في دينه، صادقاً مع ربه؛ كلما ازداد ثباته، وقويت عزيمته قال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (سورة الأحزاب:23). إنهم لما صدقوا في إيمانهم مات من مات منهم وهو ثابت لم يبدل ولم يغير؛ بتوفيق الله، وتثبيته لهم، وبين – سبحانه – أن من كان مثلهم فمصيره مصيرهم حيث قال: وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ أي الموت وهو على عهده الحق مع الله. ومن عوامل الثبات على دين الله: تدبر القرآن، والعمل به؛ فالقرآن هو كتاب الله الخالد، ومعجزة رسوله الباقية، ونعمته السابغة، وحكمته الدامغة، وهو ينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، أنزله الله على رسوله  لنقرأه تدبراً، ونتأمله تبصراً، ونسعد به تذكراً، ونجتهد في إقامة أوامره ونواهيه، وعلماً تزداد البصائر فيه تأملاً فيزيدها هداية وثباتاً وتبصراً قال تعالى: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (سورة الفرقان:32)، وقال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (سورة ص:29).

لقد أنزل الله القرآن ليكون بشيراً ونذيراً، وهادياً إلى ما ارتضى له من دينه، وسلطاناً أوضح به وجهة دينه، ودليلاً على وحدانيته، ومرشداً إلى معرفة عزته وجبروته، ومفصحاً عن صفات جلاله، وعلو شأنه، وعظيم سلطانه، وحجة لرسوله محمد  الذي أرسله به، عَلَماً على صدقه، وبيِّنة على أنه أمينه على وحيه، والصادع بأمره، فما أشرفه من كتاب يتضمن صدق متحمله، بيَّن فيه سبحانه أن حجته كافية هادية، لا يحتاج مع وضوحها إلى بينة تعدوها، أو حجة تتلوها، والقرآن الكريم وسيلة التثبيت الأولى للمؤمنين، ولقد أنزل الله القرآن العظيم منجَّماً مفصلاً، وجعل الغاية منه هي التثبيت لقلب النبي .

عباد الله:

إن القرآن الكريم أعظم مصدر للتثبيت؛ لأنه يزرع الإيمان، ويقوي الصلة بالله، كما أنه العاصم من الفتن وكيد الشيطان وغوايته، كما أنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع على ضوئها أن يُقوِّم الأوضاع التي من حوله تقييماً صحيحاً، كما أن القرآن بما اشتمل عليه من أحكام وأصول، وقواعد وحكم، وقصص؛ يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين، ومن سار على دربهم، فإن عُلم ذلك كله لزم على من أراد الثبات في الدنيا والآخرة، والفوز بالنعيم المقيم؛ أن يتخذ القرآن سميره وأنيسه، وأن يجعله رفيقه وجليسه فلا يقتصر على النظر فيه بل يحمل نفسه على العمل به، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ونسأله الثبات على دينه حتى الممات، اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد: أيها المسلمون:

إن الصبر من أجلِّ صفات النفس، وأعلاها قدراً، وأعظمها أثراً؛ قال  : الصَّبْرُ ضِيَاءٌ 4، فالصبر من أعظم الأمور والعوامل المعينة على الثبات؛ ذلك أن الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن التشويش؛ فالصبر إذن أعظم مظهر من مظاهر الثبات، ولقد أمرنا الله تعالى به فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (سورة البقرة:153)، وقال سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (سورة آل عمران:200).

ومن عوامل الثبات على المنهج الحق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها: صفة اليقين والرضا بقضاء الله وقدره, فهما من أعظم الأسباب المعينة على الثبات؛ ذلك أن اليقين هو جوهر الإيمان، ومما يعينك على الثبات: التزام شرع الله والعمل الصالح قال تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء (سورة إبراهيم:27)، قال قتادة: “أما في الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر، بل قد قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (سورة النساء:66) أي على الحق؛ ولذلك كان  يثابر على الأعمال الصالحة، “وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل”5، ومن العمل الصالح الذكر؛ فالذكر هو حياة القلوب، وشفاء الصدور، وجلاء الأحزان، وأنس المستوحشين، وأمان الخائفين، فضله عظيم، وأثره عميم، وهو من أعظم أسباب التثبيت في الجهاد وغيره6.

عباد الله:

وكما أن للثبات عوامل؛ فإن له موانع، فليتعرف عليها العبد وليتجنبها، ومن تلكم الموانع: طول الأمل؛ حيث يتولد عنه الكسل عن الطاعة، والتسويف بالتوبة، والرغبة في الدنيا والنسيان للآخرة، والقسوة في القلب، وصفاء القلب إنما يكون بتذكر الموت والقبر، والثواب والعقاب، وأهوال يوم القيامة.

ويحذرنا الله تعالى من طول الأمل فيقول: وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ (سورة الحديد:16)، ويقول – جل شأنه -: ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (سورة الحجر:3) أي دعهم يعيشوا كالأنعام، ولا يهتموا بغير الطعام والشهوات، وقوله وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ أي يشغلهم طول الأمل والعمر عن استقامة الحال على الإيمان، والأخذ بطاعة الله تعالى. وإن مما يعرض العبد إلى النكوص – عياذاً بالله – التوسع في المباحات؛ إذ أن التوسع في المباحات من الطعام والشراب، واللباس والمراكب ونحوها سبب في التفريط في بعض الطاعات، وعدم الثبات عليها، فالتوسع يورث الركون والنوم والراحة، بل قد يجر هذا التوسع إلى الوقوع في المكروهات، فلا يزال الشيطان يزين للعبد التوسع بقوله: افعل ولا حرج، حتى يقع في المكروهات، فالمباحات باب الشهوات، والشهوات لا تقف عند حد بل قد تقود إلى شر قال تعالى: كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ (سورة طـه:81)، فأمر سبحانه بالأكل ونهى عن الطغيان فيه حتى لا تميل النفس إلى البطالة والكسل، وتتقاعس عن العمل، وتطلب الراحة، ويعجز المسلم عن حملها عليه، وهذا لا يعني تحريم ما أحل الله، ولكن الآفة التوسع والاستكثار، فليكن تناول المباح بقدر7. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وتوفنا مع الأبرار، وصلِّ اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه مسلم –4816- (13/142).

2 رواه البخاري -6767- (22/286) ومسلم -3544- (10/36) .

3 رواه مسلم -5144- (14/ 68).

4 رواه مسلم -328- (2/3).

5 رواه مسلم -1303- (4/186).

6 بتصرف من مجلة البيان العدد 125 صـ42 محرم 1419هـ.