تسمية المولود وحلق شعره

تسمية المولود وحلق شعره

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن محاسن دين الإسلام أنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقد بين لنا كل خير وشر، فلله الحمد على الهداية والتوفيق.. وفي هذا الموضوع نتناول أمراً شرعياً بينه لنا الشارع الحكيم، وهو ما يخص المولود من اختيار أحسن الأسماء وترك سيئها، وكذا مشروعية حلق رأسه عند ولادته..

تسمية المولود بأحسن الأسماء:

وتحت هذا الموضوع بيان أمور مهمة تتعلق بالتسمية:

1. وقت التسمية:

وردت روايات عن الصحابة تدل على أن التسمية تبدأ يوم مولده، وتصح في اليوم الثالث، وكذا في السابع وقبل ذلك وبعده.. قال ابن القيم -بعد أن ذكر الآثار والأحاديث في ذلك-: "إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المُسمَّى؛ لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به، فجاز تعريفه يوم وجوده، وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيام، وجاز إلى يوم العقيقة عنه، ويجوز قبل ذلك وبعده، والأمر فيه واسع"1.

2. الأسماء المستحبة والمكروهة:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أحبَّ أسمائكم إلى الله: عبدُ الله وعبدُ الرحمن))2.

وعن جابر رضي الله عنه قال: ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة، فأخبر النبيَّ عليه الصلاة والسلام فقال: ((سمِّ ابنك عبد الرحمن))3.

فهذا مجمل الأسماء المستحبة (عبد الله وعبد الرحمن) وقد جاء في حديث آخر: حارث وهمام.. فيختار العبد الاسم الحسن الذي يدل على التفاؤل.. ومنه الأسماء المعبدة: كعبد العزيز، وعبد الرحيم، وعبد الرزاق، وعبد العظيم.. والأسماء الأصل فيها الإباحة إلا ما كان فيها محظوراً شرعياً كتعبيد لغير الله، أو تشبه بأسماء الكفار والفجار التي تخصهم..

وأما المكروه منها والمحرم، فقد قال ابن حزم: "اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله: كعبد العزى، وعبد هبل، وعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك –حاشا عبد المطلب-" انتهى.

فلا تحل التسمية بعبد علي ولا عبد الحسين ولا عبد النبي.. ومن المحرم: التسمية بملك الملوك، وسلطان السلاطين، وشاهٍ شاه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخنع اسم عند الله رجلٌ يُسمى ملكُ الأملاك)) وفي رواية: (أخنى) بدل: أخنع.

ومن الأسماء المكروهة: يَسار، رباح، نجاح، أفلح، بركة، ويعلى، ويعود سبب كراهيتها؛ لأن في بعضها تزكية، وكذا عند النداء يقال: أعندك يسار أو رباح فتقول: لا.. فيحصل التشاؤم..

وكذا التسمية بأسماء الشياطين: كـ خنزب، والولهان، والأعور، والأجدع..

ومنها أسماء الفراعنة والجبابرة: كفرعون، وقارون، وهامان، والوليد..

ومنها أسماء الملائكة: كجبريل وميكائيل وإسرافيل..

ومنها الأسماء التي لها معان تكرهها النفوس: كـ حرب، ومُرَّة، وكلب، وحية، وأشباهها..

ومنها أسماء القرآن وسوره مثل: طه، ويس، وحم.. ذكر كل ذلك ابن القيم في (تحفة المودود). وهناك أسماء كثيرة يكره التسمي بها أو يحرم، انتشرت في عصرنا يوم أن اعتز كثير من السفلة بما يرونه من انتفاخ أبناء الغرب من اليهود والنصارى فراحوا يتسمون بأسمائهم، ويتفاخرون بذلك!. للمزيد راجع كتاب: (معجم المناهي اللفظية) للشيخ/ بكر أبو زيد.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله الحكمة من التسمي بالأسماء الجميلة وكراهية أو حرمة التسمي بغيرها، وذكر موافقة الاسم للمُسمَّى في كثير من الأمور، والله المستعان4.

4. تغيير الاسم باسم آخر لمصلحة تقتضيه:

 إذا دعت الحاجة والمصلحة تغيير الاسم فلا مانع من ذلك، بل قد يجب؛ كما إذا كان الاسم لا يجوز التسمي به؛ بأن يكون مما تقدم ذكره، أو غيره، كعبد النبي وعبد الحسين وغيرها.. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّر أسماء رجال ونساء كثيرين، وكان هذا التغيير يشمل الصغير و الكبير..

فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر اسم عاصية، وقال: ((أنتِ جميلة))5.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم: زينب)6.

وعن المسيب بن حزن عن أبيه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما اسمك؟)) قلت: حزن، فقال: ((أنت سهل)) قال: لا أُغيِّر اسماً سمانيه أبي! قال سعيد بن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد)7. قال ابن القيم: والحزونة الغلظة، ومنه: أرض حزنة وأرض سهلة)8.

وسأسرد أسماء غيَّرها رسولُ الله، ولا يتسع المجال لذكر الأحاديث:

غيَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طفلاً وسماه: المنذر.

وغير أَصْرم إلى زرعة.

قال أبو داود السجستاني رحمه الله: "وغيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم العاصِ، وعزيز، وعقلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وشهاب، وحباب، فسماه: هاشماً، وسمى حرباً: سلماً، وسمى المضطجع: المنبعث، وأرضاً يقال لها عفرة: خضرة، وشعب الضلالة سماه: شعب الهدى، وبنو الزينة سماهم: بنو الرشدة، وسمى بني مغوية: بني رشدة.. قال أبو داود: تركت أسانيدها للاختصار"9.

أما العاص فغيره مطيعاً..

