الحث على التكافل والتعاون

 

 

الحث على التكافل والتعاون

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

في هذا الموضوع نقف وقفة حول الحث على التكافل والرحمة بالضعفاء؛ انطلاقاً من حديث رسول الله  : ((هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم)) رواه البخاري، وفي رواية للترمذي والنسائي: ((أبغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)).

أول واجب على الإنسان نحو الضعفاء من: اليتامى والأطفال والعجزة والنساء والفقراءوالخدم والمظلومين، هو الرحمة التي تتمثل في الرفق بهؤلاء والحنو عليهم، والمساهمة الفعالة في تخفيف آلامهم، ودفع ما ينزل بهم من ضرر وجور، ومحاولة الترفية عنهم بكل وسيلة ممكنة.

وهذا هو ما فرضه الإسلام، وجعله سبيلاً إلى رضوان الله ومحبته..فالله يرحم من عباده الرحماء..

فإذا تحجرت القلوب، وغلظت الأكباد، وتنكرت للقيام بهذا الواجب الإنساني، كان إعلاماً وإيذاناً بأن هؤلاء القساة ليسوا أهلاً لأن ينتظموا في سلك السعداء.

يقول الرسول  : ((إنما يرحم الله من عباده الرحماء)) رواه البخاري ومسلم. وقال: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) رواه الترمذي وغيره وقال: ((من لا يرحم لا يُرحم)) رواه الترمذي.

أسباب عناية الإسلام بهؤلاء:

أولاً: لأنهم أناس مثلهم مثل غيرهم، ومن حق الإنسان أن تصان كرامته، ويأخذ حقه كاملاً غير منقوص.

ثانياً: لأنهم يمثلون الأكثرية في كل مجتمع. والمجتمع الصالح لا بد له من رعاية هؤلاء، لأنهم قوة بشرية، يمكن الانتفاع بها لو أحسنت رعايتها، ووجهت الوجهة الصالحة لاستخراج ما فيها من قوى وطاقات.

ثالثاً: إن رعاية هؤلاء تقي المجتمع من أن يتعرض للهزات التي تؤثر في كيانه، وتقيه شر التمرد عليه.

ما قدمه الإسلام لهؤلاء الضعفاء:  (ويجب أن نعمل به اليوم )

1.الإسلام منع من كل ما كان يلحق اليتامى والنساء من ظلم؛ فقد كان العرب يمنعون من توريثهم بحجة أن من لا يقاتل لا يرث! فأبطل الإسلام هذا الإجحاف، وجعل لهم حقاً في الميراث، ونزل في ذلك قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}[النساء: 7]، وقال تعالى في توريث اليتامى وإعطائهم أموالهم: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء:2].

2.اعتبر الإسلام الاعتداء على مال اليتيم جريمة من أكبر الجرائم، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10].

3.اعتبر الإسلام إهانة اليتيم وترك الحض على طعام المسكين من التكذيب بيوم الدين، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[الماعون: 1-7]. وقال تعالى: {كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الفجر: 17-18].

4.نبه الإسلام وأرشد إلى إكرام اليتيم والأرملة والمسكين، ورتب على ذلك الفضل الكبير والأجر الكثير، قال رسول الله  : ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار)) رواه البخاري ومسلم، ويقول أيضاً: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)) وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى) رواه البخاري ومسلم.

5.جعل الإسلام لهؤلاء حقاً في مال الغني قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * للسائلِ والمحروم}[المعارج: 24-25] وهذا الحق الذي أوجبه الله تعالى للمحتاجين في مال الأغنياء، إنما يقدر بقدر كفايتهم من القوت، والملبس، والمسكن، وسائر الحاجات الضرورية التي لا يستغني عنها الإنسان ليعيش.

وقد كان من آثار تعاليم الإسلام هذه أن شعر الضعفاء بأن يداً حانية تمسح آلامهم فأحبوا مجتمعهم، وأخلصوا له، ووثقوا به، وفتح أمامهم باب الأمل والعمل، فوجدوا ما يريدون، دون أن يعوقهم معوق، أو يصرفهم عن أهدافهم صارف. وبهذا سادت روح المحبة والرحمة، ونمت عواطف البر والحنان، وأظل الجميع السلام والوئام، وأحسوا بطعم الراحة والهناء.

وأي مجتمع تتوافر فيه هذه المبادئ الكريمة، يكون أهنأ المجتمعات، وأقربها إلى السعادة، وأحقها بالسيادة والقيادة.1

إذن لو أخذنا -نحن المسلمين- بهذه التعاليم لما وجد كثير وكثير من المحرومين والمظلومين الذين ظلمهم الأغنياء بمنع الزكاة، وظلم الأغنياء أنفسهم بمنع الزكاة وحملوها ما لا تطيق {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}[التوبة: 35].

أين الناس اليوم من هذه التعاليم؟

وأين الأغنياء من دفع زكاة أموالهم؟

ومع كل هذا الواقع المؤلم نرى بشائر الخير عند بعض الأغنياء، حيث نجدهم ينفقون الأموال الطائلة للمحتاجين.. لكنهم قليل من كثير.. فكم من أغنياء وأغنياء لا يؤدون الواجب عليهم! أصلحهم الله وهداهم إلى دينه الحق..

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا،وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين2.


1 من كتاب (إسلامنا) لسيد سابق – رحمه الله -. بتصرف.  

2 هذا الدعاء نص حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو:  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)).