من خصائص يوم الجمعة

من خصائص يوم الجمعة

 

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداًًًًً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

فإن الله تبارك وتعالى قد خص يوم الجمعة بخصائص عدة وما ذلك إلا لأهميته وفضله، فيوم الجمعة من خير الأيام يدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة))1، وسنذكر بعضاً من هذه خصائص هذا اليوم العظيم وهي كالتالي:

أولاً: قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الصبح من يوم الجمعة، فلقد كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان، وسبب ذلك لأنهما تضمنتا ماكان، وما يكون في يومها، ولأنهما اشتملتا على خلق آدم، وذكر المعاد وحشر العباد إلى رب العباد وذلك كله يوم الجمعة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر {آلم تنزيل} السجدة، و{هل أتى على الإنسان}"2.

ثانياً: استحباب كثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلتها والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً))3، وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ))4، ورواه النسائي بلفظ: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي!! قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت (أي يقولون: قد بليت) قال: إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))5.

ثالثاً: صلاة الجمعة التي هي أحد فروض الإسلام، ومن تركها تهاوناً طبع الله على قلبه لحديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر – قال في خبر ابن إدريس – طبع على قلبه، – وفي خبر وكيع – فهو منافق))، وفي رواية ابن ماجة: ((تهاوناً بها طبع على قلبه))6.

قال العراقي رحمه الله: "المراد بالتهاون الترك بلا عذر، وبالطبع أن يصير قلبه قلب منافق"7.

رابعاً: غسل يوم الجمعة سنة مؤكدة، ومن العلماء من أوجبها مطلقاً، فمن أوجبه استدل بحديث أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم))8؛ ومن قال بسنيته استدل بحديث سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل))9.

خامساً: استحباب التطيب ولبس أحسن وأفضل الثياب التي يقدر عليها لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي؛ كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى))10.

سادساً: السواك في يوم الجمعة لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))11، وهذا عام يشمل جميع الصلوات.

سابعاً: استحباب التبكير إلى الصلاة، والاشتغال بالصلاة النافلة، والذكر، وقراءة القرآن؛ حتى يخرج الخطيب للخطبة، ووجوب الإنصات للخطبة لحديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها))12.

ثامناً: قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق))13.

تاسعاً: أن فيه ساعة يجيب الله فيها الدعاء فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه))14، وهذه الساعة قد ورد في تحديدها حديث عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة))15.

عاشراً: أن فيه خطبة يقصد بها الثناء على الله تعالى، وتمجيده والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتذكير العباد.

الحادي عشر: قراءة سورة الجمعة والمنافقون، أو الأعلى والغاشية في صلاة الجمعة لورود ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: آلم تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان حين من الدهر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون"16.

الثاني عشر: لا تكره الصلاة في يوم الجمعة في وقت الزوال لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة))17.

الثالث عشر: يستحب التبكير إلى المسجد يوم الجمعة، ومن بكر كانت له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غسل يوم الجمعة واغتسل، ودنا من الإمام واقترب واستمع وأنصت؛ كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها))18، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر))19.

فهذه بعض الخصائص التي اختص بها يوم الجمعة الذي هو أفضل من غيره من أيام الأسبوع، نسأل الله تبارك وتعالى أن يكرمنا بطاعته, وأن يوفقنا لكل خير بمنِّه وكرمه، والحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.


1 صحيح مسلم (2/585) برقم (854).

2 صحيح البخاري (1/303) برقم (851)، (1018)(1/363).

3 رواه البيهقي في السنن الكبرى (6207)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/397) برقم (1407).

4 سنن أبي داود (1/342) برقم (1047)؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/137) برقم (1647)؛ والسلسلة الصحيحة (4/32) برقم (1527).

5 سنن النسائي (3/91) برقم (1374)؛ والسلسلة الصحيحة (4/32) برقم (1527)؛ وصحيح أبي داود (1/285) برقم (13355).

6 سنن ابن ماجه(1/357)رقم(1125)؛ صحيح ابن خزيمة (3/176) رقم(1857) محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري، المكتب الإسلامي بيروت، تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي، الأحاديث مذيلة بأحكام الأعظمي والألباني عليها، سنة النشر1390 – 1970؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (1/185)رقم(923)؛ صحيح أبي داود رقم(965)؛ وفي التعليق على ابن خزيمة رقم (1857 و 1858).

7 سنن ابن ماجه(1/357).

8 صحيح البخاري (1/ 293) رقم(820)؛ ورقم(839)، (1/300) صحيح مسلم(2/ 580)رقم(846).

9 سنن أبي داود (1/151) رقم(354)؛ سنن الترمذي (2/369) رقم(497)؛ سنن النسائي (3/94) رقم (1380)؛ وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1/72)رقم (341).

10 مسند أحمد بن حنبل(5/420)رقم(23618) وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره وهذا إسناد حسن من أجل ابن إسحاق وعمران بن أبي يحيى .

11 سنن أبي داود (1/59)رقم(47)؛ سنن الترمذي (1/34)رقم(22)؛ سنن النسائي (1/12)رقم (7) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (1/945)رقم (9446)؛ وفي صحيح الجامع رقم(5315).

12 سنن أبي داود (1 /148) رقم(345)؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/70) رقم(333)؛ وصححه ابن حبان في صحيحه (7/19)رقم(2781).

13 شعب الإيمان (3/112) برقم (3039)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6470-6471)؛ وفي الجامع الصغير وزيادته (1/1142) برقم (11417).

14 صحيح مسلم (2/583) برقم (852).

15 صحيح مسلم (2/584) برقم (853).

16 صحيح مسلم (2/599) برقم (879).

17 مسند الشافعي ترتيب السندي (434) برقم (408)؛ ومسند الشافعي (1/ 63) برقم (169).

18 المستدرك (1/418) برقم (1043)؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (1/1136) برقم (11351)؛ وصحيح الجامع برقم (6405).

19 صحيح البخاري (1/301) برقم (841)؛ وصحيح مسلم (2/582) برقم (850).