الأمن من مكر الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نرى اليوم الكثير من المسلمين يرتكب المعاصي والذنوب دون خوف من الله تعالى ومن عقابه اتكالاً منهم على سعة رحمة الله تعالى وعفوه فهل هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هكذا؟!
قال أنس بن مالك رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: ((نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء))1، فإذا كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو حبيب الله فكيف بالمقصرين أمثالنا؟!
أين نحن من قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف: 96-99]. ومن قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[النحل: 45-47]، وقوله تعالى: {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً}[الإسراء: 68].
أيها الأحبة: انظروا إلى سلفنا الصالح وهم يذكرون هذه المسألة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا"2.
وعن إسماعيل بن رافع قال: "من الأمن لمكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة"3، وقال هشام بن عروة: كتب رجل إلى صاحب له: إذا أصبت من الله شيئاً فلا تأمن أن يكون فيه من الله مكر، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون"4.
وعن علي بن أبي حليمة قال: "كان ذر ابن عبد الله الخولاني إذا صلى العشاء يختلف في المسجد، فإذا أراد أن ينصرف رفع صوته بهذه الآية: {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}5.
وقال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن6.
وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل"7.
وقال الشوكاني رحمه الله عند قوله تعالى: {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} قيل: مكر الله هنا هو استدراجه بالنعمة والصحة والأولى حمله على ما هو أعم من ذلك8.
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: يقول تعالى ذكره: أفأمن يا محمد هؤلاء الذين يكذبون الله ورسوله ويجحدون آياته استدراج الله إياهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحة الأبدان ورخاء العيش كما استدرج الذين قص عليهم قصصهم من الأمم قبلهم فإن مكر الله لا يأمنه – يقول لا يأمن ذلك أن يكون استدراجاً مع مقامهم على كفرهم وإصرارهم على معصيتهم- إلا القوم الخاسرون وهم الهالكون9.
وعواقب الأمن من مكر الله تعالى وخيمة فمن ذلك:
1- أنها تجعل المؤمن غافلاً عن طاعة الله ورضوانه.
2- إذا أمن المؤمن مكر الله لم يراقب الله في تصرفاته ويرتع في الدنيا كالبهائم.
3- الأمن من مكر الله طريق يؤدي إلى جهنم وبئس المصير.
4- لا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون.
والحمد لله رب العالمين.