الإخلاص في التعليم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعدُ:
فإنَّ على العامل المسلم أن يخلص العمل لله تعالى في كل عمل صالح يفعله، وأن يستحضر النية الصالحة قبل وأثناء وبعد العمل، فلا يرجو بعمله عرضاً من أعراض الدنيا، وإنما يكون شعاره دائماً وأبداً: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي}[الزمر: 14]. وأخص بالذكر هنا المدرس، والمحفظ لكتاب الله، فإنه ينبغي له أن يخلص في تدريسه وتحفيظه لكتاب الله؛ ليكون ذلك أنفع له في ديناه وأخراه، ولذلك فقد جاءت الأدلة من الكتاب والسنة بالحثِّ على إخلاص العمل لله على وجه العموم، قال الله تعالى: {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة: 5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))1. وقال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملاً أشرك فيه غيري؛ فأنا بريء منه؛ وهو كله للذي أشرك))2. وقد جاء نصوص أخرى بالإشارة إلى أهمية الإخلاص في بذل العمل وتعليمه، والتحذير من الرياء؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنْهُ قَالَ: سمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: ((إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يوْمَ الْقِيامَةِ عَليْهِ رجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِىَ بِهِ، فَعرَّفَهُ نِعْمَتَهُ، فَعَرفَهَا، قالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيها؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ: قالَ كَذَبْت، وَلكِنَّكَ قَاتلْتَ لأنَ يُقالَ جَرِيء، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ. وَرَجُل تَعلَّم الْعِلّمَ وعَلَّمَهُ، وقَرَأ الْقُرْآنَ، فَأتِىَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمهُ فَعَرَفَهَا. قالَ: فمَا عمِلْتَ فِيهَا؟ قالَ: تَعلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأتُ فِيكَ الْقُرآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّك تَعَلَّمْت الْعِلْمَ وَعَلَّمْتهُ، وقَرَأت الْقرآن لِيقالَ: هو قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أمِرَ، فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ وسَّعَ اللَّه عَلَيْهِ، وَأعْطَاه مِنْ أصنَافِ المَال، فَأُتِى بِهِ فَعرَّفَهُ نعمَهُ، فَعَرَفَهَا. قال: فَمَا عَمِلْت فيها ؟ قال: ما تركتُ مِن سَبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيهَا إلاَّ أنْفَقْتُ فيها لَك. قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّكَ فَعَلْتَ ليُقَالَ: هو جَوَادٌ فَقَدْ قيلَ، ثُمَّ أمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وجْهِهِ ثُمَّ ألْقِىَ في النار))3. وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه لما يحدث بهذا الحديث يخر مغشياً عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَعَلَّم عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا يَتَعَلَّمُهُ إلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) يَعْنى: رِيحَهَا4. ولا ينافي الإخلاص ما يتقاضاه بعض المحفظين والمعلمين لكتاب الله من رواتب شهرية من بيت مال المسلمين لتفرغهم لتعليم كتاب للناشئة؛ لما جاء في قصة اللديغ، فإن فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ الصحابة على أخذ الأجرة على القراءة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أحقَّ ما أخذتُم عليه أجراً كتابُ اللهِ))5. ولا يُنافي الإخلاص كذلك المدح والثناء مع عدم محبة الممدوح لذلك، أو تعليمه لكتاب الله من أجل أن يمدح أو يثنى عليه؛ فعنْ أبي ذَرٍّ رضي اللَّه عنْهُ قَال: قِيل لِرسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَرأَيْتَ الرَّجُلَ الذي يعْملُ الْعملَ مِنَ الخيْرِ، ويحْمدُه النَّاسُ عليه؟ قال: ((تِلْكَ عاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ))6.
نسأل الله أن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجه الكريم. اللهم اجعل أعمالنا كلها لوجهك خالصة ولهدي نبيك موافقة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.