خيركم خيركم لأهله
الحمد لله الذي أوضح لنا الشرائع والأحكام، وبين لنا الحلال من الحرام، وهدانا إلى سنة سيد الأنام، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي جعله الله حجة على الدوام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما انصرمت الشهور والأعوام، وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:
فإن الله تعالى بين أن الحياة الزوجية موطن الأنس والرحمة والمودة، وأن الحياة بغير ذلك نوع من الجحيم العاجل الذي لا يطاق، قال الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم: 21].
ومن أراد تحقيق تلك الحياة الزوجية الهادئة التي تجعل من الشخص إنساناً عاقلاً، ذا ارتياح وطمأنينة وسكون، فما عليه إلا أن يسلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع زوجاته، ولقد بينت كتب الحديث والتاريخ والسير سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهله ومع الناس جميعاً.
فقد كان عليه الصلاة والسلام خير الناس لأهله، وقد حث الناس على ذلك فقال: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))1 وأوصى المسلمين بالرفق بالنساء؛ وذلك لضعفهن فقال: ((إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها))2.
لقد أوصى الإسلام الناس بنسائهم خيراً، وكان من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع للمسلمين: ((اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالممعروف))3.
ونحن نستغفر الله العظيم في هذه الأزمان من مخالفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره بالوصية بالنساء، حيث أصبح الكثير -إلا من رحم الله- لا يتعاملون مع زوجاتهم على أنهن من بني آدم الذي كرمه الله وحمله في البر والبحر، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً.. بل صارت المرأة عند كثير من الأمم والشعوب الإسلامية مجرد خادمة لا كلمة لها ولا حق ولا رأي، أما في الدول الكافرة كأمريكا وأوروبا وغيرهما فقد غدت سلعة رخيصة لكل آخذ، انتهك عرضها، وأنهكت نفسها، وهتكت سترها، وجُعلت أداة لترويج البضائع، وتلميع الشركات والمؤسسات، واستخدمت كوسيلة للربح المادي سواء من خلال وضعها في الوظائف المختلفة: سكرتيرة ومجندة ومضيفة، وغير ذلك، أو من خلال استخدامها وسيلة لشبكات الدعارة التي تدر على أصحابها الأموال الطائلة.. فلم يعد لها الاحترام الذي يرفع من قدرها كونها أماً وأختاً معلمة ومربية الأجيال، وهي الشق الثاني الذي لا تصلح البيوت والمجتمعات إلا به.. ثم انتقل مرض استغلال المرأة وإهدار آدميتها إلى بلاد المسلمين، فوصل الأمر في كثير منها إلى ما وصلت إليه الدول الغربية من الانحلال والتمييع..
فيا أيها المسلمون: أين نحن من أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأخلاق السلف الصالح مع نسائهم؟! كانت المرأة في البيت متعلمة وعالمة ومعلمة، ومربية للأجيال، فخرج من بين يديها الأبطال والعلماء والأفذاذ، أمثال عروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير، وأنس بن مالك، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وأبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن محمد بن حنبل، ومالك بن أنس.. وكثير من أمثال هؤلاء عبر التاريخ، وكانت المرأة محترمة غير مهانة، ومكرمة بموجب الشرع والأمانة، فلله درهم من أفذاذ، ولله درهم من أناس نور الله بهم الدهر، ورفع منزلتهم، وكان ذلك جزءاً من التربية الصالحة التي نشؤوا عليها في تلك الأسر الطيبة المباركة، التي بدأت بزوجين اثنين، ثم انتهت بعظماء قدمهم التاريخ للناس.. إن المعاشرة بالمعروف واهتمام الزوج بزوجته من حيث احترامها كآدمية مكرمة وتقدير ظروفها ومساعدتها في مشاكلها النفسية والعائلية لهو من العدل الذي أمر الله به، وهو من الأمور التي تعين على إنشاء أولاد صالحين مصلحين.. والهدوء والاستقرار في الأسرة علامة جني الثمار، والأصل في كل هذا أن تعامل المرأة وفق ضوابط الشريعة الإسلامية، التي حددتها من خلال سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، ومن خلال أوامره بالرفق والرحمة بالنساء..
والله الموفق لكل خير،،