فضائل القرآن العظيم

فضائل القرآن العظيم

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه، أما بعد:

فقد ورد في فضل القرآن الكريم والحث على تلاوته وتدبره والتأثر به نصوص كثيرة منها:

أولاً: الآيات التي تحث على تدبر القرآن والتأثر به:

1) قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].

2) وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[الأنفال 2-3].

3) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: 57].

4) وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}[الإسراء: 82].

5) وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[الإسراء10].

6) وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}[ص: 29].

7) وقال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[القمر: 17].

8) وقال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: 21].

ثانيا: الأحاديث التي تحث على تلاوة القرآن وتدبره والتأثر به فمنها:

1) ما رواه البخاري والترمذي وأبو داود عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))1.

2) وكذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُترجَّة: ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مُرٌّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مُر))2.

3) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بتعهد القرآن والحفاظ عليه، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عَقلها))3.

4) وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران))4.

5) وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))5.

6) وروى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها))6.

7) وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الـم) حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف))7.

8) وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه))8.

9) وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))9.

10) وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((… وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله عز وجل، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده))10.

وأما أقوال الصحابة عن القرآن الكريم وفضل قراءته والعمل به فمن ذلك:

1) قال ابن مسعود رضي الله عنه: (ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخضوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون)11. وقال رضي الله عنه: (إنّا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسهل علينا العمل به، وإنّ من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن، ويصعب عليهم العمل به)12. وقال رضي الله عنه: (إذا أردتم العلم فانثروا القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين)13. وقال رضي الله عنه: (لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل -أي التمر الرديء وفي رواية: الرمل- قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة)14.

2) وقال عثمان بن عفان وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: (لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن…)15.

3) وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه!)16.

4) وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (لقد عشنا دهراً طويلاً وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين الفاتحة إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل!!)17

وإن الناظر اليوم إلى حال الأمة الإسلامية ليرى مدى بعدها عن كتاب الله تعالى، فقد هجره الكثير، ولا يفهم من الهجر أنه مجرد هجر التلاوة فقط، بل الهجر خمسة أنواع، ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب "الفوائد":

"أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.

والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.

والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاداته، وأنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصِّل العلم.

والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراده المتكلم به منه.

والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويُهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}[الفرقان: 30]. وإن كان بعض الهجر أهون من بعض"18.

فهذه آيات القرآن وأحاديث الرسول ومرويات السلف الصالح، ذكرناها لتكون تذكرة لكل مؤمن؛ كي يعلم قدر القرآن الكريم وفضله، فيحيي في نفسه ذلك حب القرآن والعناية به تلاوة وفهماً وحفظاً وعملاً.. اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، اللهم إنا نستجير بك من الفتن، ونعوذ بك من همزات الشياطين..

وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. والحمد لله رب العالمين.


1 صحيح البخاري (4739) وسنن الترمذي (2907) وسنن أبي داود (1454).

2 صحيح البخاري (5111)، وصحيح مسلم (797).

3 صحيح البخاري (5033) وصحيح مسلم (791) واللفظ له.

4 صحيح البخاري (6/ 2742)، وصحيح مسلم (798).

5 صحيح مسلم (817).

6 سنن أبي داود (1464)، وسنن الترمذي (2914)، وصححه الألباني.

7 سنن الترمذي (2910)، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع (6469).

8 صحيح مسلم (804).

9 صحيح البخاري (73)، وصحيح (815).

10 صحيح مسلم (2699).

11 مصنف ابن أبي شيبة (7/ 231).

12 تفسير القرطبي (1/40).

13 إحياء علوم الدين مجلد (1/ 498).

14 شعب الإيمان (3/406- 407).

15 الإحياء (1/522).

16 الإحياء (1/499).

17 الإحياء (1/500).

18 الفوائد (ص: 83).