توعية شباب أهل الحي

 

 

توعية شباب أهل الحي

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

تعد مرحلة الشباب من أهم وأخطر المراحل التي يمر بها الإنسان، ولذلك فقد رفع الإسلام من شأن الشباب، وبين أن مرحلة الشباب مرحلة مهمة جداً في حياة الإنسان إذا كانت في عبادة الله وطاعته، وترك معصيته، فقد جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((وشاب نشأ في عبادة الله))؛ كما في المتفق عليه من حديث أبي هريرة  1.

وهي كذلك من أخطر المراحل إذا كانت في معصية الله، والتجرؤ على محارمه، فقد جاء في الحديث  أن الإنسان سيسأل يوم القيامة عن هذه المرحلة المهمة من حياته؛ فعن معاذ بن جبل   أن النبي   قال: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به))2.

لذلك فقد حث الإسلام على استغلال مرحلة الشباب،جاء في الحديث: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك،وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك)3.

ولم يبك الشعراء ولم يتأسفوا على شيء كتأسفهم على مرحلة الشباب، وقد عبر عن ذلك أبو العتاهية بقوله:

بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغـنِ البكاء ولاالنحيـب
فيا أسفاً أسفـت على شبـاب نعاه الشيب والرأس الخضيـب
عريت من الشباب وكنت غصناً كمـا يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشبـاب يعـود يوماً فأخـبره بمـا فعـل المشيـب

إن الشباب المؤمن عماد هذه الأمة، وسر قوتها؛ فهذا أسامة بن زيد يقود جيشاً إسلامياً صخماً لمحاربة الكفار، وكان عمره حينها ثماني عشرة سنة..

وهذان الفتيان: معاذ ومعوذ ابنا عفراء يتصديا لقتل فرعون هذه الأمة، وأعتى شخصية وجدت على هذه البسيطة في تلك الحقبة؛ ‏فعن عبد الرحمن بن عوف   قال:‏ ‏إني لفي الصف يوم ‏ ‏بدر ‏إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه: يا عم أرني ‏أبا جهل؟ ‏فقلت: يا ابن أخي وما تصنع به؟! قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله، قال: فما سرني أني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه فشدَّا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ‏ ‏ابنا عفراء4.

فهلا عاهد الله فتياننا وفتياتنا وغلماننا وشبابنا بل رجالنا ونساؤنا على أن يكونوا جنوداً من جنود الله في الدعوة إليه والتضحية من أجله؟!

والأمة التي شبابها كثير أمة قوية ومنتجة، ولهذا نجد أن الحملات التغريبية تنصب على شباب المسلمين من قبل أعداء الملة لمحاولة صد الشباب عن دينهم، ومسخ هويتهم، وتأجيج شهواتهم، وإغرائهم بماديات العصر ليبعدوهم عن السعادة الحقيقة.

لهذا وغيره كان لا بد أن يتنبه أولياء الأمور للمخاطر التي تواجه الشباب، وأن يعملوا على تحصين ووقاية الشباب من كل داء يحاول أن يزرعه أعداء الإسلام في الشباب والشابات.

وبما أن الأمر خطير جداً فإننا ندعو القائمين على المساجد أن يقيموا بتحصين الشباب من الأخطار التي تهددهم، وأن يفقهوهم في الدين، وأن يغرسوا فيهم حب الله ورسوله ودينه.

ومن الممكن أن يقيموا دورات لتوعية شباب الحي من بنين وبنات، وأن تكون هذه الدورات على مستوى عال من المدرسين، ومن الوقت الكافي والمناسب لإقامتها، واختيار المنهج المقرر الذي يناسب أعمارهم وثقافتهم ومعرفتهم..

نسأل الله أن يجنب شباب المسلمين كل سوء مكروه، وأن يرزقهم الرفقة الصالحة التي تعينهم على طاعة الله، وتحذرهم من معصية الله. والله الهادي والموفق.


1 رواه البخاري (1357)، ومسلم (1031).

2 رواه البزار (7/88)، والطبراني في الكبير (16868)، وصححه الألباني، انظر: صحيح الترغيب والترهيب (3593).

3 رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (1077).

4 رواه البخاري (3766).