وغير حرباً إلى الحسن والحسين ومحسن..

وغير عزيزاً إلى عبد الرحمن..

وغير الصَّرم إلى سعيد..

وغير غُراب إلى مُسلم.

وكما يُغيَّر الاسم لقبحه؛ يغير لتزكية فيه؛ كما غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم برة بزينب..

ومما غيره رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم المدينة: فقد كان اسمها (يثرب) فسماها طيبة وطابة.. وإنما ذكرت في القرآن (يثرب) حكاية عن قول المنافقين.. وإلا فتسميتها بذلك مكروه كراهة شديدة..

5. تكنيته:

يجوز أن يكنى الولد الصغير، وكذا الكبير من باب أولى، ولو لم يكن له ولد.. فيقال له: أبو فلان، وكذا يقال للمرأة أو البنت: أم فلان..

وقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً صغيراً: ((يا أبا عمير! ما فعل النغير؟))10.

وأبو هريرة: لم يكمن له ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تكنيته به.

وعائشة: أم عبد الله، ولم يكن لها ولد.. بل هو ابن أختها أسماء: عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

وهذا مشهور لا يحتاج إلى بيان..

والكنية تدل على إكرام المكنى، وهي نوع تعظيم له وتقدير، كما قال الشاعر:

أكنيه حين أناديه لأكرمه *** ولا ألقبه والسوأة اللقب

6. التسمي باسم نبينا عليه الصلاة والسلام والتكني بكنيته إفراداً وجمعاً:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ((تَسمَّوا باسمي، ولا تَكنَّوا بكنيتي))11.

والأحاديث في هذا كثيرة..

وقد اتفق العلماء على جواز التسمي باسم النبي (محمد)، ولكن اختلفوا في الكنية (أبو القاسم) على أقوال:

1.    يكره الجمع بين اسمه وكنيته، فإن أفرد أحدهما لم يكره..

2.    يكره التكني بكنيته، سواء جمعها إلى الاسم أو أفردها..

3.    وقالت طائفة أخرى: بل ذلك مباح، وأحاديث النهي منسوخة.. ولكلٍ مآخذ وآثار وأدلة وتعليلات، لا يتسع المجال لذكرها.12

7. الخلق يدعون يوم القيامة بآبائهم:

ثبت عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين، يرفع الله لكل غادر لواءً يوم القيامة، فيقال: هذه غَدْرة فلان بن فلان))13. والشاهد قوله: (ابن فلان) فدعي بأبيه لا بأمه.

وهذا هو الصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة ونص عليه الأئمة قال البخاري في صحيحه: (باب يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم) ثم ذكر الحديث السابق عن ابن عمر..

وقد ذكر ابن القيم ذلك في كتابه (التحفة)؛ لأن بعض الناس يزعم أنهم يُدعَون بأمهاتهم.. واحتجوا على ذلك بحديث لا يصح، وهو في معجم الطبراني.. والحديث ضعيف جداً، فبطلت الدعوى، وثبت ما جاء في السنة، من أنهم يُدعون بآبائهم.. والله أعلم.

حلق رأس المولود والتصدق بوزن شعره:

يستحب حلق رأس المولود، والتصدق بوزنه من الذهب أو الفضة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بحلق رأس الحسن والحسين يوم سابعهما، فحلق وتصدق بوزنه فضة) رواه البيهقي والهيثمي وقال: "في إسناد المعجم الكبير14 ابن لهيعة، وإسناده حسن، وبقية رواته ثقات".

وقد رُوي ذلك عن الإمام أحمد، قال: "لا بأس أن يتصدق بوزن شعر الصبي".

ويجب في الحلق أن يحلق كل الرأس أو يدعه كله، ويحرم حلق مكان من الرأس، وترك آخر؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع)15 والقزع أن يحلق بعض الرأس ويترك بعضه.. وهذا عام في المولود وغيره.

وقد ذكر ابن القيم أنواع القزع، فمنها: حلق موضع من رأسه دون موضع- أي من كل مكان- ومنها: حلق الوسط وترك الجوانب، ومنها: حلق الجوانب وترك الوسط، ومنها: حلق المقدمة وترك المؤخرة.. ويضاف إلى ذلك ما نراه في زماننا: حلق المؤخرة وترك المقدمة.. وغيرها.

فهذا بعض ما جاء في شريعة الله عن المولود من اختيار أحسن الأسماء له وترك السيئ منها، فإن الاسم يدل على المسمى في كثير من الأحيان، ولهذا غير النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأسماء تفاؤلاً بالخير وبصلاح المسمى –كما تقدم ذكره-، ثم وضح لنا مشروعية حلق رأس المولود.

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين..


1 تحفة المودود ص93.

2 رواه مسلم (2132).

3 رواه البخاري (6186)، ومسلم (2188).

4 تحفة المودود (ص100- 103).

5 رواه مسلم (2139).

6 رواه البخاري (6192) ومسلم (2141).

7 رواه البخاري (6190).

8 تحفة المودود (ص: 121).

9 ذكر ذلك أبو داود رحمه الله في سننه كتاب الأدب (4/290) عند حديث رقم (4956). وعزى الهيثمي هذه الأحاديث إلى مخرجيها انظر مجمع الزوائد (8/49-55).

10 رواه البخاري (6129) ومسلم (2150).

11 رواه البخاري (110) ومسلم (2134).

12 للاطلاع على الأقوال: انظر (تحفة المودود بأحكام المولود) ص115-119.

13 رواه البخاري (6177) ومسلم (1735).

14 المعجم الكبير للطبراني، وله المعجم الأوسط، والمعجم الصغير.

15 رواه البخاري (5921) ومسلم (2120).