صلاة التطوع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن من رحمة الله بعباده أن شرع لهم بجانب الفرائض النوافل ليتقربوا بها إليه، وقد رتب عليها أجوراً عظيمة، فهي من أفضل القربات بعد الجهاد في سبيل الله وطلب العلم؛ ولذلك داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم, وكان يؤديها تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى.
أقسام التطوع:
القسم الأول: ما تسن له الجماعة، وهو الكسوف والاستسقاء والتراويح.
والقسم الثاني: ما يُفعل على الانفراد، وهو نوعان: التطوع المطلق، وهذا غير مؤقت بوقت معين، والتطوع المقيد، وهو مؤقت بأوقات معينة، وهذا له عدة أنواع:
النوع الأول: السنن الرواتب أي المؤكدة: وهي ركعة الوتر، وعشر ركعات: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وفعل الرواتب في البيت أفضل، بل السنن كلها سوى ما تشرع له الجماعة، لحديث ابن عمر: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح، كانت ساعة لا يدخل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم حدثتني حفصة: أنه كان إذا أذن المؤذن، وطلع الفجر، صلى ركعتين)1.
وآكد هذه الركعات الوتر، وركعتي الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركهما حضراً ولا سفراً، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر)2.
ووقت السنن القبلية قبل الفرض بعد دخول الوقت، والبعدية بعد الفرض إلى نهاية الوقت.
النوع الثاني: السنن غير الرواتب، وهي تطوعات مع الرواتب أي غير مُؤكَّدة: وهي أربع قبل الظهر, وأربع بعدها، وأربع قبل صلاة العصر، وأربع بعد صلاة المغرب، وأربع بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل المغرب3.
النوع الثالث: صلوات معينة مستقلة:
1- صلاة التروايح: وهي سنة مؤكدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه)4، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: (قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)5.
2- صلاة الضحى: وهي مستحبة، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد)6، وأكثرها ثمان ركعات، لما روت أم هانئ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها، يوم فتح مكة، وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود)7.
ووقت هذه الصلاة: إذا علت الشمس واشتد حرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)8.
3- صلاة الاستخارة: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به)، قال ويُسمِّي حاجتَه9.
4- صلاة الحاجة: عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فأسبغ الوضوء, ثم صلى ركعتين يتمهما, أعطاه الله ما سأل مُعجَّلاً أو مُؤجَّلاً)10.
5- صلاة التوبة: عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له)، ثم قرأ هذه الآية : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: 135]11.
6- تحية المسجد: عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)12.
النفل المطلق:
والنوافل المطلقة تشرع في الليل كله، وفي النهار، فيما سوى أوقات النهي، وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)13.
وأفضله التهجد في جوف الليل الآخر، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له)14، وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال: سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: (أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم)15.
نسأل الله أن يتقبل منا أعمالنا، ونسأله أن يوفقنا لفعل الخير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
1 متفق عليه.
2 متفق عليه.
3 راجع الفقه الإسلامي (2/1086-1087).
4 رواه الجماعة.
5 متفق عليه.
6 متفق عليه.
7 متفق عليه.
8 رواه مسلم.
9 رواه البخاري.
10 رواه أحمد، وقال الشوكاني: إسناده صحيح، انظر الفوائد المجموعة (40)، وتحفة الذاكرين (232)، وقال الألباني: في إسناده مجهول، انظر تمام المنة (260).
11 رواه الترمذي، وابن حبان (2/390).
12 متفق عليه.
13 رواه الترمذي، صححه الألباني، انظر صحيح الترمذي رقم (360).
14 متفق عليه.
15 رواه مسلم.