فضل حفظ القرآن الكريم

فضل حفظ القرآن الكريم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:

فلا شك أن تعلم القرآن الكريم من أفضل القربات وأجل الطاعات، وقد رغب في ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وحث عليه، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتقِ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها))1. وقال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه))2.

وصاحب القرآن هو حافظ القرآن ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بقوله: "واعلم أن المراد بقوله: (صاحب القرآن) حافظه عن ظهر قلب على حد قوله صلى الله عليه وسلم: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله))3 أي: أحفظهم، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم، ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن، لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى وليس للدنيا والدرهم والدينار4.

ومن نعمة الله تعالى أن سهل تلاوة كتابه الكريم وحفظه، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[القمر: 17].

وهناك طرقٌ متنوعة تعين الإنسان على حفظ القرآن الكريم، ولكن لا بد أن تعلم أخي الحبيب جملة أمور:

أولاً: اعلم أن حفظ كتاب الله تعالى طريق فيه نوع من الطول والمشقة، ويحتاج ممن يريد سلوكه إلى همّة وعزيمة، وجد وتحمّل، يحتاج إلى أن تخصِّص له جزءاً من وقتك لا تصرفه لغيره، وأن تعيد ترتيب أولوياتك، ليكون مشروع حفظ القرآن الكريم في مقدمتها، وأن تعطيه بعد ذلك المدة الزمنية الكافية.

ثانياً: عليك العناية به بالطريقة المناسبة، والأسلوب الأمثل، وعليك الاستنارة بتجارب الآخرين، وكذلك الاستشارة لكبار الحفاظ ممن تعرف.

ومن العوامل المساعدة على حفظ كتاب الله تعالى ما يلي:

1- اجعل نيتك صادقة، فالحفظ عبادة، ومتى أخلصت فيه -كما لو أردتَ بحفظك التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح- قُبِل وتمت بركته، وإن أردتَ بحفظك الشهادة أو الوظيفة أو بليغ العبارة ضاع منك وخسرت، وربما لا تدرك شيئاً مما أردت.

2- ادع الله دائماً، واسأله الإعانة والتوفيق، وإذا ألححت الدعاء بتيسير الحفظ، وجدتَ ثمرته في بركة الوقت وتسهيل الحفظ.

3- احذر من الوقوع في المعاصي، قال وكيع بن الجراح رحمه الله: "ترك المعاصي ما جربت مثله للحفظ"5.

4- اقرأ في سير السلف، كيف كان حالهم مع القرآن، وكيف كانت هممهم العالية في الحفظ والفهم والعمل.

5- احرص على إثارة الدافع الذاتي لديك، تعرّف على منزلة القرآن، وفضل حفظه، وما أعده الله جل وعلا لك ولأهلك من الرفعة والسؤدد والسعادة في الدنيا، والأجر والكرامة في الآخرة.

6- اختر المكان المناسب، كالمساجد والغُرَف، وكل مكان بعيد عن الملهيات، واترك كل ما يشغل قلبك.

7- استعن بزميل لك، تُراجع عليه ويُراجع عليك، ويشجع كل منكما الآخر، واحذر أن تكون أحاديثكما أطول من مراجعتكما.

8- يجب أن تحفظ على يد قارئ متقن، فإن لم يتيسّر، فاطلب أجود الناس قراءة وحفظاً، وإذا أتممتَ الحفظ، فاعرضه على قارئ متقن يحمل إجازة في رواية أو قراءة أو القراءات حتى يجيزك للإقراء، ولو في رواية.

9- اجعل طبعة المصحف التي تحفظ عليها واحدة، ولا تنوّع في الطبعات؛ ليزداد حفظك رسوخاً في ذهنك.

10- رتِّل القرآن وترسَّل، ولتكن قراءتك على تمهّل، فإنه أعون على فهمه وحفظه.

11- افهم الآيات التي ترغب حفظها، حتى يكون الجهد الذي ستبذله قليلاً، ويبقى في الذهن طويلاً.

12- استذكر وكرر دائماً، ماشياً وراكباً وقائماً وقاعداً ومضطجعاً أو في الصلاة أو ضحى الجمعة، فالحفظ المفيد يحصل بالتكرار، ويساعدك على جودة التذكر في المستقبل.

13- عوِّد نفسك التدرج في الحفظ، فلا تحفظ فوق طاقتك فتترك الحفظ، واعلم أن القرآن الكريم نزل مُفرّقاً ليسهل فهمه وحفظه.

14- خصِّص وقتاً يناسبك للحفظ كل يوم، ولا تتركه أبداً، كالساعة أو الساعتين مثلاً، واحفظ فيها ما شئت، ربع حزب أو أقل أو أكثر.

15- خصِّص وقتاً للمراجعة، ولا تجعلها في فراغك أبداً، ولتكن يوماً في الأسبوع، وإذا لاحظت أن حفظك مهزوزاً ضعيفاً فخصِّص يومين كل أسبوع، ثم واصل الحفظ.

16- اعلم أنه لا بد مع الحفظ من مراجعة، فالحفظ والمراجعة أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولو أنك حفظت بدون مراجعة وأتممت حفظ القرآن، فستعلم بعد حين أنك لم تحفظ القرآن، وإذا أتممت حفظ القرآن فعليك بمراجعته دائماً، ولو كل شهرين مرة.

17- راجع القرآن الكريم، وإذا أردت أن تعرف قوة حفظك فابدأ بالطريقة التالية: طريقة (فمي مشوق)، وبها تستطيع مراجعة القرآن في سبع ليال، وهي السنّة: الفاء للفاتحة، الميم للمائدة، الياء ليونس، الميم لمريم، الشين للشعراء، الواو للصافات، القاف لقاف، وهي كما يلي:

– اليوم الأول: من أول الفاتحة إلى أول المائدة.

– اليوم الثاني: من أول المائدة إلى أول يونس.

– اليوم الثالث: من أول يونس إلى أول مريم.

– اليوم الرابع: من أول مريم إلى أول الشعراء.

– اليوم الخامس: من أول الشعراء إلى أول الصافات.

– اليوم السادس: من أول الصافات إلى أول ق.

– اليوم السابع: من أول ق إلى آخر المصحف.

فإن لم تستطع، فراجع كل يوم جزءاً، وبها تستطيع مراجعته كل شهر مرة، فإن لم تستطع، فراجع كل يوم نصف جزء، وبها تستطيع مراجعته كل شهرين مرة، فإن لم تستطع فعليك بحفظ القرآن مرة أخرى. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين6.


1 رواه أبو داود في باب استحباب الترتيل في القراءة وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2240).

2 رواه البخاري (4639).

3 رواه مسلم ( 1078).

4 السلسلة الصحيحة للألباني (5/281).

5 مختصر تاريخ دمشق (8/69).

6 – هذا المقال مستفاد من موقع تحفيظ.