ويل للعرب

ويل للعرب

 

الحمد لله السميع البصير، العلي القدير، يعذب من يشاء بحكمته وقدرته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حذر وأنذر، وعلى آله وأصحابه، أما بعد:

فإن الله عز وجل لما أرسل رسله وأنزل كتبه، إنما أرسلهم منذرين ومبشرين، وما كان الله لينزل بأحد من خلقه عذاباً حتى ينذرهم، ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء: 15]، وهذه من حكمة الله ورحمته على عباده، وأن الله عز وجل لن يبعث العذاب، إلا إذا كثرت المعاصي، وظهرت، وفشت في المجتمع، وإننا في هذا الزمان العصيب، والعصر الشديد نرى المعاصي والذنوب، والفواحش، من الزنا، واللواط، وشرب الخمر، والربا، وغيرها قد انتشرت, وظهرت, وفشت، وإننا نخشى أن يأتي عذاب يأخذ الطالح والصالح، وهذا لن يكون إلا إذا كثر الخبث، وما أكثره في زماننا إلا أن الله لطيف بنا.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن عذاب سيصيب العرب، وهذا قد يأخذ العرب ويأخذ غيرهم، ولكن الحديث جاء بلفظة العرب؛ لأنهم كانوا غالبية من أسلموا في ذلك العصر, فعن زينب ابنة جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم  محمراً وجهه وهو يقول: ((لا إله إلا الله, ويل للعرب من شر قد اقترب, فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذه,- وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها- قالت زينب بنت جحش: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث))1 الويل حلول الشر وهو تفجيع، أو ويل كلمة عذاب، أو واد في جهنم2، فمن يطيق هذا الوادي، ومن لا يسعى للخلاص منه.

وخص العرب بذلك اللفظ؛ لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم, والمراد بالشر ما وقع بعده, من قتل عثمان, ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة, كما وقع في الحديث الآخر: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها))3 فالخطاب لأمة الإسلام.

فما أحوجنا إلى التوبة النصوح، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لكي ندفع هذا العذاب الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيحل بنا.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ردم يأجوج ومأجوج)) أي السد الذي بناه ذو القرنين4 ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((نعم إذا كثر الخبث)) فسره العلماء بالزنا, وأولاد الزنا, وبالفسوق والفجور, قال ابن العربي: "فيه البيان بأن الخيِّر يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه, وكذلك إذا غير عليه؛ لكن حيث لا يجدي ذلك, ويصر الشرير على عمله السيئ, ويفشو ذلك, ويكثر حتى يعم الفساد, فيهلك حينئذ القليل, والكثير, ثم يحشر كل أحد على نيته5.

"قال الطيبي في قوله: ((من شر قد اقترب)) أراد به الاختلاف الذي ظهر بين المسلمين من وقعة عثمان رضي الله عنه أو ما وقع بين علي, ومعاوية رضي الله عنهما. وقال القاري: أو أراد به قضية يزيد مع الحسين رضي الله عنه وهو في المعنى أقرب؛ لأن شره ظاهر, ثم كل أحد من العجم"6، وقد يكون هذا وذاك، وما جاء بعدهما وما هو واقع اليوم بالأمة الإسلامية في جميع بقاع الأرض من قتل وتشريد، وهدم للبيوت, وإهانة للشيوخ، وانتهاك للأعراض، واتهامات، وضعف، وجهل وتخلف، هذا وغيره من العذاب الذي أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم أصبح المسلمون اليوم يرونه أمرا طبيعيا، وهو في الحقيقة عذاب؛ لأن الخبث كثر وطغى، وقل الصالحون الآمرون بالمعروف, والناهون عن المنكر، ونخشى أن يلحق بنا ما لحق ببني إسرائيل؛ لأنهم لم ينهوا عن المنكر، ولم يأمروا بالمعروف، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيلُه وشريبُه, وخليطُه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ورسولنا قد حذرنا فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب))7، وقال أيضاً: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم))8 ولا تدفع العقوبة إلا بالأمر والنهي والإصلاح.

أخي الكريم: التوبة التوبة، والمراجعة المراجعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأعمال الصالحة والمقربة من الله سبحانه وتعالى هي والله التي ترد العذاب عن هذه الأمة، وهي التي بسببها يفرج الله عن المسلمين ما هم فيه، فهل ننتظر حتى يأتينا العذاب فيأخذ الصالح مع الطالح؟ فإن الله عز وجل إذا أنزل سطوته بأهل الأرض، فإنه يهلكهم جميعاً بما فيهم الصالحون، فقد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! إن الله إذا أنزل سطوته بأهل الأرض، وفيهم الصالحون، فيهلكون بهلاكهم؟ فقال: ((يا عائشة، إن الله عز وجل إذا أنزل سطوته بأهل نقمته، وفيهم الصالحون، فيصيرون معهم، ثم يبعثون على نياتهم)9، وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأسه بأهل الأرض)) قلت: يا رسول الله وإن كان فيهم صالحون؟ قال: ((نعم، وإن كان فيهم صالحون، يصيبهم ما أصاب الناس ثم يرجعون لرحمة الله))10.

فالحذر الحذر عباد الله من المعاصي، والذنوب والفواحش، فما أكثرها في هذا الزمان، وأما أجرأ أصحابها على ارتكابها.

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنبنا المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأله عز وجل أن يرزقنا التوبة، والإنابة، وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا, وما أسررنا وما أعلنا، إنه جواد كريم. 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه البخاري (3346) ومسلم (2880).

2 عون المعبود (11/251).

3 رواه أبو داود (4297).

4 فتح الباري (13/107).

5 فتح الباري (13/109).

6 عون المعبود (11/215).

7 سنن ابن ماجه (4009)، وحسنه الألباني.

8 سنن الترمذي(2169)، وأحمد(5/388).

9 شعب الإيمان للبيهقي (6/98) رقم (7599)، وصحيح ابن حبان (7314)، وصححه الألباني، انظر السلسلة الصحيحة (1622).

10 رواه الطبراني في الأوسط (2089) والحاكم في المستدرك (4/568) رقم (8594)، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع رقم (680).