خطر اللسان 2

خطر اللسان 2

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على خير البرية، ومعلم البشرية محمد بن عبدالله الصادق الأمين؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

فإن اللسان من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا، فهل أدينا شكر هذه النعمة العظيمة؟ أم جعلناها وسخرناها لمعصية الله ​​​​​​​ ؟ فيكون ذلك وبالاً علينا – عياذاً بالله -، ورد في حديث أبي هريرة  قال: سُئِلَ رسول الله  عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله، وحسن الخلق!!، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم، والفرج1، وبهذا يتضح لنا أن اللسان سبب من أسباب دخول النار كما في هذا الحديث؛ وكما في حديث معاذ  الطويل: يا رسول الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ!! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم2.

وكما أن اللسان سبب في دخول النار – والعياذ بالله -؛ فإنه سبب في دخول الجنة كذلك، فبه يكون ذكر الله ​​​​​​​ من تسبيح وتهليل، واستغفار وقراءة للقرآن، وغيرها من الطاعات، ولقد جاء أعرابي إلى النبي – عليه الصلاة والسلام – فقال: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة؟ فقال الرسول : أطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر؛ فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير3.

ولقد حث الإسلام على اختيار أحسن الكلام وأطيبه فقد ورد في الحديث أن النبي  قال: إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلّى بالليل والناس نيام4، وفي حديث أبي هريرة  قال: قال رسول الله  : كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة5، وفي حديث عدي  قال: سمعت النبي  يقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة6 متفق عليه.

ومما يدل على خطر اللسان حديث أبي هريرة  عن النبي  قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم7، وعن بلال بن الحارث المزني  صاحب رسول الله  يقول: سمعت رسول الله  يقول: إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله لها بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه8.

وللسان جرائم متعددة نستعرض بعضاً منها، ونبين خطرها:

1- منها النميمة: وهي القالةُ بين الناس أَي كثرة القَوْلِ، وإِيقاع الخصومة بين الناس بما يحكي البعضُ عن البعض9، ومما يدل على خطر النميمة ما جاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: مرَّ النبي  بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا10، وعن حذيفة  أنه بلغه أن رجلاً ينم الحديث، فقال حذيفة: سمعت رسول الله  يقول: لا يدخل الجنة نمام11.

2- ومنها الغيبة: وهي الوقيعة في الناس، وذكر عيوبهم12، وقد بيَّن معناها النبي الكريم  ، وفرق بينها وبين البهتان كما في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!! قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ في أخي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ13.

ومما يدل على خطر الغيبة هذا الحديث: عن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله  : لما عُرِجَ بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم14، وقد قال ربنا – تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ[الحجرات:12]، وفي تفسير قوله تعالى: ولا تلمزوا أنفسكم قال ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما -: “لا يطعن بعضكم على بعض”15، وعن أبي برزة الأسلمي  قال: قال رسول الله  : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته16.

3-ومنها الفحش والبذاءة واللعن: وقد جاء في ذم الفحش والبذاءة واللعن قول رسول الله  : مه يا عائشة؛ فإن الله لا يحب الفحش والتفحش وزاد فأنزل الله ​​​​​​​: وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله[المجادلة:8] إلى آخر الآية))17، وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: لم يكن النبي  فاحشاً، ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً18، ومما جاء في ذم اللعن عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال النبي  : لا يكون المؤمن لعاناً19.

أخي الكريم: هذه بعض أخطار اللسان، أشرت إليها إشارة مع ذكر الدليل، وأقتصر عليها ففيها الكفاية – بإذن الله ​​​​​​​ – لمن أراد أن يتذكر، وهي من باب التذكير، كتبتها امتثالاً لأمر الله – تبارك وتعالى – حيث قال: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، وقال: سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى [الأعلى:10]، سائلاً رب العزة والجلال أن نكون واقفين عند حدوده، عاملين بكتابه، وسنة نبيه – عليه الصلاة والسلام -.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الكريم محمد بن عبد الله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه إلى يوم الدين.


1 رواه الترمذي (4 /363) رقم (2004)، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب؛ ورواه ابن ماجة (2 /1418) برقم (4246)؛ وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2 /148) برقم (1723).

2 رواه الترمذي (5 /11) برقم (2616) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ وأحمد بن حنبل في المسند (5 /231) برقم (22069)؛ وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (2 /138) برقم (413).

3 صحيح ابن حبان (2 /97) رقم (374)؛ وبمعناه أخرجه الحاكم في المستدرك (2 /236) برقم (2861)؛ والبخاري في الأدب المفرد (1 /38) برقم (69)؛ وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2 /270) برقم (3384).

4 صحيح ابن حبان (2 /262) برقم (509)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي من حديث أبي مالك الأشعري  ، والمستدرك (1/153) برقم (270) من حديث عبد الله بن عمرو  ، وقال: على شرط الشيخين؛ وقال الألباني: صحيح لغيره، انظر: صحيح الترغيب والترهيب (1 /150) برقم (681).

5 رواه البخاري (3 /1090) برقم (2827)، ومسلم (2 /699) برقم (1009).

6 رواه البخاري (3 /1316) برقم (3400)، ، ورواه مسلم (2 /703) برقم (1016).

7 رواه البخاري (5 /2377) برقم (6113).

8 رواه الترمذي (4 /559) برقم (2319)؛ وابن ماجه (2 /1312) برقم (3969)؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (2 /358) برقم (3205)؛ وفي السلسلة الصحيحة (2 /549) برقم (888).

9 لسان العرب (11 /572).

10 رواه البخاري (1 /88) برقم (215)، ، ومسلم (1 /240) برقم (292).

11 رواه مسلم (1 /101) برقم (105).

12 لسان العرب (5 /425).

13 رواه مسلم (8 /21) برقم (6758).

14 رواه أبو داود (2 /685) برقم (4878)، وصححه الألباني انظر: صحيح الجامع رقم (5213).

15 تفسير الطبري (22 /299)؛ وتفسير ابن كثير (7 /376)؛ وتفسير القرطبي (16 /327).

16 رواه أبو داود (2 /686) برقم (4880)، وأحمد بن حنبل في المسند (4 /420) برقم (19791)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن؛ وصححه الألباني انظر: صحيح الجامع رقم (7984).

17 رواه مسلم (4 /1706) برقم (2165).

18 رواه البخاري (3 /1305) برقم (3366).

19 رواه الترمذي (4 /371) برقم (2019)، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع رقم (7774).